ماذا فعل ليصير دمه على الارض شاهدا ؟
هل كان ذنبه انه لم يعرف لغة الكراهية؟
هل اخطأ حين اختار ان يكون طيبا في بيت لا يعرف الا القسوة ووصمة البلاهة والغباء لمن هو طيب .
الغربة ليست في السفر للمدن البعيدة، الغربة تبدأ حين تكتشف ان اقرب الناس هم اول من يتركونك وحيدا.
انك تجلس بينهم لكنك غريب، تنادي ولا يرد احد، تسقط ولا تمتد اليك يد العون منهم
تتعلم ان البيت قد يكون قبرا مفتوح العينين، وان الاخ قد يكون اول من يغرس السكين أو يضربك بسهام الخيبة كلما توسمت فيه خيرا .
يقتلونك مرة حين يخذلونك، ومرات كثيرة حين يتجاهلونك، والف مرة حين يقنعونك انك انت السبب.
يتركونك تمشي بجثة داخلك، تضحك بوجههم بينما روحك تتلاشي .
وبينما انت كذلك يسقطون عليك أفعالهم وبضمير ميت .
ماذا فعل هابيل ليقتل؟
كل ما فعله انه لم يستحل دم اخيه ولا نظر إليه نظرة مليئة بالحقد .
انه ظل نقيا ولم يفكر في كره أخيه له ولم يتوقع أنه سيكون ضحية كراهية أخيه له .
انه صدق بينما كان أخيه يتقن الخيانة.
في بيوتنا كلها يوجد قابيل و هابيل والقصة تعاد والشاهد هناك ليس هو الدم ولا القتل بل انظروا لمن قتلت الحياة بعينيه بفعل قبضة أخيه .
نحن لا نقتل بعيدا… نحن نقتل هنا على مائدة الطعام، في غرف النوم، في الصمت الموحش الذي يبتلعنا.
نقتل كل يوم بنظرة احتقار، بكلمة تسخرمنا ، بظهر يدير لنا وكأننا لا نساوي شيئا.
واحيانا القتل لا يكون ضربة واحدة… بل موتا بطيئا نعيشه كل صباح، ونبتلع مرارته حتى آخر الليل.
يتركونك تموت وانت حي، ويمرون بجوار جثتك وكأن شيئا لم يحدث.
كل ما فعله هابيل… انه احب.
وكل ما فعلوه… انهم لم يحتملوا وجه الحب النقي.
وفي النهاية لم يفعل شيئا ،
سوى انه كان مرآة اظهرت قبحهم فقرروا ان يكسروا المرآة.