إلى جارتي العجوز،
شريكتي في غرفة الألم، اعذري اقتصابي غير المتعمد عند إجابتي على سيل أسئلتك التي أرى الغرض منها واضحًا: هو التخفيف على كلينا ووصل حبل ود مؤقت حتى انتهاء إقامتنا الجبرية.
أعرف جيدًا يا عزيزتي أن الحكايات هي مسكن قوي المفعول للألم، حتى وإن لم يقره الأطباء ولم تدسه لي الممرضة في الكانولا لأنه غير موصوف في روشتتي.
أعرف ذلك منذ الصبا، فأنا أتألم منذ زمن، ولم يلهني أبدًا إلا الحكايا.
لكن ألمي هذه المرة ممزوج بالخوف والوحدة والبرد والقلق، وأنا لا أعرفك جيدًا لأشاركك النميمة حول آراء الأطباء التي نظنها - ويا لجرأتنا - غير دقيقة. لا أعرفك جيدًا لأشارك طعامك، لكني أحب أن تشاركيني ما هو لي غير حالتي الصحية وما قاله تقرير الأشعة والتحاليل والطبيبات الثلاث اللواتي اجتمعن ليصدرن قرارًا صغيرًا بشأن حالتي، فاستعن بثلاثة أطباء أكبر منهن، وأصبح مشهد فحصي يجب أن يُسجل في جينيس وليس في ملفي الطبي.
سامحيني، لست في مزاج جيد، وأنا شريكة غرفة مملة، وشريكة سفر مملة، لأنني أمام كل مجهول أنعزل تمامًا إلى خيالي، أناكفه ويشاغبني، يخيفني ويهددني، فأتسلح بالدعاء حتى الطمأنينة.
ربما في وقت آخر كنت سأبدي إعجابي الشديد بقدرتك الفائقة على إدارة شؤون أولادك حتى وأنتِ على فراش المرض، وبينك وبينهم مئات الكيلومترات، ويتحكم في حالتك جهاز غريب يصرخ كلما مددتِ جسدك على السرير. ورغم أنني لم أره قبلاً، إلا أن فضولي لم يغلبني لأسألك عنه.
في زمن آخر، كنت سأفترش حصيرة أمامك لتصفِي لي بدقة الفرق بين البرغل والفريك، وكيف يُصنع كل منهما.
كنت سأكتب وراءك وصفة السمان بالأرز المبهر، وكيف أربيه، وماذا أطْعمه حتى يصبح لذيذًا كما وصفته.
في زمن آخر، بلا برد متحالف ضدي مع "هيموجلوبيني" المفقود، كنت سأفتح شبابيك الغرفة الواسعة لأراقب البرق والرعد وزخات المطر، وأردد مع كل زخة دعوة أظنها مستجابة.
في يوم آخر، كنتُ سأتأبط ذراعك وأحمل لك جهازك الغريب لنتجول في طرقة المستشفى الطويلة، ونتخيل أنها عادت إلى الزمن الذي كانت فيه قصرًا قبل أن تهديه صاحبته لعلاج المرضى، ونتخيل الحفل الذي سيقام تمامًا بعد يومين احتفالاً برأس السنة.
ونعد ملابسنا سويًا، وقوائم المدعوين وطعامهم، والهدايا التي سيحملها الضيوف معهم إلى بيوتهم.
في وقت آخر كنا سنصبح أصدقاء رغم فارق السن الكبير، وكنت سأبدي إعجابي بلهجتك الصعيدية الخالصة التي لم تعكرها هجرة أو اختلاط.
في وقت آخر، صدقيني كنتِ ستحبينني، وأتمنى أن يأتي.