في صبيحة اليوم التالي بعد تناول الإفطار وإعلان إذن الانصراف من الجد استعد جسار للانصراف لمباشرة الأرض
فنادت عليه دلال:
- جسار عاوزاك في كلمه لو سمحت.
- خير يا دلال.
- أنا كنت عاوزه أنزل مصر عشان أشوف مواعيد الامتحانات وأجيب الكتب اللي ناقصاني، وبابا قالي أكلمك وأقولك عشان الامتحان بعد شهرين فيا دوبك ألحق أذاكر.
باندهاش سأل:
- واه، أنتي في الكليه إياك؟!
- أيوه.
- كليه إيه؟
- تجاره.
فقال لها مبتسمًا:
-حاضر من عنيا هاكلم الجد وآخد الاذن ونندلوا نخلصوا اللي وراكي.
كلف دياب رجاله بنقل أوراق ولديه لمدرسة النجع.
ولكن لطفي صارح والده بعدم رغبته في إكمال تعليمه
فغضب دياب قائلًا له:
- يا ولدي مش معنى إن عندينا أراضي وأملاك إنك ما تكملش علامك، مش مهم الدرجات بس تاخد شهادتك وتكمل علامك كيه ولاد عمامك.
فرد لطفي:
- حاضر يا بوي.
ضحك دياب:
- كده صوح اتحددتوا صعيدي، سيبكم من لغوة المصاروه المتجلعه دي، آني ما عرفتش اتحتت كيه المصاروه واصل، ومن بكره هتروحوا المدرسه ومش معني إنكم ولاد العزايزه إنكم تتكبروا على زملاتكم، لاه، أنا عاوز الكل يحبكم وما يجبش سيرتكم غير بالطيب.
فردا بالإيجاب:
- حاضر يا بوي.
وقال سامي:
- بس احنا لينا طلب يا بوي.
رد دياب:
- اللي تعوزوه يحضر في التو واللحظه عاوزين إيه؟
فقالا:
- عاوزين نتعلم نركب خيل.
ضحك دياب:
- أيوه هم دول ولادي، من عنيا، حمدان السايس هيعلمكم، ويخليكم كيه الفوارس، تعالوا معايا.
اصطحبهم للإسطبل وطلب منهم اختيار الحصان الذي يعجبهم، اختار سامي حصانًا أبيض، بينما اختار لطفي حصانًا أسود.
ابتسم دياب قائلًا:
- كان جلبي حاسس باللي عتختاروه، حصانك الابيض ده يا سامي اسمه "الزين" وهو زين وهادي زيك تمام، وانت يا لطفي حصانك الاسود اسمه "الصياح " وهو صعيب ومش أي حد يقدر يركبه ولا حتى يجرب منيه شوف إكده هيرضي بيك وإلا لاه.
اقترب لطفي من الصياح وهو واثق من نفسه ووضع بضعة قطع من السكر النبات في يده.
فضحك دياب وقال:
- عتفكر تضحك عليه، هو ما بيهموش الكلام ده لو ما حبكش مش هيخليك تجرب له.
فنظر لطفي في عين الصياح واقترب منه قائلًا:
- إيه يا صياح أنت مش هتحبني زي ما حبيتك.
وملس على شعره وأخذ يربت على عنقه واحتضنه، وكان الصياح هادئًا فمد لطفي يده له بالسكر فالتقمه من يده وصهل صهيلًا هادئًا، كأنه يوافق لطفي في محبته له ثم قرب الصياح رأسه من لطفي فعانقه لطفي قائلًا:
- وأنا كمان حبيتك من أول نظره.
ضحك دياب وهو يقول:
- الله أكبر! والله عمره ما عملها جبل سابج مع حد غيرى، كنه حاسس إنك من دمي، مبروك عليكم يا ولاد.
ركض الولدان إلى أمها ليفرحاها بتملكهما للحصانين.
أما درية فقد نادت على مليحة وطالبتها بإرسال من يحضر لها الدلالة بخاطرهم.
جاءت بخاطرهم
- قلبي عندك يا ست الستات، دي زي ما يكون حد عاملك عمل يبعد عنك البيه دياب، يا لهوتي بعد كل اللي عملناه ده عشان يبقي في حضنك وما يفارقش سريرك يطلع متجوز والأنكى مخلف كمان منها، لا وإيه مخلف جوز صبيان، مش عارفه يا ست االهانم مستخبيلك فين كل ده؟ إيه اللي اسمها نوال دي إيه ساحراله، بس أنا كشفت ولقيت البيه مش مسحور له، أمال إيه بس؟! يا خسارة الرجاله أما تطب في الحب يا خسارة.
فردت درية:
- سيبك من الكلام اللي لا يودي ولا يجيب ده خليني في المفيد آني مش ناجصه تولعيني آني جواتي نار تحرج النجع كلاته بحريمه ورجالته، اسمعيني زين، عاوزه سم يا بخاطرهم، سم ما يبجاش ليه أتر ولا حد يشك أبدًا إن الموته مش موتت ربنا.
ردت بخاطرهم:
- حاضر يا ستنا، بس يعني كله بتمنه انتي عارفه إني هاسافر مخصوص لناس في البندر حبايبي يجهزوا طلبك ده، ناس جامدين قوي، ولا يمكن يتكشف.
فردت درية:
- اللي تعوزيه هتاخديه بس في ظرف سبوع يكون عندي.
أومأت بخاطرهم:
- حاضر يا ستنا إنتي تؤمري بس خليهم أسبوعين، ده طلب مخصوص مش سم عادي كده وخلاص وهاخد عشر تلاف جنيه خمسه دلوقت وخمسه لما أجيبه.
توجهت درية لدولابها وأخرجت النقود وأعطتها لها وانصرفت بخاطرهم.
كلم جسار الجد في مسألة سفر دلال لمصر، صمت الجد قليلًا ثم قال:
- تسافر معها هي وأمها وبنات عمك التنتين وأمهم عشان يشتروا شوارهم من مصر مره واحده.
أبلغ جسار دلال والفتيات بأوامر الجد
سافر الجميع في السيارة ذات الدفع الرباعي يقودها جسار فهو يحب قيادة السيارة بنفسه كان طوال الطريق يمازح بنات عمه وأمهم وزوجة عمه نوال أما حديثه مع دلال كان قليلًا لكنه طوال الطريق كان يشغل سي دي السيارة بأغاني الغرام لأم كلثوم ونجاة.
نزلوا في الفندق الذي اعتاد جسار النزول فيه فسألهم جسار :
- رايدين جناح كلاتكم مع بعض وألا كل واحده مع بناتها.
نوال أجابته:
- لو كلنا مع بعض يبقي أحسن إلا إذا كانت الحاجه صفيه عندها مانع.
فأجابت صفية:
- مانع إيه إحنا نتشرفوا بالجعده معاكي يا حاجه نوال.
فبادرتها نوال:
- ربنا يفرحك بتقوليلي يا حاجه، من بقك لباب السما.
لتبادر صفية:
- خلاص يبجي تطلعي معانا الحج السنادي.
ظهر السرور على وجه نوال:
- بجد، بتتكلمي جد وإلا عزومة مراكبيه؟!
فردت صفية:
- ودي فيها هزار، إحنا بنطلعوا نحجوا كل سنه، عيلتين يطلعوا مع الحاج فارس والحاجة دلال.
لتحتضنها نوال بحب وفرحة كبيرة.
فحجز لهم جسار جناحًا كبيرًا وحجز لنفسه غرفة مجاورة لهم واتفق مع دلال لاصطحابها غدًا للكلية.
أمضى جسار ليلته يفكر في دلال وجمالها ويحدث نفسه
"الدنيا ضحكت لك يا جسار ونصيبك زين، بنته كيه الجمر وبميت راجل، أنت شكلك عشجتها يا جسار مش أكده، حاسس إنها بتشدني، كيه ما أعرفش، الود ودي ألزج فيها ما أفارجهاش، يا بوووي عليك يا جسار أنت اللي كيه الجبل تهزك بنته، بس يا واد دي مش أي بنته، دي مرتي"
وهاتفها
"مساء الفل على القمر"
"إيه ده قمر، ما انت بتعرف تتكلم مصراوي على رأي جدو أهو"
ضحك قائلًا "أنا ما حدش يتوقعني، أنا باعمل كل اللي حاجه"
"امممممم، شكلك مش سهل يا زوجي العزيز"
"بتعملي إيه؟"
"هاعمل إيه قاعده علي السرير بأكلمك، وماما وبنات عمك الحلوين وطنط صفيه كلهم راميين ودانهم معايا" وأخذت تضحك
"يا بوووووي إيه الضحكه اللي تدوب الحجر دي، إياكي تضحكي أكده جدام حد، معايا آني بس"
"حاضر، نام بقي ورانا مشاوير بكره"
"هنام، وهاحلم كمان بيكي يا قمر الليالي"
"اتلم بقى" وضحكت "تصبح على خير"
"تصبح على خير، حاف أكده"
"أمال عاوز إيه؟ ها عاوز اييييه"
ضحك "عاوز سلامتك، يا حبيبتي"
"إنت قلت إيه؟"
"جلت حبيبتي، ومرتي كمان، مش هتقوليلي انت كمان حبيبي"
ضحكت ضحكة خجلة" تصبح على خير يا جسار"
وأنهيا المكالمة وكان وجه دلال مُحمرًا فالتفت حولها رقية وزهرة يتساءلان عن المكالمة قالت زهرة:
- هاه، جالك إيه واد عمنا خلاكي كيه الفراوله إكده.
- بس يا بنات بقي ما تكسفونيش.
فقالت رقية:
- ما تكسفونيش! هي وصلت لمتكسفونيش، واه كن جسار عيعرف يحب ويجول كلام زين، معجول ده كيه الجبل!
فقالت زهرة:
- جبل ايه بجي! حد يتجوز بت عمك الجمر دي ويبجي جبل، شكلها دوبت ألواح الثلج.
وانفجرن في الضحك وأخذن يتسامرن حتى غفون.
استيقظ جسار وهاتف دلال لتقابله في بهو الفندق
نزلت دلال تبحث يمنة ويسرة عن جسار ففاجأها من يضع يده على كتفها متسائلًا بصوت غاضب:
- إنتي راحه الكليه أكده؟
فاستدارت لتجد نفسها أمام شاب يرتدي الملابس الكاجوال، فهي لم تره سوى بالجلباب والعباءة، أما اليوم فهو يرتدي بنطلون أسود من الجينز وقميصًا أسودًا وزاده الأسود وسامة فوق وسامته، وقفت دلال تناظره شاردة في وسامته وطلته المهيبة حتى أفاقت على هزه لها:
- دلال باجولك راحة الكليه إكده؟
- إكده إزاي؟ ما أنا لابسه حلو أهو.
قال متضايقًا:
- لا البلوزه دي ضيجه وجصيره يا تلبسي حاجه طويله يا اماتن تلبسي عبايه، وشعرك ده لميه.
قالت مستنكرة:
- عبايه في الكليه لا، هالبس حاجه أطول، عشر دقايق وأكون قدامك، (ثم اقتربت منه) اياك تبص يمين وإلا شمال بحلاوتك دي.
فضحك جسار وجرت هي من أمامه قبل أن يرد عليها
نزلت بعد قليل مرتدية جيب بنطلون أسود بورود صغيرة خضراء متناثرة هنا وهناك وعليه بلوزة سوداء تصل لخصر البنطلون وعليها بلورو أخضر مربوط من الأمام ورفعت شعرها في ذيل حصان.
- ها تمام كده؟ واسع أهو ولميت شعري، أظن كده فل الفل.
نظر لها نظرة مطولة يتأملها وهي تشع أمامه كالقمر :
- تمام إكده يالا نفطروا.
ورفع لها ذراعه ثم أثناها لتتعلق ذراعها في ذراعه وهي في قمة سعادتها.
تناولا الإفطار ثم توجها للكلية وصورت الجدول بالموبايل وتركها قليلًا ليحضر لها أحد الكتب التي تباع في الكلية.
كانت تقف وحدها فأتى شاب متغزلًا في جمالها
ـ الله، الله! ده كليتنا بقت بتطلع حلويات أهو، القمر في سنه أولى وإلا في سنه كام؟
لم ترد عليه دلال فاقترب قليلًا:
- القمر بيتقل علينا ليه؟
وحاول إمساك يدها
كان جسار قادمًا من بعيد، رأى الشاب يقترب منها فسارع خطاه لكنه توقف مكانه عندما سمع دلال تقول له بأعلى صوت:
- القمر ده عند أمك يا ظريف.
وضربته بحقيبتها على وجهه وهي تكمل تقريعها الغاضب:
- وايدك دي تتقطع قبل ما تقرب لي.
وعاجلته بضربة ثانية؛ سقط الشاب أرضًا من مفاجئته بالضربة، لم يتصور أن وديعة مثلها قد تضربه بهذه القوة، حاول استجماع قوته ليقوم ويضربها فوجد قدم جسار على صدره قائلًا:
- اللي يفكر يمد يده على بنات الناس مكانه الأرض، وإن كنت مستغني عن نفسك فكر تجوم.
تجمع الطلاب حولهم وقال أحدهم:
- إيه يا أستاذ عامل فيه كده ليه؟
قال جسار:
- حاول يمسك يد مرتي واتحرش بيها.
فقال الطالب:
- لا بقي ده عاوز يتربى، انت يا واد انت مش قولنالك بطل عمايلك دي؟!
وانهالوا عليه ضربًا، جزاء لما فعله.
وتركهم جسار ودلال وانصرفا للسيارة ليقول جسار: -إنتي بت بميت راجل يا دلال أنا مبسوط باللي عملتيه بس ما كتيش خايفه ليضربك؟
فقالت بسرعة:
- يضرب مين يا حبيبي؟ ده أنا كنت نسلت عليه جذمتي.
قال مبتسمًا:
- جولتي إيه؟
فقالت مؤكدة:
- نسلت عليه جذمتي، إيه كان يستاهل أقل من كده؟
فقال غامزًا:
- قبل نسلت عليه جولتي إيه؟
ففطنت لمناداته بحبيبي واحمر وجهها فضحك جسار وقاد السيارة متوجههًا للفندق وأمضى اليوم برفقتهم يتبضعون ما يحتاجونه، أمضوا أسبوعًا حتى أنهوا شراء ملابس الفرح ومستلزمات العرائس.
اصطحب جسار دلال للتنزه وحدهما أكثر من مرة على النيل وأراها كل الأماكن التي لم تذهب لها، وهي متشبثه بذراعه وفي قمة سعادتها
في إحدى النزهات بعد أن عادا بينما هما في المصعد وحدهما اقترب منها جسار وفاجئها بقبله على حين غرة وقبلها فانتفضت وصفعته بدون أن تشعر ثم أغمضت عينيها ورفعت كفيها وهي تقبضهما قائلة:
- وربنا آسفه مش قصدي، أنت فاجئتني وأنا.....
ليفتح باب المصعد وتهرول هاربة
فدخلت الجناح وأغلقته، وما أن أغلقت الباب حتى وجدته يتصل بها، فردت لتقول بسرعة:
- اتلم بقي، أنا متراقبه في الأوضه ولا مراقبه الاف بي آى.
فضحك:
- حساب اللي عملتيه ده بعدين.
وأنهيا المكالمة.
في الأيام التالية
كانا يمضيان الليل على الهاتف يتحدثان ويتناجيان الهوى حتى تصرخ نوال:
- كفايه حب، ناموا بقي، ورانا مشاوير.
إلى أن مر الأسبوع
أخبرهم جسار أن عمار ورضوان قادمان اليوم للذهاب لدمياط لشراء أثاث أجنحتهم فسألت دلال:
- هو لسه فيه مكان في القصر؟ بيتهيئلي كله دلوقتي اتسكن ما فيش مكان نقعد فيه؟!
فأجابها جسار:
- لا هيتبني ملحج بالقصر فيه تلات أجنحه لينا.
سألت دلال:
- وده هيلحق يتبني؟
ضحك جسار:
- لو عاوزينه يخلص في شهر هيخلص.
فقالت دلال:
- طب وهنحجز العفش من دلوقت ليه؟
- الجد أمر بكده والناس في المعرض عارفينا واللي ما تعجبهاش حاجه تنجي من أي مكان وهيجيلها اللي شاورت عليه.
اختاروا الأثاث الذي يريدون وعادوا للنجع لكن هذه المرة جسار ودلال وأمها في سيارة ورضوان وعمار ورقية وزهرة وصفية في سيارة،
طوال الطريق كان حديث النظرات بين دلال وجسار لا ينقطع
وصلوا النجع ودخلوا للسلام على الجد
وقبلته دلال من وجنته فقال:
- يوه يا بنت دياب جلت ما لوش لازم جلع المصراويه ده.
فقالت له وهي تقبله مرة أخرى:
- يا جدو يا سكر انت وربنا بحبك.
فقال ضاحكًا:
- وآني عاحبك بس من غير بوس.
مرت الأيام كان دياب يمضي عند كل زوجة ليلة وبالنسبة له كانت ليلته عند نوال هي أسعد ليلة، والكل منشغل في الإعداد للزواج وبناء الملحق وتشطيبه على أحسن ما يكون والكل يعيش في انسجام وتناغم والعرسان تزداد بينهم المحبة ويقضون الليل في الكلام على الهاتف.
مر الأسبوعان جاءت بخاطرها ومعها السم المتفق عليه، ولكن إرادة الله في كشف مستور الإجرام تجلت حين تصادف حديثهما مع دخول مليحة لتقديم الشاي، فكانت تسير بهدوء فلم تنتبها لدخولها ليتناهى لسمعها ما لم تكن تتوقع سماعه على الإطلاق فتسمرت قدماها لتسمع حديث الشيطانتين
سألت درية في لهفة واضحة بصوتها:
- ها يا بخاطرها مضمون السم ده ومش هيبان؟
ردت بخاطرها بثقة:
- طبعًا يا ستنا هو أنا عمري اديتك حاجه وخيبت؟! الدوا اللي كنتي بتحطيه لوجيده وحسيبه عشان ما يخلفوش مش أنا اللي جبته ليكي، وادي السم أهو وهتشوفي لما تحطيه لمرات جوزك وولادها ما حدش هيعرف وهيموتوا بعد ما تحطيه بثلاث أيام بالعدد، وما فيش مخلوق هيشك ولا هياخد باله، الدوا ده بيعمل لخبطه في ضربات القلب واحده واحده لغاية ما يعمل سكته قلبيه.
فقالت درية وهي تتخيل ما ستفعل:
- بس آني مش هاجتل البت دلال، الاول هنحطولها الدوا عشان ما تخلفش، ويتحرج جلبها والحاج فارس يخلي جسار يتجوز عليها بعدين أبجى أجتلها، ونوال والولدين مش هاجتلهم مره واحده عاتسلى عليهم تاتطفي ناري.
هال مليحه ما سمعته، لكنها تداركت نفسها وعادت عدة خطوات للخلف ثم تنحنحت ونادت:
- الشاي يا دريه هانم.
فقالت درية:
- تعالي يا مليحه، حطيه وانزلي شوفي اللي وراكي.
فنفذت ما قالت ونزلت مسرعة،
توجهت مليحة للحديقة باحثة عن الحاج فارس فوجدته جالسًا في مكانه الخاص يتناول القهوة فاقتربت قائلة:
- العفو والسماح يا جدي فارس على مجاطعتك في جلستك بس ما ينفعش أسكت.
- خبر إيه يا مليحة مالك وشك مخطوف ليه وكيه اللمونه؟
- من اللي سمعته بوداني يا حاج عطيني الامان.
- أمانك معاك انطجي.
قصت عليه مليحه ما سمعته، اشتعلت نيران الغضب في صدره، وملايين الأسئلة تدور في عقله، ومشاعر مضطربة تموج بين جنبات صدره وقال:
- انتي متوكده يا مليحه؟!
قالت مؤكدة:
- والله يا سيدي سمعتها بوداني دول.
صمت فارس يفكر قليلًا ثم قال:
- الحديت ده لازمن له دليل، انتي هتاخدي التلفون بتاعي ده وتدسيه في خلجاتك، وآني عاشغله إنه يسجل وتعملي يا مليحه اللي عاجوله ده.
في أثناء صعود مليحه كانت بخاطرها تنزل فقالت لها مليحة:
- الحاج الكبير رايدك يا بخاطرها هو جاعد في الجنينه، بس اجعدي هبابه لمن يخلص الناس اللي معاه وينادم عليكي.
- عنيا للحج حاضر هاستنى لما ينادي.
- أيوه خليكي في الجاعه لمن ينادي.
صعدت مليحة لـدرية ودخلت بدون أن تطرق الباب ثم اغلقته
قالت درية بغضب:
- مالك يا بت انضربتي في راسك وانجنيتي؟ يا بت تدخلي كده من غير لا إحم ولا دستور، دوار ابوكي هو، وإلا إيه؟
فقالت مليحة وهي تمثل كما قال لها الجد فارس:
- لا إيه ولا ما إيهش بجي، ما كل حاجه انعرفت وانكشفت خلاص يا ستنا.
توترت درية:
- حاجة إيه يا بت؟!
فجلست على الأرض تحت قدميها
- آنى سمعت حديتك مع بخاطرها، ما تخافيش أني معاكي يا ستي ده أنا لحم كتافي من خيرك، وعاساعدك في اللي رايده تعمليه في المصروايه وولادها، هو حد يحب الباشا دياب كدك إكده، والمصروايه وولادها دول واجفين في حلجي كيه العلجم.
تهللت أستريرها:
- زين يا مليحه وآني هاعطيك كل اللي تطلبيه.
- خيرك سابج يا ستنا، يا ستي أنى رايده رضاك وأشوفك فرحانه، بس جوليلي يا ستي انتي كيه خليتي ست وجيده وست حسيبه ما يخلفوش؟
فقالت بفخر:
- بصي يا بت واتعلمي جايز تحتاجيه الكلام ده في يوم من الايام، آني من يوم ما وعيت عالدنيا وآني عاشجه دياب وأتمناه ليا، والعاشجه لو بيدها تعمل كل حاجه عشان تنول اللي رايداه في الحلال، بس أعمل إيه في الجد وحكمه، لما جوزه وجيده جلت أكيد لو ما خلفتش هيجوزهولي، بجيت آجي أزورها وأتسامر معاها وأحط لها الدوا في الشاي ولما تجول ماله طعمه متغير أجولها ما آني باشرب أهو تلاجيك داخله على دور برد، ولما جوزه لحسيبه عملت معاها إكده بردك، بس حظي الشوم لما اتجوزني إن ربنا ما أرادش أخلف منيه.
- طب يا ستي هنعملوا ايه في المصروايه وولادها؟
-ما دامك عتساعديني الحكايه سهله آني مراجباهم كل يوم الصبح الواد سامي ما يرضاش يشرب إلا الكابلتشونو ديه تحطيله فيه السم، و بخاطرها جالت إنه لا ليه طعم و لا حد هيحس بيه وبعد ما يموت ونخلص منيه، نجتلوا الواد لطفي، وبعد ما أمهم جلبها يتحرج عليهم نحطولها السم ونموتوها، وهنخلوا البت بتها دي اللي كلت عجل جسار زينة شباب النجع ما تخلفش فالجد يجوز جسار وتتحسر هيا وتنجهر وإن ما ماتتش من الجهره أموتها آني وبعدين أخلص على حسيبه ووجيده عشان دياب يبجالي وحدي، و يا بت طالما الحكايه سهله نموت الحاج فارس عشان دياب يبجي الكل في الكل وآني أبجى مرت الحاكم في العيله.
- وهو السم هيكفي كل دول يا ستي؟
أجابت بثقة:
-عيكفي يا بت ده المطلوب نجطتين بس والواحد يموت بعديها بتلات تيام.
- زين يا ستي لافيني الجزازه وآني الصبح عاحط السم لسامي بيه.
فناولتها الزجاجة:
- إمسكي أهيه بس دسيها زين.
-ولا يكون في فكرك يا ستي.
وهمت بالانصراف فنادتها:
- استني يا بت يا مليحه.
وقلدتها كردانًا ذهبيًا قائلة:
- مش خساره فيكي يا بت.
تلمست مليحة الكردان قائلة:
- ربنا ما يحرمني منك يا ستنا.
- آني عاحبك يا بت يا مليحه وعاداكي كيه بتي، آني عارفه إنك عتساعدي في شغل البيت إكده مكرمه ومحبة وزواده خير أنتي ما انتيش خدامه عندينا إتي بتنا والكل يحبك وآني أولهم.
توجهت مليحة للحاج فارس وأعطته الهاتف فأوقف التسجيل ثم استمع لما قالته درية
وصمت قليلًا ثم قال:
- الجزاء من جنس العمل، تعمليلها كوباية شربات يا مليحه وتحطي ليها نجطتين من السم وتتوكدي إنها شربته، جوليلها الحج أمر بيه عشان فرحته إن الملحج خلص.
نفذت مليحه ما أمرها به وتأكدت من شرب درية للشربات الذي شربته وهي تمصمص شفتيها قائلة:
- طيب لما نشوف، فرحان جوي، بكره يوم المنى يجي ونشوفولك صرفه إنت كمان يا حج ونخلصوا بجي من التحكمات دي، صوح يا بت يا مليحه؟
تحكمت مليحة في تعابير وجهها وهي تقول:
- صوح يا ست الدار، لاه ست الدار ايه ست النجع كلاته.
طلب الجد من مليحة أن تطلب من بخاطرها البقاء لبعد العشاء بعد أن جعلتها تشرب هي الأخرى كوب الشربات.
في المساء تجمع الكل وواجه الجد درية وبخاطرها وتم حبسهما إلى أن توفيتا.