ترتشف فنجانها الثالث هذه الليلة من معشوقتها السمراء ببنها المحوج الفاتح وخلوها من السكر فيكفيها حلاوة مذاقها في فمها، فحليمات لسانها تترجم البن لنغمات حالمة تصل لعقلها مباشره فتعانقها و ترقص معها كأروع رقصه فالص أثناء تناولها قهوتها تبدأ تلك الأصوات العجيبة بالتسلل رويدًا رويدًا من بين طيات عقلها حتى تصل لذروتها بدقات الساعة الواحدة ليلًا، قامت من مجلسها مستجيبة لنداء قد جال صداه في رأسها تزامنًا مع دقات تلك الساعة القابعة كتنين رابض في الصالة ويصل صدى رناتها إلى كامل الشقة متجهة للمطبخ بخطوات ثابته، واثقة الخطى تمشي كالملكة، دخلت للمطبخ، واستلت سكينًا خاصة بتقطيع اللحم تعرفها جيدًا، وتعلم مدى حدتها، إنتزعتها من بين براثن درجها القابعة فيه مقلقة إياها من سكونها، معانقة مقبضها الفضي، وسارت بثبات متجهة
لغرفة النوم، وقفت أمام باب الغرفة، تنظر لذلك الممدد في سلام ببجامته
السوداء، ويديه إحداها تعانق صدره والأخرى ممدة بجواره، تقدمت ناحيته
فظهرت ومضه في عقلها، تحاول اثنائها عما تأمرها به تلك الهمسات التي استحالت لدقات حرب قبلية
"إنه لا يستحق ما أنت مقدمة عليه، إنه زوجك، سكنك، حلالك"
انبرت خلية عصيبة ضربت تلك الومضة فجعلتها هباءً منثورًا، بينما ظهرت ومضة أخرى خارجه من بين عدة خلايا عصبية تهادت في دروب عقلها وناقلاتها العصبية متراقصة أمامها حتى تستجيب لها
"لم تنهين عذابك معه بالسكين؟ دعي عنك تلك الفضية الحادة، ستخلف الكثير من الدماء، وربما لطخنا الدم"
انصاعت لتلك الومضة، معلنة التسليم لها، وعادت للمطبخ معيدة الفضية إلى درجها، وعادت لغرفة النوم وقفت بجواره، تململ في نومه ليراها واقفة، نظر لها، فابتسم ثغرها اقتربت منه، صعدت فوقه، أمسكت ذراعه التي كانت تعانق صدره ومددتها بجواره، واعتلته حاجزة ذراعيه بركبتيها، ومالت عليه ومدت يديها إلى تلك الوسادة المجاورة لوسادته، ووضعتها علي وجهه وضغطت بكل قوتها فزع! وبدأ يحاول الخلاص، لكن كيف الخلاص؟ ويداه محجوزتان بين جسده وركبتيها، وجسده لا يطاوعه، أين قوته؟
لقد سلمت روحه لبارئها.
وصمتت الأصوات.