بين جنبات مهابة القصر وطيات حديقته الغناء نشأت شجن، ابنة الخادمة، كانت أمها الدادة حبيبة الكل ومربيتهم التي عانت الأمرين حتى أنجبتها،
حظيت شجن بحب كل من بالقصر، وخاصة شاهر، دارت الأيام والعود الصغير قد نما وترعرع، كعنايته بزهوره الحمراء اعتنى بها شاهر الابن الكبير، تكفل بكل ما يخصها، لم تشعر أبدًا أنها ابنة الخادمة إلا حين يقفل باب غرفتها الصغيرة عليها وعلى والدتها.
كبرت شجن على يدي شاهر، لم يكن في عقلها من الرجال سواه، ولم يهتف قلبها سوى باسمه، لم تعرف متى سقطت صريعة عيناه، أو حبيسة لمساته الحانية عليها في نجاحها وتفوقها، لم تعرف من كل الأحاسيس والمشاعر سوى شاهر، نعم أحبته بكل جوارحها، كان هدفها في الحياة أن تسعده وأن يرضى عنها.
فارق السن بينهما كبير يقترب من العشرين عامًا أو يزيد، لكنها لا يهمها أبدًا ذلك، تراه فارسها الممتطى صهوة جواده، مادًا يده لها ليحملها خلفه ويجوبا البلاد، أحلامٌ ساذجة لكنها أحلامها.
يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة عادت وجناحي السعادة يرفرفان على قلبها، تجري مسرعة لتخبره أنها تفوقت كما أراد، لكن كان الحزن يغلف المنزل، حزن مقيت كئيب كجني أسود خبيث يزحف مادًا سواده على المنزل، أزاحت قبضة قلبها جانبًا، ألقت على مسامعه نبأ نجاحها، لكنه أسمعها نبأ آخر لقد رحلت والدتها، لم تشعر إلا وهي تفيق بين ذراعيه باكية منهارة، رفضت الطعام والشراب إلا من بين يديه هو، كما غرس الحزن أنيابه بروحها لفقد أمها، استولى شاهر على كل ما بقى من قلبها، لم يترك حصنًا في قلبها إلا وقد احتله، ويا للسهولة فكل حصون القلب كانت بالأصل مفتوحة له، تدعوه للاستيطان، لكم تلاقت تلك الحدقتان بلون القهوة، مع ذلك البحر الشديد الزرقة في عناق طويل، همست فيها بحبها له وتيمها به، كان أملها في الحياة أن يبادلها شاهر هذا الحب، لكنه كان يظن ككل من حوله أن شجن تحبه حب الابنة لأبيها.
عزوف شاهر عن الزواج كان أكبر مصادر سعادة شجن، رويدًا مرت الأيام وطيور الحب تعزف في قلبها معزوفات الغرام، أصبحت الطبيبة شجن فخره الذي يتباهى به أمام الكل، نسى الكل أنها ابنة الخادمة، إنها فقط الطبيبة شجن ربيبة شاهر وشاهر راعيها.
عادت يوم تخرجها مسرعة الخطى، لتجد الحديقة وكأنها خلية نحل العمال في كل مكان يقلمون ويزينون، ظنت أنه احتفال بتخرجها، هرعت له يسابقها قلبها، وقفت بين يديه، اليوم هي عاقدة العزم على أن تصرح له بكل ما أخفته من حب، ستعلنها له صريحة واضحة، ستعترف له بحبها، سبقها هو أمسك يديها ونظر في عينيها نظرة يملأها الحب
وتوالت طعناته، طعنة وراء طعنة لم يدع لها مجالًا حتى لتلتقط أنفاسها.
الزينة بالخارج لزفافه، نعم لزفافه من محبوبة عمره التي كان ينتظرها، الآن تطلقت وعادت وسيتزوجها
نظرت له وعيناها تتوسلان أن يكون كاذبًا أو مخادعًا، أي شيء إلا أن يكون صادقًا.
لم يقو لسانها على النطق كانت تنازع في سكرات موت قلبها لتزداد الضجة بالخارج ويقتحم الباب رجل غريب حاملًا سلاحًا ناريًا موجههًا إياه لقلب شاهر وتنطلق الرصاصة لتستقر في القلب تمامًا، لكنه ليس قلب شاهر، استقرت في قلبها هي، لقد ضحت بنفسها فداءً له، القاتل كان الزوج السابق لحبيبة شاهر جاء منتقمًا منه، تحولت خلية النحل لهرج ومرج، الصياح والصرخات عما المكان، وهي ترقد ممددة على الأرض بين ذراعيه، تغرق دموعه وجهها، يصرخ طلبًا للأطباء، وشجن متمسكة بملابسه، يخرج صوتها ضعيفًا لا يسمعه سواه
"أحس بالبرودة، ضمني بين ذراعيك، احتويني، اسمعني نبضات قلبك"
احتضنها بقوة فتابعت بوهن
"لقد كنت لي الدنيا وما فيها، أنا أحبك، أحبك كما أحببت أنت حبيبتك وليس كراعٍ لي"
لم تصدق أذناه لم يستطع أن ينطق فلقد رحلت للأبد
تمت بحمد الله