في النجع كانت العبابسة مقلوبة رأسًا على عقب الكل يبحث ويبحث عن رابحة.
بحثوا كثيرًا عنها ولا فائدة، كان الصغير ناصري قد جاع فأرضعته مليكة مرة أخرى، لتنبري صبيحة قائلة لفهد:
- يا فهد أنا عارفه إننا مش فايجين دلجيت، بس آني هاشيع أجيب مرضعه لناصري، مليكه رضعته مرتين وكفايه مش رايدين الصغار يبجوا اخوات .
- اللي تشوفيه اعمليه يا أمايتي.
رسخ في ذهن الجميع أن رابحه خطفت بالتأكيد، ولم تسفر تحقيقات الشرطة عن شيء.
***
مرت أيام وفي النجع لم يتوانوا عن البحث، بينما رابحة في الجبل، مضطربة المشاعر لا تعرف شيئًا ولا تحس بالارتياح بجوار صقر، وتمنعه من الاقتراب منها كل مره بحجة مختلفة، مر الآن على خطفها شهر، لقد زاد صقر في عطاياه لرجاله بصورة رهيبة كي يمنع من تسول له نفسه منهم أن يسرب خبرًا عن وجود رابحة لديه.
كان ذلك الحلم الذي تحلم به رابحه كل يوم يشغلها، ترى في منامها صقرًا ضخمًا يضعها في عشه، وتشعر بالخوف إلى أن يظهر فهد أسود لا تهابه إطلاقًا فيقف بجوارها وترى نفسه تسير معه في حديقة غناء، يملأها الورد البلدي أحمر اللون.
وفي صباح يوم دخل صقر ليجلس جوارها ويقول:
-اسمعيني زين يا غاليه، شكلي بجي عفش جوي جدام رجالتي وآني كل يوم أنام بعيد عن مرتي.
- بس يا صقر.
- اسمعي بس، آني هادخل أنام اهنيه جارك و مش هاجرب ليكي.
نظرت له بشك فقال: صدجيني يا غاليه لو انتي ما جربتيش مش هاجرب آني.
فجأة أحست بغثيان وهرعت لدورة المياه لتفرغ ما في جوفها، ثم خرجت خائرة القوى هرع صقر لها يحملها إلى السرير وأرسل في إحضار الطبيب.
ليخبره الطبيب أنها حامل.
فور علم صقر ذهب للخارج يحدث نفسه
(حامل يا رابحه، كني نمكتوب عليا أدس ولاد العبابسه في جبلي واكبرهم، بس لاه ده هيبجي معروف إنه ولدي آني)
ثم دخل لرابحه التي كانت سعيدة للغاية بخبر حملها هذا، واحتضنها فنفرت منه فغضب قائلًا: يا بوي برضك ما رضياش أجرب لك.
فحاولت تهدأته : إيه يا صقر؟ ما هو طلع من هرمونات الحمل أهو، عشان كده مش طايقاك، اصبر معايا شويه بقى (ووضعت يدها على بطنها و قالت بابتسامة عريضة) مش ابنك ده يعني و إلا أنا باتبلي عليك.
فاقترب منها ووضع يدده علي بطنها وقال: كيف بس مش ابني، ده ابني ونص.
**
رن هاتف بحر، استمع لمحدثه باهتمام شديد، ثم هرع نحو فهد
- رايدك يا فهد انت وطايع لحالنا.
- تعال يا خوي.
وذهبوا لغرفة المكتب ليقول بحر: آني عرفت فين رابحه؟
- صوح يا خوي فين؟
- خطفها صجر الجبالي.
- إنت متوكد.
- أيوه متوكد.
سأله طايع: أخدها كيه من وسطينا؟.
- اللي بلغ ما يعرفش كل اللي يعرفه إنها هناك في مغارة الدهب، ودي أجوى
مغاره عند صقر، وماسكه الجبل ومنافذه، البوليس ما جدرش يدخلها، المغاره دي لازمن اللي يدخلها يكون من ناسها، واللي عرفته إن صجر مجبض الناس قبض ما يحلموش بيه، ده سموا رابحه وش الخير من الخير اللي بجوا فيه بسببها، بس آني عارف مين اللي يدخلنا!
بلهفة سأل فهد: مين يا بحر جول؟
- ماريا الحمرا، ماريا ليها شغل كتير مع صجر وآني وعيت ليها كتير في المغاره دي، وانتوا خابرين إن ماريا متخانجه مع المافيا في روسيا، وجاعده اهنيه في مصر، نعرضوا ليها نحموها من باتريك المجنون، وهي تعمل لينا اللي نعوزه؟
بس ...
قال فهد: بس إيه يا بحر؟
- عندي خبر صعيب تاني.
- انطج يا ولد ابوي آني مش ناجص خوف، رابحه صابها حاجه.
- هي فاجده الذاكره و ... رابحه حامل.
- بتجول إيه؟
- مرتك فاقده الذاكره وحامل في يجي شهر.
صمت قليلًا: هنجيبها اللأول وبعدين نشوف الموال ده.
اتصل من فوره على ماريا، التي أخبرته أنها لا تغادر الفندق، فأرسل لها سياره بحراسه مشدده لترافقها، وفور مجيء ماريا جلس معها وحده:
- اسمعيني يا ماريا، صجر خطف رابحه، وآني رايدك تخرجيها من المغاره بأي حجه ، انتي مش هتغلبي في ده، وهو ده كل اللي آني رايده، تخرج بس من المغاره والباجي آني كفيل بيه.
- في مقابل إيه؟
- كل اللي تطلبيه مجاب.
- إنت!
نظر لها بغير فهم، فقامت من جلستها وجلست علي ركبتيها ووضعت يديها على ركبتيه و نظرت له بحب: عاوزاك إنت.
أزاح يديها من على ركبتيه ووقف قائلًا: إنتي خابره آني ما ليش في الحرام.
وقفت واقتربت منه واحتضنته من ظهره: أنا عاوزاه حلال.
استدار لها وقال: جصدك إيه؟
- قصدي تتجوزني يا فهد، وأنا هاجيب لك رابحه.
نظر لها: موافج، تجيبيها اتجوزك.
ضحكت: لا تتجوزني دلوقتي وأنا اطلع من هنا على صقر، هات المأذون حالًا.
- مأذون إيه هو مش بتتجوزوا مدني.
- مدني إيه أنا مسلمه يا قلبي.
خرج والهم يعتصره ليقول لبحر: شيع هات المأذون.
نظر له بحر وطايع بعدم فهم وقال طايع: مأذون إيه؟
أجاب بقلة حيلة: ده شرطها، اتجوزها عشان تجيب رابحه.
ليأتي المأذون ويعقد على ماريا وفهد، لم تنتظر حتى ليغادر الرجال واقتربت منه تقبله، فابعدها بهدوء، وانتظر إلى أن غادر الجميع وقال: آني عملت اللي جلتي عليه، نفذي كلامك.
- بس آنا عاوزاك دلوقتي، أنا مراتك خلاص.
- مش هالمسك ولا أجرب ليكي إلا لما تبجي رابحه في داري.
- حاضر.
وانطلقت لمغاره صقر، لتعلم منه ما حدث وكيف أن رابحه فاقدة للذاكره ولا تعلم شيئا سوى أنها زوجته وحامل بابنه، وأفهم رابحه أن هذا ليس ابنه وأنها لا تدعه يقربها أبدًا، وهو يريد أن يأخذها بالرضا لا الغصب، أوهمته ماريا أنها ستلين عقل رابحه فلا تستطيع تغير عقل امرأة سوى امرأة أخرى، وقالت له أنها ستتصرف معها وستصحبها لتتسوقا كصديقتين، وستقنعها أن تسلم نفسها له الليلة بعد عودتهما من التسوق.
هب صقر واقفًا: والله يا ماريا لو ده حوصل وكانت لي الليلة لأعطيكي مليون دولار.
ضحكت بميوعة: جهزهم بكره هاخدهم.
وذهبت لرابحة التي ما أن رأتها شعرت بعدم ارتياح، لكن ماريا أفهمتها أنهما كانتا صديقتين، وأنه حدث سوء تفاهم حين رأتها تقبل صقر وهي تسلم عليه، ويجب أن تذهبا سويًا لشراء مستلزمات عنايه ببشرتها وملابس، ولانجيري احتفالًا بحملها، وافقت رابحه فورًا فهي تود الخروج من هذه المغارة.
و انطلقت الفتاتين في حراسه مشدده، وفي الطريق بعد ابتعادهما مسافه كافية بعيدًا عن المغارة خرجت سيارات فهد وطايع ورجالهما ليحدث اشتباك قوي بين الطرفين ويسقط الكثير من الرجال، كانت رابحة تصرخ وماريا تهدئها، إلى أن فتح فهد باب السيارة وهي تصرخ قائلة: جوزي هيموتك إياك تقرب لي.
فتلاقت عيناها بعيني فهد لتحس بألم رهيب في رأسها وتسقط مغشيًا عليها، حملها فهد وبينما يحملها أفاقت لتجد نفسها محمولة في مكان صحراوي كالمرة السابقة فصرخت ليختل توازن فهد وتقع وقامت تركض مسرعة حتى وقعت وارتطمت رأسها كما حدث بالسابق، حملها فهد وذهب للقصر.
كان خبر مهاجمه رجال فهد وطايع وصل لصقر ليأخذ رجاله ويهاجم قصر فهد، ما أن وضع فهد رابحة على السرير إلا وتناهى لسمعه صوت إطلاق النيران، ليهرع فهد صارخًا بالنساء والأطفال أن أنخفضوا، وكانت مجزرة دموية سقط الكثير من الرجال، وأفرغ فهد الرشاش الآلي كاملًا بصدر صقر لتنتهي أسطورة صقر الجبالي.
استيقظت رابحة على صوت النيران تصرخ وتغطي أذنيها بكفيها، بعد فترة توقف إطلاق النار وهي ما تزال تصرخ، لتدخل لها النساء صبيحة ونوارة ومليكة تحتضننها، وترى ماريا تقف بهدوء وبجوارها يقف فهد، ثم انصرف فهد بسماعه أصوات سيارات الشرطة، وأجمع الكل أنهم كانوا في المنزل وأن صقر ورجاله هم من هجموا عليهم وأن كل أسلحة المنزل مرخصه، ذهب الرجال مع الشرطة لتسجيل أقوالهم، لم يقل أي منهم أن من قتل صقر هو فهد، بعد انتهاء كتابه الأقوال عاد الرجال للمنزل.
كانت رابحة قد عادت لها الذاكرة، ورافق دخول فهد للمنزل إخبار ماريا لها أنها قد تزوجت من فهد كما أخبرتها أن فتره غيابها تزوجها فيها صقر وهي حامل من صقر بالحرام بالطبع، لتضرب رابحة خديها وتصرخ وتضرب بطنها ليمسك فهد يديها ويقول:
- اللي في بطنك ما لوش ذمب ولا انتي ليكي ذمب، واهدي.
نظرت له: أنا ماليش ذمب، ولا اللي في بطني ليه ذمب، طب اتجوزت عليا ليه؟
وأخذت تصرخ:
- لازمن أعرف اللي في بطني ده ابن مين؟ و انت تطلجني، تطلجني.
واستمرت تصرخ إلى أن سقطت مغشيًا عليها.
نقلها لغرفتها، وقبل جبينها، وجلس بجوارها يقول: آني بحبك يا رابحه ورايد أضمك لي ، بس مش جادر أشيل صوره صجر وهو معاكي من خيالي آني باموت.
كان واضحًا من مظهره مدى الحيرة والاضطراب الملمان به اقتربت منه ماريا وقالت: تعال معاي.
نظر لها بهدوء قائلًا: همليني معاها يا ماريا.
- تعال صدقني هتبقى مبسوط.
وأمسكته من يده لتدخل غرفتها وأغلقت الباب فقال: يا ماريا آني راسي مجلوبه ومش فايج لدلع النسوان ده.
اقتربت منه تقبله وتقول: لو كنت معايا بجد زي ما أي راجل يتمنى يكون مع ست بجمالي صدقني هيكون ليك هديه مني ما كنتش تحلم بيها.
- يا ماريا فوتيني.
- لا انت جوزي زي ما هي مراتك، وده حقي، صدقني هابسطك.
وبدأت تتقرب مه ليمضي معها ليلته ويعطيها حقها الشرعي كما أرادت منه، كانت هي في قمة نشوتها بانتصارها و فوزها أخيرًا بقرب فهد الذي طالما حلمت به،
أما هو فكان يغلي ويحتقن من تزاحم راسه بالظنون، ليفرغ كل تلك الظنون في ماريا، بعد أن انتهيا توسدت صدره وقالت:
- عشان تعرف بس إني بحبك أكتر منها، أنا كان ممكن أخليك فاكر إنها كانت مع صقر عشان إنت تبقي ليا أنا، بس أنا ما اقدرش أشوفك زعلان أبدًا.
فأبعدها برفق عن صدره و قال: جصدك إيه؟ اللي فهمته صوح.
- ايوه يا فهدي صقر ما قدرش يقرب لها ولا يكون معاها، واللي في بطنها ده ابنك انت، صقر بنفسه اللي قالي كده.
ارتدى جلبابه علي عجل و هرع من فوره لغرفة رابحة ودخل ليجدها تبكي وهي جالسه على السرير، فاقترب منها و حاول احتضانها، فأبعدته عنها، فابتسم قائلًا:
- وهتفضلي تبكي كده لو جلت لك إني متوكد إنه ما لمسكيش وإن اللي في بطنك ده ابني آني.
نظرت له بأمل: بتتكلم جد؟
- ايوه جد صجر اعترف لماريا بالكلام ده.
فبكت
فقال: بتبكي ليه؟
- عشان اتجوزت عليا وكنت معاها.
نظر لها بحب: ده التمن اللي دفعته عشان ترجعيلي.
في ذلك الوقت امتطت ماريا حصانًا وخرجت به عل نارها تهدأ فلقد تركها فور معرفة الحقيقة وذهب لأحضان رابحة، لتأتي رصاصة تسقطها من على صهوة الحصان قتيله في الحال، كان رجال باتريك المجنون هم من فعلوها.
هرع الكل ناحية الصوت ليحضروا ماريا وقد فارقتها روحها.
بالتدريج بدأت الحياة تعود لطبيعتها في نجع الحطابين ونجع العبابسه، لتمر الأيام ويكبر الصغيران ويعيدا قصه حب الناصري والچازيه ما بين الناصري الصغير والچازيه الصغيره، هذه المره بلا دماء، بلا ضحايا....
تمت بحمد الله