سقط الھاتف من ید ضرغام، وتساقطت الدموع من عینیه بدون إرادته، وھو یحدث نفسه (واه یا بوي، عتفوتیني یا چازیه بعد ما لجیتك، الموت مش عاوز یسیبك لیا، بس لو آخر دجیجه في عمرك یا چازیه لازمن تكوني لیا، مش ھاسیبك لعمران، ولازمن أخلیه یندم على كل دجیجه فاتت عليّ وإنتي بعیده عني)
ومسح تلك الدموع لیقول بتكبر وصلف مسمعًا السائق:
- واه حاجه دخلت في عیني یا ولد و إلا إیه.
بعد إنهاء صقر لتسليم البضاعه ترك الجبل ليعود للنجع ويستريح في قصره، حيث الوجه الآخر لحياته، دخل مكتبه في القصر فدخلت وراءه إحدى الخادمات وسألته وهي تقترب منه بدلال واضح وتضع يدها على صدره:
- سيدي وتاج راسي يؤمر بحاجه.
نظر لها شذرًا نافرًا منها ومبتعدًا عنها وقال:
- اتجننتي إياك! هتعملي إيه؟ وايه الجلع الماسخ ده.
تدللت وهي تقترب منه مرة أخرى:
- اتجنيت بعشجك يا سيدي هاموت عليك، أعملك كل اللي تؤمر بيه، بس ترضي عني وأنول الوصل.
(قالتها غامزه وهي تمرر يديها على جسدها في محاوله منها لإثارته)
لطمها صقر لطمه أسقطتها على الأرض وجعلت خيطًا من الدماء يسيل على وجنتها وهو يقول باشمئزاز:
- كنك اجنيتي.
ونادى على حمدان السائق بأعلى صوته والشرر يتطاير من عينيه
جاء حمدان مهرولًا:
- خير يا باشا خير.
فنظر له والغضب يعتريه:
- لا مهواش خير يا حمدان يا جلاب النصايب، مجايبك دي تاخدها وترميها برات الجصر وقسمًا بالله لو اتكررت تاني وجبت هنيه شكل من الأشكال دي لأكون جايب خبرك، ما أحبش المسخره وانت خابر زين.
أمسك حمدان الخادمة وهو يقول:
- هببتي إيه يا وش الشوم، يا بنت المركوب، جلبي ما كانش مرتاحلك بس جلت اعمل خير، أهو كان هيجي على دماغي آني.
تأوهت بميوعة:
-والله ماعملت حاجه كان نفسي أنول الرضا بس.
شدها من ذراعها:
- فزي جومي جدامي.
دخل رشوان ليقول:
- إيه اللي حوصل يا صجر؟
- حته بت فاهمه إنها هتوجعني، بلاش قرف، سيبك منيها.
- يا صجر نفسها تنول رضاك، الحريم بتحبك.
ضحك صقر:
-وآني ما عاحبش حد منيهم، لو ألاجي اللي في بالي هي دي اللي صوح تبجى بكل الحريم.
- باه لساك تحلم بيها الجنيه.
- وما رايداش تفارج عجلي، ملامحها فاكرها بكل حته فيها، أهي دي اللي لو لجيتها صح تبقي اللي عليها العين واللي يطلبها الجلب.
وانشغلا في مخططاتهما.
***
وفي المشفى دخلت رابحة من الباب حاملة كوبي قھوة لتجد الطبیب والممرضات في الغرفة وعمران یحتضن كف الجازیة بین یدیه والدموع تنساب من عینیه كالشلال ولا ینطق.
قالت بتوتر:
- إیه یا عمو؟ فیه إیه؟
لینظر لھا ویھز رأسه یمینًا ویسارًا، ثم وضع كف جازیة على قلبه وأغمض عیناه، وسقط على الأرض، سارع الطبيب ناحيته وانحنى عليه يفحصه.
ورابحة تقف تننظر لھما، في غیر فھم، ظلت متسمرة حتى اقترب منھا الطبیب
وقال:
-البقاء لله یا آنسه، الاتنین تعیشي أنتي.
نظرت له بغير فهم:
-اتنين إيه؟ إنت مش مركز ماما نايمه، وعمو عمران أنا كنت باجيب له قهوه.
- أنا مقدر موقفك يا آنسه بس للأسف التحاليل أثبت إن الوالده كانت مصابه بسرطان صدر وواضح إنها عانت كتير وخبت عليكم وجعها لأنه لما وصلت لنا كان اتمكن جدًا، وهي خلاص ماتت، وعمك الظاهر ما استحملش؛ الصدمة كانت شديدة عليه، ومات هو كمان، البقاء لله.
وقفت غير مصدقه لما سمعته.
**
مرت الساعات طویلة على ضرغام في الطریق، وقبیل وصوله للمشفى ھاتفه فھد وبلا أي كلام أو مقدمات أو حتى سلام قال له:
-یا بوي طولة العمر لیك، خالة جازیه وعم عمران التنین یعطیك عمرھم، آني طالع لرابحه.
صعد السلم سریعًا ففور أن أخبره عمر بالخبر لم یصدق نفسه، صعد للغرفة لیجد رابحة تجلس صامته على الكرسي، تنظر لسریر أمھا، ولنقالة ممد علیھا عمران ولا تنطق، والممرضات متجمعات حولھا یطالبنھا بالصراخ أو النطق وھي تحول نظرھا من أمھا لعمران.
أبعدھم عنھا قائلًا:
- هملوها أنا ابن عمها.
وجثا على ركبتیه أمامھا:
- انطجي، صرخي، ما تسكتیش إكده، أنا فھد ابن عمك ضرغام وبوي جاي في الطریج، إحنا معاكي، ما انتیش لوحدك یا بت عمي.
وأخذ یھزها.
أما رابحة فكانت في عالم آخر
(إیه اللي بیحصلي، ده حلم، لا ده كابوس، الناس الغریبه دي بتقول ماما ماتت، وعمي عمران مات، إیه الكابوس ده یا رب اصحى، ومین ده؟ ده اللي أنقذني، بیقول إیه مش سامعه حاجه؟ یا رب اصحى من الكابوس ده، یا رب اصحى)
صرخ فھد في وجھھا:
-فوجي یا رابحه، ابكي یا بت عمي.
وما زال یھزھا لیصفعھا صفعة قویة، انتفضت رابحة متألمة على إثر الصفعة ونظرت له، ثم رأت الجسدین الممدین أمامھا وأیقنت أنھا لم تعد تحلم بكابوس، إنها تعيش واقع مریر، فانفجرت في الصراخ، صرخات تتلوھا صرخات، بكل قوة تصرخ بینما فھد یمسكھا بكلتا یدیه حتى سقطت بین ذراعيه فاقدة للوعي والتمت الممرضات حولھا في لحظة دخول ضرغام الذي تسمر على باب الغرفة، ناظرًا للچازیة واقترب من سریرھا، وترقرق الدمع في عینیه محدثًا نفسه
(غلبني الموت یا بنت العبابسه، غلبني الموت وخدك مني، یمكن رحمك من اللي كت هاعمله فیكي لو فضلتي على رفضك لیا)
ونظر لعمران نظرة تفیض كرھًا ومقتًا
(ورحمك أنت كمان یا ولد العم)
ثم نظر لتلك المستكینة بین ذراعي فھد:
- دي رابحه.
- إیوه یا بوي.
- خلیك جارھا وآني ھاخلص الورج وأبلغھم في النجع.
مددھا على سریر في غرفة مجاورة، وأحضر الطبیب طالبًا منه حقنھا بمھدئ قوي المفعول لكيلا تفیق في الطریق وتنتابھا حالة الھیاج، أنھى ضرغام الأوراق وانطلقت عربة الإسعاف معھما تحمل الجسدین في طریقھما لنجع العبابسه.
اتصل ضرغام بالرجال في النجع لإعلان الخبر وتجھیز المقابر، كان الطریق طویلاً ملیئًا بالألم والأمل....
ألم ضرغام على فقده لمحبوبته، وأمل فھد في أن تصبح رابحة بخیر،
كانت رابحه تتململ في الطریق وتنطق بكلمات غیر مفھومة، لم یتبین فھد منھا سوى (أمي، عمي، الموت، ما تسیبونیش)
**
وفي مكان آخر بالإسكندریة المتباھیة دائمًا بجمالھا الذي ینافس جمال أفرودیت، المستكينة على حافة المتوسط، في إحدى العمارات المھیبة المطلة على القمقم المتوسطي الذي یسلب ألباب العقلاء ویذیب قلوب العشاق، وقف مھیب الطلة قوي البنیة طایع نجیب أبو حطب، مبتسمًا ینظر للبحر وأمواجه الھادرة المتلاطمة، محدثًا سالم صفوان، صدیقه وذراعه الیمنى:
-جربنا جوي یا سالم، وھناخدوا حجنا اللي بنستنوه من زمان، یا ویل العبابسه من ابن أبوحطب یا ویلھم.
لیشاركه سالم ابتسامته الساخرة:
- تفتكر ضرغام ھیعمل إیه لمن یعرف إن الشركات اللي مضي عجد شراكته معاها بجت ملكنا؟
- ده يوم ما يعرف إنها لينا جايز يموت فيها، هو فاهم إني انتهيت وعمره ما هيجابلني تاني، ما يعرفش إني هابجى أسود كابوس هيمر عليه، ولا يعرف آني باخطط لإيه؟
واشتركا في ضحكة صاخبة إلى أن دخلت السكرتیرة مقاطعة إیاھما:
- طایع باشا، الآنسه مليكه بره عاوزه تقابل حضرتك دلوقتي حالًا.
انتفض طایع قلقًا:
- ملیكه، دخلیھا بسرعه.
وقبل أن تخرج السكرتیرة دخلت ملیكة، بجمالھا الھادئ للمكتب، لیبادر طایع للقول بلھفة:
- انتي بخیر؟ خالتي بخیر؟ الحاج وھدان بخیر؟
لترد بھدوء:
- كلنا كویسین، اطمن.
لیرد بحنق:
- أومال جایه لیه؟
لیقاطع سالم الحدیث:
- اصبر یا طایع خلیھا تآخد نفسھا.
ومد یده لیسلم علیھا فأمسك طایع یده:
- إنت عارف یا سالم إنھا ما بتسلمش على رجاله وإلا نسیت.
لیتغیر وجه سالم:
- معلش یا كبیرنا، جل من لا یسھو، وأنا ما باشوفھاش إلا كل فین وفین، عن إذنك هاطلع أنا أشوف اللي ورايا.
- اتفضل.
وقال ناظرًا لمليكة:
- عن إذنك يا آنسه.
- اتفضل، إذنك معاك.
وفور خروج سالم وإغلاقه للباب، اقترب طایع من ملیكة ممسكًا ذراعھا بقوة:
-انطجي، فیه إیه؟ وكیه جیتي لوحدك؟
لتتألم ملیكة:
-طب سیب دراعي، بتوجعني كده.
لیتركھا طایع:
- سیبته، انطوجي بدل ما أكسر راسك.
لتبتعد عنه قلیلًا رافعة یدیھا أمام رأسھا:
- وﷲ ما جیت لوحدي، مع إني مش صغيره يعني، ولا يتخاف عليا أمشي لوحدي، أنا طالبه جامعيه، وخلصت كليتي خلاص أهو وبكره النتيجه تبان وتلاقيني من الأوائل، بس خالتك وبابا تحت على الكافي شوب اللي تحت العماره، مستنيك بدل ما یطلعوا وینزلوا تاني قالوا يمشوروني، مش فاهمه لازمتها إيه التليفونات اللي هم شايلينها دي؟! لازم اطلعي يا مليكه، انزلي يا مليكه، اتهزأي يا مليكه، كلكم مستوطين حيطة مليكه.
ضحك طایع من ھیئتھا ورفعھا لیدیھا اتقاء لغضبه، وكلامها المتواصل الذي لا تنتهي منه وھدأت ملامحه:
-خلاص نزلي یدك دي و اجعدي.
تنفست ملیكة الصعداء:
- یا سیدي ماما ما صدقت خلصت امتحانات وعاوزه تجري بقى تیجي تشوف ابن أختھا حبیبتھا طبعًا، وعاوزه تتغدى معاك.
وضعت قدمًا على قدم وأسندت رأسھا على الكرسي:
- بس بما إننا لسه واصلین ومش ھنلحق نطبخ فھنعزم سیادتك على الغدا معانا بره، لغایة ما خالتك تثبت أقدامھا في الشقه كده، وتشرف على نظافتھا وتمرمطني معاها، مش فاهمه الخدامين إحنا الظاهر جايبينهم نريحهم، وأشتغل أنا، وتبدأ مارثون تعویض ابن أختھا حبیبتھا عن حرمانه من الوكل (قالتھا باللھجة الصعیدی)
ضحك طایع:
-الوكل.
ردت بثقة:
- إیوه الوكل، فاكر نفسك إنك بس اللي تتحدتت صعیدي، آني كومان أعرف اجول كلام صعیدي زین، مش عارفه إنت لیه ما بتتكلمش عادي زیي كده وتریحنا؟!
ارتسمت الجدیة على محیاه:
-أنا أجدر اتكلم كيفك یا بنت خالتي، بس الصعیدي دي لغوتي وأصلي وجدوري اللي ما أطلعش منیھا واصل، واللي آن الآوان نرجع لیھا خلاص.
ارتسمت علامات التعجب على وجھھا:
- مش فاھمه ھترجع لإیه؟
-إنتي ما عترفیش حاجه واصل عن حكایة عیلة أبو حطب.
ردت بغضب:
- عشان عمر ما حد فیكم قالي حاجه، كل اللي أعرفه إننا سبنا الصعید وجینا اسكندریه وبس، ما حدش فیكم رضي یقولي لیه؟ ومن ساعة ما بقیت اتكلم زي الناس ھنا، نبھتوا علیا مافیش حد یعرف إننا من الصعید، حتى أقرب صحباتي ما تعرفش ده، وبرضو رفضتوا تقولولي السبب.
ابتسم ابتسامة ثقة:
-خلاص یا ملیكه، اللیله عشیة ھاحكي لك على كل حاجه.
تبرمت
-ماشي ھاستنى، ممكن یلا ننزل بقى لماما وبابا.
ضحك:
-حاضر تحت أمرك.
وخرج معھا وفي الخارج أعطى أوامره للسكرتیرة بمھاتفة شركة التنظیف وإرسال عمالھا إلى الدوبلكس الخاص به لتنظیفه.
وابتسم لملیكة:
- عجبال ما نخلصوا غدانا تكون الشوجه بجت بتبرج.
ضحكت ملیكة بصوت عال:
-تلاقیك قالبھا مزبله.
لیضربھا على مؤخرة رأسھا:
- صوتك یا مجصوفة الرجبه، مزبله إیه! الشوجه بتبرج، ده بس تشیك آب عشان أنا عارف خالتي ونظافتھا، وما رايدش أتعبها، وأنا خابرك زين كيه البطه البلدي تاكلي وتنامي.
نظرت له شذرًا وتصنعت عدم سماع الجملة الأخیرة:
- أنا جعانه خلصني یا طایع.
كانا قد وصلا المصعد فابتسم بحب:
- وحشني اسمي لمن تنطجیه یا ملیكتي.
لترتعش أوصالھا ویخفق قلبھا وتبتعد عنه ملتصقة بجدار المصعد وترد وصوتھا یحمل ارتعاشة الخجل واضطراب محب:
-طایع ﷲ یخلیك، ما أقدرش على كلامك الحلو، أنا ما باستحملش.
لیضحك:
- وأنا باتكلم من بعید أھو ما جربتش لیكي واصل یا ملیكتي.
لتغطي عیناھا بیدھا:
- یا ربي بعید إیه؟ ده كفایه كلمة ملیكتي دي تدوب الحجر.
انفجر ضاحكًا من ھیئتھا، وكان المصعد توقف، خرجا سویًا للكافیه
ما أن رآه وهدان حتى وقف محتضنًا إیاه بقوة:
- اتوحشتك یا ولد.
- وأنت أكتر یا حاج.
واحتضن خالته نواره حضنًا قویًا:
- یا بوي یا خالتي، اتوحشتك جوي.
لتضربه على ظھره:
- ما إنت بجالك كتیر ما جیتش.
لیبتسم:
- یا خاله مش كنت سایب فرصه للبرنسیسه تذاكر.
ضربت نواره ملیكة على رأسھا:
- مین دي اللي تذاكر، دي بتنجح بالزج.
لتبادر ملیكة للاحتماء بوالدھا:
-یا دي دماغي اللي عیلة أبو حطب مستقصداھا، ما تشوفلك صرفه يا بابا، وبعدین زق إیه يا حاجه؟ اشحال ما كنتش بارتب كل سنه على الدفعه.
لینھى وھدان ھذا الجدال:
- آني جعان، یالا بینا.
ونادى على النادل لیحاسبه.
وتوجه الجمیع لمطعم فیش ماركت، لتناول أشھى المأكولات ھناك، من جمبري واستاكوزا اللذان یعشقھما طایع، وطاجن السبیط الأكلة المفضلة للحاج وھدان، والسمك البوري المشور طعام نوارة المفضل، بینما تعشق ملیكة الكابوریا.
بعد تناول الطعام رن ھاتف طایع ليرد:
- وعلیكم السلام، خیر یا نجوى؟
.....
- لا مش جاي النھارده خلاص.
......
- ما فیھاش بسبسه یا نجوى، مش جاي إلغى أیتھا مواعید، وخلصى الشغل اللي جلتلك علیه وروحي.
......
- مع السلامه.
لتنظر له ملیكة بعین نصف مغمضة، ویجیب ھو عن تساؤلھا الذي تنطق به عینیھا
- باینه زي عین الشمس، نجوى بتسأل عشان الشغل.
لتتھكم ملیكة، ضاربة إیاه في كتفه:
- شغل إيه یا أبو شغل، فاكرني ھبله أنا ومش عارفه إنھا بتكرھني، ومش طایقاني ودایبه في دبادیبك.
نظر لھا غاضبًا:
-ما باحبش إكده، اللي بیني وبین نجوى شغل وبس، وھي سكرتیره ومدیرة مكتب ممتازه، وما فیش في سكندریه واحده زیھا، وانتي خابره الشغل شغل ما فیھوش ھزار ولا كاني ولا ماني.
زمت شفتیھا:
- كُل یا طایع كُل.
لتضحك نوارة ویبتسم وھدان:
- كیه الجط والفار ما تبطلوش نجار واصل.
بعد تناول الطعام توجھوا للدوبلكس، ما أن دخلوا من الباب حتى نظر طایع
لملیكة:
- جھوتي یا ملیكه، اتوحشتھا من یدك.
ابتسمت ودخلت للمطبخ وھي تحاول إثارة غضبه:
- أیوه بقى، بدأنا الاستغلال، ما هو خلصت ملیكه امتحانات، ونبدأ بقى، قھوه یا ملیكه، شاي یا ملیكه ولا كأن فیه خدامین في البیت، یقطع ملیكه على سنین ملیكه.
لیبتسم ویقول بصوت مرتفع:
- سامعك یا ملیكه.
دخلت نوارة ووھدان للراحة قلیلًا، بینما أعدت ملیكة القھوة السادة لطایع وأخرجتھا له في التراس وبجوارھا قطعه شیكولاتة بالبندق، من النوع الذي یعشقه طایع:
-اتفضل یا سیدي القھوة، أصلنا جابين الخدامين نريحهم.
- بلاها لماضه وطولة لسان، اجعدي، مش ھتشربي معاي جھوه؟
لتشیر بیدیھا
- لا یا عم قھوة إیه المرة بتاعتك دي، أنا اشرب كابتشینو.
ابتسم وھي تحتضن مج الكابتشینو وترتشفه وقال لها:
- إنتي عاوزه تعرفي المستخبي صوح؟
ردت باھتمام:
-أكید طبعًا، مش أبقى عایشه معاكم زي الأطرش في الزفه.
اكتست ملامحه بالجدیة:
- یبجي تسمعي من غیر كتر حدیت ومجاطعه، وتلجمي لسانك ده اللي عتتلفعي بیه كیه الحیه.
لتقول غاضبة:
- أنا یا طایع لساني حیه!
لیصیح:
- ھتسمعي وألا أسیبك كیه الأطرش في الزفه.
- خلاص خلاص ھاسمع وأنا ساكته.
- من یجي خمستاشر سنه، كنتي انتي لساتك صغار ما توعیش على الحديت ده، كان عندك یجي خمس سنین، كنا ساعتها جاعدين في الصعید، عیلة أبو حطب، آني كان عندي خمستاشر سنه، عیلتنا ما كانش باجي منیھا من الرجاله غیر أبوي وبس، وكان فیه خلاف ما بینه وما بین الناصري العبابسي، على كام جیراط في الأرض الشرجیه اللي بین نجع العبابسه ونجعنا نجع الحطابین، وفي یوم بعد خناجه واعره بین أبوي وبین الناصري، حلف أبوي جدام الكل إن الناصري لو جرب من الأرض لیجیب خبره، بعدیھا روحت مع أبوي اتغدینا وخدني ورحنا المجابر نزور أحبابنا اللي فارجونا، وجعدنا ھناك لعشیه، وبعدین خدني أبوي یشتري لي خلجات، لمن عاودنا البلد سمعنا الخبر، الناصري انجتل، وجابلنا في وشنا ضرغام أخوه.
لو ميت سنه عدت ما أنساش اللي حوصل أبدًا یا ملیكه (واغروقت عیناه بالدموع) صورة ضرغام وھو جاي علینا رافع بندجيته وبیضربھا في صدر بوي من غير لا كلام ولا حديت، والدم بیغرق صدر أبوي، وأبوي بیجع جدامي جاطع النفس، وآني أضمه في حضني وصورة ضرغام جدامي وھو بیضحك ویجول إكده خدت بتاري، أجوله بوي ما جتلش آني كت معاه، یجولي ولده ولازمن تشھد لأبوك، حتى ما ادانيش فرصه أبجى في حضن بوي شاله على فرسته ورمح بيه، عرفت بعدين إنه راح بجتته للچازيه مرت الناصري، عشان يثبت لها إنه خد بتار أخوه وترضى بحج العبايه اللي رماها عليها عشان تكون مرته بعد عدتها من خوه، واللي عمله ضرغام بعديها محفور في جلبي وعجلي ولا يوم هانساه، بعد ما دفنت بوي نزل برجالته في الأرض اللي كان علیھا الخلاف، وجه بنفسه لدارانا لأمي وھي دمعتھا لساتها ما نشفشتش، وجال لھا ولاد أبو حطب ما بجیش منیھم غیر ولدك، لو رايده یحصل أبوه ونخلصوا من السلسال ده، ما تفرجش معاي واصل، فاكر یا ملیكه أمي وھي بتدسني في حضنھا وتجوله لا یا ضرغام ما تاخدش روح ولدي، وآني باعافر في حضنھا راید اجتله، وأجول لھا فوتیني علیه یا أما ھاجتله، وھي تجولي بس یا ولدي اسكت، كبر بأمك یا ولدي، وینبه علیھا تھملي الكفر انتي وولدك أحسن لك وإیاك عجلك یوزك وتعاودي، فاكر یا ملیكه دموع أمي وإحنا مفارجین بیتنا ومالنا وبھایمنا وأرضنا، سیبنا البیت والبھایم في رعایة عم محیسن وعیاله وشدینا الرحال على سكندریه أنا وأمي وخالتي والحاج وھدان وانتي، أجرنا شوجه صغیره، من یومیھا وأنا حطیت حاجه واحده بس في راسي، ابن أبو حطب لازم یاخد حج أبوه، مش روح ضرغام بس، لا روح ضرغام دي ھتكون آخر حاجه، لازمن كل اللي یملكه ضرغام یدخل تحت یدي وأحسره على كل عزیز عندیه، أمي وخالتي والحاج وھدان حطوا كل اللي معاھم وفتحوا محل عطاره عشان نعیشوا مرتاحین، بعد ما أمي اطمنت إن شغل العطاره بجى تمام، ربك أخذ ودیعته وماتت، ماتت بعد ما وصتني ما أفوتش تار بوي ولا حجي، وآني لازمن أعاود نجع الحطابین مھما العمر یعدي، كملت تعلیمي، وبجیت زي ما انتي عارفه طایع اللي السوج كلاته یتھز له، كبرت تجارة العطارة ومنیھا دخلت كل حاجه تجیب فلوس وتزود راس المال، لحد ما العطاره بجت إمبراطوریة طایع حطاب.
جففت ملیكة دموعھا:
- یا ربي كل ده!
لیكمل:
-إیوه وعشان إكده نبھنا علیكي ما حدش یعرف إنك من الصعید، لحد ما نجدر ننزلوا النجع، مش عاوزك تكوني شوكه في ظھري یا ملیكه، ولا حد یضغط عليّ بیكي، وفرحت لما كلیتك جات في مصر، وما غیرتش الدوبلكس، مع إني أجدر اشتري جصر، بس خلینا إكده مداریین شویه، بس خلاص یا ملكیه، خطینا في طریج حجنا، ضرغام وجع عجود مع شركات ما یعرفش لساته إنھا تابعه لمجوعة حطاب، ھو عمره ما يجي في باله إني صاحب الشركات دي، وشیعت للعم محیسن یشتري أكبر دار في نجع الحطابین عشان ندلوا ونجعدوا ھناك، وناخدوا حجنا.
هزت رأسها في غير فهم:
-نعم! ندلوا فین؟
كانت نوارة استیقظت وسمعت آخر ما قاله:
- أخیرًا یا ولدي ھنعاودوا، يا بوي مشتاجه لنجعنا وأهلنا هناك، أرضنا وحشتني، أخيرًا جه الوجت اللي هنحطوا رجلنا فيها تاني.
لتھتف ملیكه صائحة:
- نعاودوا إیه؟ انتوا عاوزیني أقعد في النجع بتاعكوا ده ونسیب ھنا، وبعدین أنا مش مرتاحه لتفكیرك الانتقامي ده، وحاسه إنك مخبي كتیر یا طایع.
لتھتف نوارة بسعادة:
- اسكتي إنتي، إنتي معانا فين ما نكون، ما لكيش كلمه.
واحتضن طایع نوارة:
-خلاص یا خالتي، الحج جیه وجته.
وارتسمت علامات الامتعاض على وجه ملیكة مع استیقاظ الحاج وھدان لیجد نوارة تحتضن طایع:
-أیوه یا بوي ما ھو طایع ده حبة الجلب.
ضحكت نوارة:
- أخیرًا یا وھدان طایع عجد العزم ندلوا نجع الحطابین.
نظر وھدان لطایع نظرة یملؤھا الحنین لأرضه:
- صوح الكلام ده يا ولدي؟
ابتسم طایع:
-صوح یا حاج، وھناك إن شاء ﷲ ھنعلوا الجواب ونكتبوا الكتاب.