قالھا غامزًا لملیكة التي اعترضت:
- بس أنا مش عاوزه نروح النجع ده، أنا قلبي مش مرتاح للحكايه دي، حاسه إنها مش ھتخلص على خیر، أنا مش مرتاحه لنیتك یا طایع، وخايفه انتقامك ده يخسرنا كل حاجه، وأولها أنت.
علت ضحكة طایع: مش مرتاحه لنیتي في أخد حجي من العبابسه وإلا في أخد حجي فيكي.
تبرمت: یوه یا طایع، أنا باتكلم جد.
اكتسى صوته بالجدیة: وآني كمان باتكلم جد، العبابسه ھاخد حج أبوي منیھم و(ابتسم) وانتي یا غالیه ھنتموا حلمنا، ما انتي خلصتي أھو، ولو إني ما كنتش موافج إنك تخلصي علامك وإنتي مش في عصمتي، بس ما رضیتش أودرك وعملتلك اللي طلبتیه، وأظن ما لكیش حجه عاد.
وضعت یدیھا في خصرھا: وإن شاء ﷲ بقى ھتتجوزني سوكیتي كوتیمي وإلا ھنعمل فرح وأعزم اصحابي.
ضحك حتى انتفخت نواجذه: سوكیتي كوتیمي! إنتي كنتي بتتعلمي تجاره وإلا لغات، لا ما فیش سوكیتي ولا كوتیمي، فرحك ھیكون فرح ما فیش زیه ومصر كلاتھا مش النجع بس ھیتكلموا عنیه، واعزمي كل صحباتك.
ابتسمت: البركه في توجيهاتكم! أصحاب مين ھي واحده بس اللي ھاعزمھا ربنا ما یحرمني منھا.
واحتضنھا الحج وھدان ونوراة، بينما التقطت عيناها غمزة من طایع لھا بشوق.
**
أمر ضرغام فھد بالبقاء في الدوار الكبیر بجوار رابحة، وسيقوم ھو والرجال بدفن الچازیة وعمران بعد إنھاء ترتیبات الغسل، لم يعترض فھد فھو لا یرید الابتعاد عن رابحة.
وصلت السيارة للدوار وسط صراخ من صبيحة وحریم الدار.
ھدر فیھم ضرغام: ما اسمعش صوت حرمه منیكم، وإلا جسمًا بالله اللي عتصارخ لتتاوى مع اللي ماتوا، البنته الصغار غمیانه ومش داریه، مش عاوز صوت كفیاھا اللي ھي فیه.
ومع ھذه الكلمة حمل فھد رابحة كطفلة صغیرة بین یدیه، وتوجه بھا للداخل
وسط تحسر وبكاء من صبيحة: یا بتي حسره علیكي وعلى اللي صابك، دخلھا یا ولدي، عشتي غريبه يتيمة الأب يا نظري، وبجيتي يتيمه الأم كمان.
وأشارت له على الغرفة التي ستقیم بھا، مددھا فھد على السریر وشد علیھا الغطاء، في حین نادت صبيحة على إحدى الخادمات: یا ونیسه، تعالي اجعدي جار ستك رابحه وعينیك علیھا، ساعه ما تفتح عینھا تنادمي عليّ.
نادى ضرغام على صبيحة: المغسله جات، یالا عشان تجفي معاھا على غسل الچازیه.
دخلت صبيحة الغرفة واحتضنت چازیة الممدة فاقدة للروح
وحدثت نفسھا (آه یا حبیبتي آه، یوم ما تعتبي الدار تعتبیھا جته ھامده، ساعدتك تھربي منیه یا چازیه وانتي عایشه، بس جابك میته، ھاجول إیه ما أجدرش اتحددت ولا أبوح بالسر یا خیتي، وإنتي خلاص فارجتي الدنیا، وربنا یتوب على الكل، ويهدي العاصي، ما تخافيش يا غاليه، رابحه في عيوني، ولا عمري هاخلي الضرغام يأذيها، ورب السماوات يا غاليه إن جار عليها وإلا فكر يضيمها لهاجيب عاليها واطيها، وما هاعمل حساب لأيتها حاجه واصل)
وعند عمران كان ضرغام یقف على الغسل ناظرًا بكل حقد لجسد عمران محدثًا نفسه (أخدتھا منى یا عمران، كانت في حضنك أنت یا عمران، الموت رحمك مني، بس اللي ھاعمله فیك جلیل علیك)
توجه ضرغام مع الرجال لدفن الجثمانین وسط رفض بألا یصحب أي من أفراد عائلة العبابسه معه، ومن یملك الاعتراض أمام رغبة ضرغام، انتظر الرجال في صوان العزاء وجلست النساء بالدار، بعد فترة عاد ضرغام والرجال بصحبته بعد الدفن وأقیم العزاء كما يليق بأولاد العبابسه.
انتھى مفعول المھديء واستیقظت رابحه، لتجد نفسھا في غرفة لیست غرفتھا، مكان غریب علیھا، تشعر بآلام حادة في رأسھا وغصة كبیرة في قلبھا، تحاول تذكر ما كان لكنھا لا تستطیع، تشعر بتشوش كبير، وفراغ في رأسها، وجع في قلبها لا تدري له سببًا، نظرت لونیسة في تعجب: أنتي مین؟ وأنا فين؟
صرخت ونیسة بسرعة أفزعت رابحة: الحجیني یا ست صبیحه، الست الصغیره وعیت.
وھرولت للخارج.
انتفضت صبيحة من وسط النسوة على صرخة ونیسة، وهرولت للأعلى، وأرسلت من یستدعي فھد وضرغام من عزاء الرجال، دخلت صبيحة الغرفة، جلست بجوار رابحة.
ورابحة تنظر لھا بتعجب: أنتي مین؟ أنا حاسه أني أعرفك بس مش عارفه منین.
- آني الخاله صبیحه یا بتي آني ..
وھنا دخل فھد وضرغام وتبادلا النظرات معھا فقالت: انتم مین وأنا فین؟
سألھا فھد: إنتي مش فاكراني؟!
نظرت له تتأمل ملامحه: مش عارفه، حاسه برضه إني شفتك قبل كده.
اقترب منھا ضرغام: كویس إنك فجتي یا رابحه.
نظرت له في بلاھة: رابحه، أنا اسمي رابحه.
لینظر الجمیع لبعضھم وتھمس ونیسة في أذن فهد: يا مري، الست الصغیره مش عارفه نفسھا یا سیدي، بجي هي دي اللي هتتجوزها، يا مري.
صرخ فیھا فھد: اكتمي يا واكله ناسك، همي بسرعه شیعي للدكتوره.
جلس الكل حولھا احتضنتھا صبيحة في صمت والدموع تترقرق في عينيها، أحست رابحه بأمان كبیر في حضن ھذه السیدة، إنھا تشعر بالألفة بینھم ولكنھا لا تدري من ھم، تحس بالضیاع، ھناك شيء ما ینقصھا بشدة، تحس بفراغ قاتل یملأ قلبھا، ذئاب متوحشة تنھش قلبھا بشده مخلفة آلامًا لا تطاق، لكنھا لا تدري مصدر ھذه الآلام بالتحدید، تحاول أن تعصر مخھا لیعینھا على تذكر أي شيء، لكنه متمرد ویأبى الانصیاع.
بالأسفل كان كل من فهد وضرغام ينتظرا الطبيبة، عندما وصلت الطبیبة حادثھا فھد وضرغام بالخارج وقصا على مسامعھا ما حدث لرابحة، من وفاة والدتها وعمها، وكذلك الحادث الذي تعرضت له ومشاهدتها مقتل السائق فقالت:
- باللي انتوا قلتوه ده يبقى عندها بالتأكید فقدان ذاكره مؤقت نتیجة الصدمه، مخھا ما یقدرش یستوعب أنھا تفقد الاتنین سوا، ومن قبله خوفها وقلقها والرعب اللي شافته من محاولة السواق معها، وكونها تشوفه يتقتل قدامها برضه كل دي حاجات متجمعه صعبه، صراع نفسي شديد، فعمل حاجز حمایه لنفسه، أنا رأیي تسیبوھا كده وھي ھتفتكر لوحدھا، ممكن نساعدھا إحنا بأدویه محفزه للذاكره أو تاخدوھا أماكن عاشت فیھا كان لیھا فیھا ذكریات حلوه، أو صور لوالدتھا وجوزھا، الحاجات دي ممكن تنشط ذاكرتھا بصوره كویسه، والفقدان المؤقت ده في مصلحتھا، لما تحس بالأمان وسطكم عقلھا بالتدریج ھیشیل الغلاف الواقي ده بس أحذركم ساعتھا ھتكون استعادتھا للذاكره معاھا انھیارمؤقت طبعًا بس مش بنفس الدرجه اللي ھیكون علیھا لو استعادتھا دلوقت بعد الصدمه مباشره.
ثم دخلت لرابحة وتحدثت معھا قلیلًا وقالت لها: بصي یا قمرایه، انتي اسمك رابحه، والناس اللي بره دول أھلك، وكلھم ما شاء ﷲ بیحبوكي وخایفین علیكي جدًا، إنتي جالك فقدان ذاكره مؤقت، مش ھیطول إن شاء ﷲ، یعني ممكن مثلًا تفتكري كل حاجه وإحنا بنتكلم دلوقتي، وممكن بعد اسبوع، وممكن بعد شھر، دي حاجه بتاعة ربنا، مش عاوزاكي تقلقي من حاجه، إنتي وسط أھلك وناسك.
- ليه جالي الفقدان ده في الذاكره؟ إیه اللي حصل يعمل لي كده؟
- ما نسألش كتیر یا قمر، عشان أعرفك التفاصيل ده ممكن يتسبب لك في مشكله دلوقتي، لازم عقلك هو اللي يعرفك في الوقت اللي يلاقيه مناسب، المھم إنك وسط أھلك.
ردت رابحة باطمئنان: فعلًا أنا حاسه براحه وسطھم خصوصًا الخاله صبیحه، بس فین باقي أھلي؟ یعني أبویا، أمي، أخواتي.
صمتت الطبیبة قلیلًا: فیه حاجات ھتعرفیھا لوحدك یا رابحه ما تستعجلیش وتضغطي على عقلك، لو سمحتي، حالیًا ھنعتبر أھلك ھم اللي حوالیكي دول، أي أفراد تانین مش حوالیكي بلاش تسألي عنھم دلوقتي، سیبي كل حاجه تیجي لوحدھا.
تركتھا الطبیبة وانصرفت مع تنبیھات على الكل بعدم الحدیث عن وفاة والدتھا وزوجھا أمامھا.
دخلت صبيحة لھا ومعھا ونیسة حاملة صینیة طعام، علیھا دجاجتین محمرتین وأرز بالشعیریه وصینیه بطاطس بالصلصة وشوربه:
- یالا یا بتي جابلي الزاد، جایبالك الوكل اللي خابراكي تحبیه، وما جبتش سلطه، عارفاكي ما تحبیھاش واصل یا جلبي.
ابتسمت رابحة: إنتي طیبه قوي یا خالتو، ممكن أعرف ماما فین؟
اغروقت عینا صبيحة بالدموع لكنھا جاھدت نفسھا بألا تبكي، في حین استطردت رابحة: معلش نسيت الدكتوره قالت ما استعجلش، وما أسألش، خلاص.
وضحكت: بس الأكل ده كتیر قوي، أنا ھاكل كل ده لوحدي.
ھنا دخل ضرغام وفھد مبتسمین وقال ضرغام: لا كیف ده؟ كلنا ھناكلوا معاكي.
وجلس بجوارھا
فضحكت: طیب ما دمنا كلنا ھناكل نقعد على السفره بقى، ماما ممكن تخنقني لو عرفت إننا كلنا على السریر.
صمتت قلیلًا بعد ھذه العبارة وأمسكت رأسھا متألمة.
فقال فھد: معلش الدكتوره جالت إن الصداع ده ھیجي كل ما مخك یفتكر حاجه، كلي لجمه اللاول بعدین تاخدي الدوا.
ابتسمت له قائلة: أنت مین بقي؟ أنت قلت اسمك فھد، تبقالي إیه أخویا وإلا جوزي وإلا ایه؟
ابتسم: أنا ولد عمك ضرغام (وصمت قلیلًا) وخطیبك وھابجي جوزك عن جریب.
نظر له ضرغام وصبیحة مبتسمین، بینما اكتسى وجه رابحة بحمرة الخجل
فقال ضرغام: مش یالا ناكلوا الوكل ھیبرد.
وقاموا جمیعًا ونقلت ونیسة الأكل على طاولة الطعام الموجودة بالدور العلوي وسط تبرمھا: شیلي یا ونیسه، حطي یا ونیسه، اطبخي يا ونيسه كله على راس ونيسه.
فضربھا ضرغام على مؤخرة رأسھا: سامعك یا واكله ناسك.
- سماح یا سیدي البیه، آخر نوبه، ما عافتحش حنكي واصل.
ضحك وھو یجلس على طاولة الطعام: آخر نوبه كیه؟ ما تبجیش ونیسه، ده أنت الدایه سحبتك من لسانك ده یوم ما انولدتي، وشكلي آخر ما ھازھج ھاقطعه ليكي، وأريحك واريحنا منيه.
- يا مري، آخر نوبه یا سیدي البیه سماح.
- امشي، سماح النوبه دي عشان خاطر الغالیه بس.
وبدأوا في تناول الطعام
سألت رابحة: فیه حاجه محیراني!
رد ضرغام: جولي یا بتي، إيه اللي محيرك؟
- أنا لیه باتكلم كده وانتوا بتتكلموا كده مش زي بعض.
تحدث فھد: إنتي اتربتي في مصر عشان كده كلامك مصراوي.
ابتسمت: إیه ده؟! ما أنت بتتكلم برضه مصراوي زي ما بتقول أھو، ومن شویه كنت بتتكلم زيهم، إنت قایم بدورین.
وانفجرت في الضحك
أمسكھا من أذنھا: لا یا لمضه، أني باتحددت مصرواي وصعیدي، ما أني كمان اتعلمت في مصر وسافرت بره كمان ودارس تجارة أعمال.
أمسكت یده لتبعدھا عن أذنھا فلاحظت عدم وجود خاتم خطبة بھا ونظرت لیدھا ولاحظت أیضًا عدم وجود خاتم فسألت: ھي فین؟
- ھي إیه؟
- الدبله.
- دبلة إیه؟
- مش أنت قلت إننا مخطوبین فین الدبل؟
ابتسم: انتي فقدتي الذاكره بس فاكره إن المخطوبين بيلبسوا دبله، إحنا مخطوبین من وإنتي في اللفه، مش محتاج دبله تربطني بیكي، والعبابسه كلاتھا عارفه إن رابحه بتاعة فھد.
تبرمت: إیه بتاعت فھد دي، ھو أنا كرسي وإلا اباجوره، فين حقي في الاختيار يعني إيه مخطربين وإحنا في اللفه، وبعدین ما جایز مش عاوزه اتجوزك.
تدارك ضرغام قولھا: بلاش الھزار التجیل یا رابحه في الحته دي، عشان فھد ما یجلبش على الوش التاني.
ضحكت لتتدارك ما قالت فلقد احمر وجه فھد غضبًا: مش قلت طالع بدورین.
لیقول بغضب: دورین، ثلاثه، أربعه، اللماضه ما لھاش دعوه واصل بالموضوع ده، أنتي لیا وبس، فاجده الذاكره مش فاجده الذاكره ما فيهاش كلام.
تخوفت من غضبه، ولكنھا كانت سعیدة بغیرته: طیب ما تشخطش.
ضحكت صبيحة: ربنا یدیم المحبه بینكم، وأخیرًا حلمي اتجج واتلم الشامي على المغربي.
سألت رابحة: أكيد أنا الشامي عشان أحلى منه.
قال فهد: انتي أحلى حاجه في الدنيا كلاتها.
ليقول ضرغام: اتحشم يا ولد.
وضحكوا جميعهم، صمتت قليلًا ثم سألت ھو أنا كنت بعیده على طول.
صمت الكل
فقالت بملل: خلاص مش ھاسال، أنا شبعت الحمدلله، الأكل یجنن یا خالتوا، مین اللي طابخ، ونيسه؟
رد ضرغام: الوكل ما یبجاش وكل إلا من ید خالتك صبیحه، ولو ما جدراش یبقي من ید مجصوفة الرجبه ونیسه، بس ونيسه اللي طبخت النهارده.
- تسلم ایدیكم یا رب.
رافقتھا ونیسة لدورة المیاه لتغسل یدیھا، وبینما ھي خارجه من الحمام رأت الحدیقة الجمیلة من النافذة الكبيرة فقالت: ﷲ! الجنینه اللي تحت دي حلوه قوي، ممكن ننزل تحت نشرب القھوه.
نظرت لھا صبیحة نظرة تردد فقالت رابحة: إیه؟ ممنوع النزول للجنینه.
رد فھد: طالما أنا معاكي مش ممنوع حاجه في الدنیا بس...
- بس إیه؟
- فیه حد في العیله من الكبرات متوفي، والعزا في الجنينه الغربيه.
- عشان كده القرآن اللي شغال من الصبح ده، كنت فعلًا لسه ھأسالكم.
- فمعلش غیري الخلجات الملونه دي والبسي أسود وآني هانزلك تجعدي براحتك في الجنينه الشرجيه.
- حاضر ما فیش مشكله، لبسي فین؟
ساد الصمت قلیلًا فردت صبیحة: معلش خلجاتك مش اھنیه، ھاجیبلك عبایه من عندي ھتبجي واسعه شویه، لغایة ما نجیبوا خلجات مجاسك.
ضحكت: طبعًا مش ھأسأل لیه لبسي مش ھنا عشان أوامر الدكتوره صح؟
ابتسم ضرغام: شاطره یا بت الچازیه.
انتفضت رابحه لسماع اسم أمھا، وأحست بآلام الصداع تھاجمھا وأمسكت رأسھا ناولھا فھد الدواء وأجلستھا صبیحه، بعد قلیل تحسنت وأحضرت ونیسه لھا القھوة الساده كما طلبتھا.
بعد تناولھا للقھوة ابتسمت: ادیكم ضحكتوا علیا وشربتوني القھوه ھنا.
ابتسم ضرغام: معلش، متعوضه، دلجیت ھیاخدك فھد مع خالتك صبیحه تتدلوا البندر تشتروا خلجات زینه لیكي، وإلا إیه یا صبیحه؟
ابتسمت صبیحة: طبعًا یا كبیر.
وارتدت رابحة عباءة صبیحه ورافقتھم، بینما نظرات الخدم موجھة لھا متحسرین على ھذه الجمیلة التي لا تدري شیئًا عن مصابھا في أمھا، الكل یُقبلھا ویربت على ظھرھا ولا یتكلم، فقالت: ھو أنا كنت غایبه بقالي كتیر، أصل كلھم بیسلموا علیا یعني، بس ھم زعلانین لیه؟
رد فھد: ما جلنا واحد من كبرات العبابسه مات، أمال نازلین نشتروا لبس أسود لیكي لیه؟
- خلاص یا عم المتوحش ما تزوءش.
ضحك فھد وابتسمت صبیحة
ركبوا السيارة فهد يقود وبجانبه رابحة وفي الخلف صبيحة، ونزلوا ليشتروا لها ملابس مناسبة، اختارت بنطالًا من الجينز الأسود وفوقه بلوزة سوداء تصل لخصر البنطال، وخرجت لتريها لصبيحة وكان فهد واقفًا، ما أن شاهدت صبيحة حتى سكتت ولم تتكلم ونظرت لفهد الذي قال: ده إن شاء الله تلبسيه في جاعتك وانتي لحالك، إنما تنزلي بيه وسط الدار وإلا تطلعي بيه الجنينه أجطم رجبتك.
- ليه هو أنا لابسه قميص نوم ده بنطلون وبلوزه.
- رابحه هتشتري خلجات زينه تنفع جدام الناس، اللبس ده ما يصلوحش، عاوزاه هنجيبه بس زي ما جلت في جاعتك بس.
- يا فهد.
- بلا فهد بلا بطيخ، أمال أنا جبتك ليه عشان تختاري اللي يعجبك، فيا تختاري زين، يا تجعدي في العربيه وآني اختار لك.
- لا تختاري لي إيه، شكرا هاختار أنا، احضرينا يا خاله ساكته ليه؟
- هو آني أجدر اتكلم يا بتي بعد كلام فهد، هو عنديه حج.
- حاضر يا خاله.
اختارت بلوزة طويلة تصل للركبة وارتدتها وخرجت لهما.
فقالت صبيحة: زينه يا بتي.
فنظرت لفهد ابتسم قائلًا: أيوه كده، اختاري حاجات من دي.
اختارت عدة أطقم تناسب النزول وتناسب غرفتها، ثم همست لصبيحة
- محتاجه لانجيري.
- اسم الله عليكي يا بتي يعني إيه؟
- محتاجه ملابس داخليه يا خاله.
- أيوه يا بتي هنجيب كل الي تحتاجه، يالا بينا، الجسم الداخلي فوج.
- طب بالنسبه للأسد اللي واقف ورانا ده.
ابتسمت صبيحة: وده ماله باللي هنجيبه هيستنى أهنيه.
تحركتا لتصعدا السلم فتحرك خلفهما لتوقفه صبيحة بيدها، فنظر لها بغير فهم،
قالت: اللي هنجيبه دلجيت ما ينفعش تيجي معانا فيه.
- يعني إيه؟ اسيبكم وحدكم وأما حد يضايجكم.
- اللي فوج بنته بس، ما حدش هيضايجنا، استننا هنيه.
- طيب ما تعوجوش.
قال رابحة: براحتنا بقى بطل سربعه.
- حاضر يا أم نص لسان، مستنيكم أهه.
اختارتا ما تحتاجه رابحه ثم نزلتا ليحاسب فهد ويعودوا للنجع ، وصعدت لغرفتھا، بعد قليل أحست بالملل، فخرجت من غرفتها، ونادت على ونيسة: يا ونيسه.
جاءت ونيسة: نعم يا ست هانم.
- هي أوضه فهد فين؟ عاوزه أروح له.
اتسعت عينا ونيسة دهشة، وضربت على صدرها: يا فضيحتي تروحي له كيه؟
-ايه يا ونيسه مالك؟ عاوزه أروح أوضته أخبط عليه عاوزاه في موضوع يا ستي، خطيبي وأنا حره.
- لا يا ستي ، ده هناك عنديكم، هنيه أنا أنادملك عليه.
وتوجهت لغرفة فهد وهي تحدث نفسها (جال تروح له جال، أهي دي اللي كانت ناجصاني كمان)
وطرقت باب غرفة فهد ليرد: مين؟
- آني ونيسه يا سيدي؟ إنت نمت؟
- آه نمت يا ونيسه وبارد عليكي وآني في الحلم، انطوجي رايده ايه؟
- مش آني يا سيدي، دي الست الصغيره رابحه ر...
لم تكد تنطق اسمها حتى كان فتح الباب قائلًا: ما لها ستك رابحه؟
نظرت له ونيسة فاغرة فاهها فقد كان عاري الجذع فقالت: ط...ب است...ر نفسك.
تنبه لخروجه هكذا فارتدى جلبابه على عجاله: مالها ستك يا مجصوفة الرجبه؟
- ما مالهاش بتجول رايدك في موضوع، جلت لها تجعد في المجعد وآني هانادم عليك، جال إيه كانت عاوزه تعرف فين أوضتك وتجيك هي تنادم عليك، آخر زمن.
ضربة على مؤخرة رأسها أسكتتها.
وذهب لرابحة في المجعد.
جلس بجوارها فقالت: إيه كنت نمت؟ أنا كده صحيتك.
- أبدًا ما نمتش، ولو نمت يا ستي انتي تصحيني من أحلاها نومه، كفايه إني هافوج على الوش الجمر ده.
ابتسمت: بس باتكسف.
- والله لو لما تتكسفي تحلوي بزياده كده ده آني أكسفك وأكسفك كمان.
- بس بقي.
- حاضر، طب كنتي عاوزه إيه؟
- كنت زهقانه ومش عارفه أنام، وإنت قلت ما تنزليش الجنيه لوحدك، ممكن تنزلني الجنينه شويه.
- عيوني، بس الجنينه هتبجي برد، إلبسي شال عليكي.
- حاضر.
ذهبت لغرفتها ووضعت شالًا خفيفا على كتفها وارتدى هو عباءته ونزلا للحديقة،
سارت تتأمل في الجمال المحيط بها، ثم جلست في المكان المخصص لذلك وهي تنظر للسماء الصافية بلا أية سحب، والمطرزة بالنجوم المتلألأه وقالت: شكل السما يجنن قوي النجوم بتلمع بطريقه تحفه.
لم تجد تعقيبًا منه فنظرت له لتجده هائمًا فيها، ابتسمت وقالت: فهد.
فلم يرد فقالت بتلقائية: فهدي.
ليجيب: ها جلتي إيه؟
ابتسمت: يعني سامع اهو.
- سامع بس رايد اسمعها تاني.
فقالت: فهد.
قال: لا مش دي التانيه.
ضحكت بخجل: يا سلام، مش قايله حاجه.
- يا رب أموت لو ما جلتيهاش.
ضربته في صدره: أوعي تقول كده.
- خايفه عليّ.
- آه، مش عارفه ليه بس آه خايفه.
ونظرت للبعيد وقالت: أنا آه مش فاكره حاجه عن اللي فات، ولا عارفه إحنا كنا بتعامل إزاي مع بعض، ولا إذا كنا مبسوطين سوا والا لا، بس اللي عارفاه إني دلوقتي مرتاحالك، ومرتاحالك قوي كمان، مش ممكن كنت وحش معايا قبل كده وارتحلك بالشكل ده، طول ما إنت موجود حواليا أو شايفاك أو سامعه صوتك بأحس بأمان، كأني غرقانه وإنت اللي بتنقذني(ثم نظرت له وقالت) يا فهدي.
ابتسم حين خفضت رأسها خجلًا، وأمسك ذقنها ليرفع وجهها لتنظر له: جسمًا بالله لولا حرمة اللي ماتوا لكنت أعجد عليكي دلجيت، وما أبعدك عني أبدًا، أنا جوايا حديت كتير رايد أجوله، بس خايف اللي أجوله يكون غلط عليكي، عشان إكده كل اللي هاجوله ليكي هو إني يا بنت عمي، هأكون سندك وأمانك وعمري ما هأكسر بخاطرك أبدًا، إنتي رابحتي آني وبس.
أحس بها ترتعش فقال: الشال ده خفيف.
وخلع عباءته ووضعها على كتفها.
ابتسمت وقالت: بس أنت كده هتبرد.
- أبرد إيه شايفاني بس إياك آني فهد.
ضحكت وقالت: الغريبه إني آه ما باتكلمش زيكم بس أنا فاهمه كل الكلام اللي بتقوله، كأني سامعاه كتير قبل كده.
ابتسم وقال: هتعرفي كله بأوانه.
فقالت: أنا خلاص عاوزه أطلع.
- يالا بينا.
صعدا وأمام باب غرفتها قال: تصبحي على الخير كله يا نبض جلبي.
- وانت من أهل الخير يا فهدي، أنا هاخد العبايه معايا، عشان تونسني.
- يا بوي، يا بختها العبايه، طب دسيها في حضنك زين.