في ليلة قارسة البرودة من ليالي ديسمبر، كان خالد وزوجته سلمى جالسين في غرفة المعيشة بمسكنهما الواقع في الطابق العاشر من برج سكني شاهق. كانت الأجواء ساكنة، لا يعكر صفوها سوى صوت التلفاز الخافت وأنين الرياح العاتية التي تهز النوافذ. كانت سلمى ملفوفة بغطاء صوفي دافئ، بينما كان خالد يحاول عبثًا البحث عن برنامج يستحق المشاهدة.قال خالد بنبرة متبرمة وهو يتنقل بين القنوات:
ـ "لا شيء يستحق المشاهدة... كل البرامج مكررة."ابتسمت سلمى بلطف وقالت:
ـ "دعه على أي شيء وكفى... الجو في الخارج مخيف."صمت خالد لحظة، وهو يشعر بضيق من البرد الذي تسلل إلى عظامه رغم دفء الغرفة. حاول تجاهل إحساس غامض بالقلق بدأ يتسرب إليه، مقنعًا نفسه بأن الإرهاق هو السبب.عند الساعة الثالثة فجرًا، وبينما كان الهدوء يعم المكان، انطلق صوت طرقات خفيفة على نافذة غرفة النوم. تجمدت سلمى في مكانها، وتبادلت مع خالد نظرات مشوبة بالذعر. حاولت الكلام، لكن الكلمات تخاذلت عن شفتيها.
قالت بصوت مرتجف:
ـ "خالد... أسمعت ذلك الصوت؟"
هز خالد رأسه ببطء، غير مصدق:
ـ "أي صوت؟"
أجابت وهي تحاول التحكم في رجفة صوتها:
ـ "شخص ما طرق النافذة...
"ضحك خالد ضحكة خفيفة رغم توتره:
ـ "أتمازحين؟ نحن في الطابق العاشر!"
لكن سلمى لم تقتنع، ظلت عيناها مثبتتين على النافذة، كأنها تترقب عودة الصوت. حاول خالد تهدئتها، مدعيًا أن الرياح هي السبب، لكنه شعر بشكوك بدأت تتسلل إلى قلبه.
في الليلة التالية، وفي نفس التوقيت بالضبط، تكرر الطرق، لكن هذه المرة كان أوضح، كأنه استدعاء من عالم آخر. نهض خالد من فراشه بحذر، واقترب من النافذة ببطء، محاولًا استطلاع ما خلف الزجاج. لكنه لم يرَ شيئًا سوى الظلام الحالك.قال محاولًا طمأنة نفسه:
ـ "ربما كان صوت الريح... الجو في الخارج مقلق."لكن في قرارة نفسه، كان يعلم أن الأمر ليس بهذه السهولة. شيء غامض ومرعب يحدث هنا.
في الليلة الثالثة، قرر خالد أن يبقى متيقظًا. ثبت هاتفه على حامل أمام النافذة، وأعده لتسجيل كل ما يحدث. جلس على طرف السرير، يكافح النعاس الذي بدأ يتسلل إلى جفنيه.
عند الساعة الثالثة تمامًا، عاد الصوت مجددًا. ركز خالد نظره على النافذة، حيث بدا ظل خافت يتحرك خلف الزجاج. شعر قلبه يخفق بعنف، لكنه لم يتحرك. لم يكن مستعدًا لمواجهة ما قد يكون هناك.
في الصباح، نهض مترددًا، واتجه نحو الهاتف ليراجع التسجيل. عندما ضغط على زر التشغيل، تجمدت ملامحه وشحب وجهه. ظهر في التسجيل وجه امرأة شاحبة تحدق من خلف الزجاج بعينين جامدتين، كأنها تبحث عن شيء.
قرب الصورة لتوضيح ملامحها. في تلك اللحظة، شهق مذعورًا وتراجع، فسقط الهاتف من يده. كانت الصورة واضحة تمامًا... وجه المرأة لم يكن غريبًا عنه... كان وجه سلمى ..زوجته !