في تلك اللحظة، تملّك خالد شعور مروّع بالعجز والضياع. كيف يمكن أن يكون هذا وجه سلمى، وهي نائمة بجانبه طوال الوقت؟ التفت ببطء نحو السرير، ليجد سلمى مستلقية، تتنفس بانتظام وكأنها في سبات عميق. لم يجرؤ على إيقاظها، بل بقي واقفًا متجمّدًا في مكانه، يحاول استيعاب ما شاهده.
جلس على حافة السرير وهو يحدّق في الهاتف الذي سقط على الأرض. التقطه بيد مرتجفة وأعاد تشغيل التسجيل مرارًا وتكرارًا. لم يكن هناك شك؛ الوجه كان واضحًا... سلمى، بنظرات زائغة وبشرة شاحبة، تنظر مباشرة إلى الكاميرا من خلف الزجاج.
مرت لحظات طويلة قبل أن يستجمع شجاعته ويقرر التحقق من النافذة بنفسه. اقترب بخطوات مترددة، ونظر عبر الزجاج. لا شيء سوى السماء الرمادية وضباب الفجر البارد. عاد إلى الهاتف وفتح معرض الصور، يبحث عن أي لقطات أخرى، لكن الغريب أنه لم يجد الفيديو. وكأنه قد اختفى تمامًا.
استيقظت سلمى على حركة خالد المضطربة، فتحت عينيها بصعوبة وسألته بنبرة نعسة:
ــ "ما بك؟ لماذا تستيقظ في هذا الوقت؟"
نظر إليها خالد بعينين مذعورتين وقال بصوت متهدج:
ــ "سلمى... هل خرجتِ من الغرفة الليلة الماضية؟"
أجابت باندهاش: ــ "لا، بالطبع لا. كنت نائمة طوال الليل... ماذا يجري؟"
حاول خالد أن يخبرها، لكن الكلمات لم تخرج. شعر بأن جنونًا غريبًا يسيطر عليه، فقرر أن يكتم الأمر مؤقتًا. ربما كان مجرد كابوس تداخل مع الواقع.
في تلك الليلة، وقبل أن يخلدا للنوم، تأكد خالد من إغلاق النوافذ بإحكام، ووضع هاتفه في وضع التسجيل من جديد. حاول أن يبدو طبيعيًا أمام سلمى، رغم أن عقله كان يغلي بالشكوك.
عند الساعة الثالثة تمامًا، تكرر الصوت مرة أخرى. طرقات خفيفة، لكنها كانت مصحوبة هذه المرة بأنين خافت يشبه البكاء. لم يتحرك خالد من مكانه، لكنه شعر بأن قلبه يكاد يقفز من صدره. التفت ببطء نحو النافذة، وكانت المفاجأة: رأى نفس الوجه... وجه سلمى، لكنها كانت تقف خارج النافذة، تنظر إليه بنظرات فارغة وعينين زائغتين.
صاح خالد بصوت مرتجف: ــ "من أنتِ؟! ماذا تريدين؟!"
استيقظت سلمى مذعورة من صوته، وجلست على السرير وهي تنظر إليه بقلق: ــ "خالد! ما بك؟ هل رأيت كابوسًا؟" أشار نحو النافذة، لكن الوجه اختفى. اقتربت سلمى من النافذة بتردد، وقالت:
ــ "لا يوجد شيء، فقط الرياح."
بدأ خالد يشعر بأنه يفقد عقله. كيف يمكن أن يرى سلمى في مكانين مختلفين في نفس الوقت؟ حاولت سلمى تهدئته، لكنها بدت مرتبكة من حالته.
في اليوم التالي، قرر خالد زيارة صديقه عادل، وهو ضابط شرطة سابق يعرف الكثير عن الظواهر الغريبة. حكى له ما حدث بالتفصيل، فجلس عادل صامتًا لبعض الوقت قبل أن يقول:
ــ "هل تعلم أن البرج الذي تسكن فيه بُني على أنقاض مستشفى قديم؟ كان مشفى للأمراض النفسية، وأغلق بسبب حادث مأساوي."
تجمّد خالد في مكانه وسأله:
ــ "حادث؟ أي حادث؟"
أجاب عادل بنبرة جادة: ــ "يقال أن هناك عددا من المرضى والأطباء قتلوا فى ظروف غامضة .
شعر خالد بارتعاش في جسده، وأدرك أن ما يحدث ربما يكون مرتبطًا بتلك الحادثة القديمة. قرر العودة إلى المنزل والتحقيق في الأمر بنفسه، لكن في طريقه، تلقى اتصالًا من سلمى بصوت مذعور:
ــ "خالد... هناك من يطرق النافذة الآن... لكنه... وجهك أنت!"
يتبع.....