في سالف العصور، في مدينةٍ تُدعى أورهان، كانت القباب تلمع كالجواهر تحت شمس المغيب، وكانت المآذن تعانق السحاب، والنخيل يرقص على ألحان النسيم. في تلك المدينة العتيقة، حكم السلطان الناصر كيوان، رجلٌ وُصف بالحكمة والعدل، وكان إذا سار في الطرقات، تبسّمت الوجوه، وتفتحت الأزهار كأنها تحتفي به.
لكن للأسف لا تكتمل الحكايات دون ظلٍّ يُخيم على النور.
كان للناصر وزير يُدعى سُهيّل، رجلٌ وُلد من صخر، وعيناه تحملان صقيعًا لا يعرف الرحمة. كان ذكيًا حدّ المكر، بليغًا في حديثه، ساحرًا في حضوره، حتى كاد يخدع المرآة في صدق صورته. ترك له السلطان إدارة شؤون الدولة، مستسلمًا للراحة واللهو، وقد وجد في قصص ألف ليلة وليلة ملاذًا من ضجيج الحكم وثقله.
وذات مساء، قال السلطان للوزير:
– "ما أخبار مشروع الرؤية الكبرى؟ أما زال عمّالك يحفرون الأرض لتروي الصحراء؟"
– ابتسم سهيل، وانحنى قليلًا: "يا مولاي، المشروع يسير كما أرادت السماء، وسيغدو الرمل ذهبًا، والسراب نهرًا جارياً."
لكن الحقيقة كانت مختلفة. فالمشروع، المسمى بـ"الرؤية الكبرى"، لم يكن سوى قناع. خلفه، كان سهيل يبرم عقودًا سرية مع تجار من بلاد بعيدة، يبيع لهم أراضي المشروع بأسعار بخسة، مستغلًا الأمل المزروع في قلوب الناس. لم يكن ينوي إنهاء المشروع؛ كان ينوي أن ينتهي من الجميع.
راح يعين أبناء عمومته وأتباعه في مفاصل الدولة، وجعل من المجالس ممالك صغيرة يديرها كما يشاء. أما المعارضون، فكانوا يُقصون بعبارات لبقة، أو يُغرقون في صمتٍ مُرٍّ لا يُفسَّر.
في أحد المجالس، همس أحد الكتّاب في أذن شاعر عجوز:
– "هل علمت أن قصيدتك الأخيرة فُسّرت كتحريض على الدولة؟"
– تنهد الشاعر وقال: "لم تبقَ في القوافي حرية، حتى الكلمات باتت تُراقَب كالجنود."
وكان سهيل يحرص على إرضاء السلطان في الظاهر، فيغدق عليه بالاحتفالات، ويحيي المهرجانات، ويأتيه بالراقصات والمغنين من أطراف البلاد، كي لا يرى الحقيقة.
وذات ليلةٍ ممطرة، كان السلطان كيوان جالسًا في مجلسه، يُصغي لشهرزاد، حكواته المحبوبة، وهي تروي له قصة عن ملكٍ سرق أحد وزرائه عرشه دون أن يشعر. كان في القصة مرآةٌ لا تُظهر الوجوه، بل تُظهر النوايا.
وفجأة، ارتجف قلب السلطان، شعر بأن كلماتها اخترقت عقله وقلبه، ومحت غشاوة على عينيه، وقال في نفسه:
"أتكون هذه المرآة في قصتي أنا؟ أتكون سلطتي التي أفخر بها، ليست سوى ظل في يد رجل آخر؟"
رفع نظره ببطء فرأى سهيل في طرف القاعة، جالسًا بهدوء، ينظر إليه بعينين لا تحملان سوى سكون الخطر.
اقترب من شهرزاد وهمس في أذنها:
– "يا شهرزاد، احكي لي عن سلطانٍ ضلّ في دروب العتمة، ثم وجد في آخرها ضوءًا، فاسترد تاجه، وأعاد لشعبه صباحهم المسروق."
رفعت شهرزاد نظرها نحوه، فابتسمت، وقالت:
– "ليكن إذن، يا مولاي، حديث الليلة عن صحوةٍ تأخرت كثيرًا، ولكنها جاءت في وقتها تمامًا. حديثنا عن سلطان لم يعرف أنه نائم... حتى استيقظ."