كل صباح، يستيقظ مبكرا، يفتح نافذة غرفته كأنه يفتح نافذة إلى العالم، ثم يعود ليغلقها بعد عشر دقائق من التأمل الثقيل في "اللاشيء". يشرب قهوته السادة، يجلس أمام اللابتوب، ويفتح الملف نفسه الذي ظل يعدّله منذ ستة أشهر. رواية من مئتين وأربعين صفحة، مكتوبة بصبر ناسك وقلق مؤرخ، لكن لا أحد يعرف بوجودها.
كتب في أول سطر: "كأن العالم يمشي مغمض العينين، يتعثر بالحقيقة فيسميها مؤامرة."
ذات يوم، قرر أن ينشئ صفحة على فيسبوك ينشر فيها اقتباسات من كتاباته. كتب منشورًا أنيقًا، مرفقًا بصورة غلاف رمادي بسيط: "الكتابة مقاومة. القراءة ثورة." حصل المنشور على أربعة إعجابات من عائلته.
في الليلة نفسها، قرأ منشورًا لكاتبة اسمها "رورو". كانت قد نشرت صورة لها وهي ترتدي بيجاما منقوشة، تمسك كتابًا مفتوحًا بالمقلوب، وكتبت تحتها: "في حضن الليل، أنام على صدر القصيدة."
حصدت ٤٤ ألف إعجاب. وأكثر من ألف تعليق، معظمها قلوب حمراء ونيران.
ضحك، رغم أن الأمر ليس مضحكا.
**
قدّم روايته إلى مسابقة أدبية. رفضوها لسببٍ غريب: "اللغة فصحى للغاية، والأسلوب متعالٍ عن القارئ". بعد أسبوع، فازت بالجائزة رواية (رورو) وعنوانها: "ضحكت لما شوفتك".
فتح أول صفحة منها: "أنا وهي، كنا شبه بعض، بس مش أوي، يمكن علشان إحنا توأم بس من مشيمة مختلفة!"
ضحك أكثر هذه المرة حتى كاد يختنق ..
**
أنشأ حسابًا على إنستغرام. نشر صورة لغلاف كتاب ، وكتب تحتها: "قريبًا: مشروع جديد لا يشبه شيئًا مما كُتب." تفاعل معه ١٠ أشخاص. معظمهم من معارفه في الثانوية.
بعد يومين، نشرت "شهد الحروف" صورة لها في مرآة المصعد، تحمل كوب قهوة من ستاربكس، وكتبت: "أكتب لأنني لا أجيد الصمت، وقلبي مليان بالحكايات انهالت التعليقات:
– "انتي مصدر إلهامنا."
– "نفسك في الكتابة طالع من عيونك."
– "متى توقيع الكتاب؟"
**
في آخر الليل، أغلق اللابتوب، وتنهد.
يشعر أنه وُلد في الزمن الخطأ، أو في الصفحة الخطأ من كتاب الحياة.
ربما لو كان يملك عينين واسعتين وصورًا على البحر، لقرأ الناس نصوصه حتى لو لم تكن له.
لكنه لا يملك سوى هذا النص. وهذا الحرف.
كتب في أوراقه بخطٍ صغير: "سأظل أكتب حتى يضربني الحظ أو يملّ مني النسيان."
ثم نام، وفي الحلم رأى أن روايته نُشرت، ونال عنها جائزة، وأُجريت معه مقابلة تلفزيونية. وفي نهاية اللقاء، سألته المذيعة بابتسامة ساحرة: – "إيه سرّ النجاح الكبير ده؟"
أجابها بابتسامة واثقة: – "قررت أخيرًا أكتب روايتي( إن غاب القط) باللهجة العامية... وسميت البطل (حمادة)."
فقامت له القاعة تصفيقًا حارًا، بينما خرجت "رورو" من بين الحضور، وقالت له باكية: – "أنا دايمًا كنت مؤمنة بموهبتك يا أستاذ حمادة!"