صمت تام لف المكان وأنا أتأمل ملامح نادر ، أبحث عن نظرة سخرية مخبأة ، أو ابتسامة تهكم يخفيها عنى، ولكن لم أجد سوى الصدق والصرامة ولهجة حازمة وهو يؤكد على عدم وجود طفل فى البيت !

- هل من الممكن أن أغادر الحجرة؟

نظر لى قليلا ثم قال:

- بالطبع ..

غادرت الغرفة وأنا أنظر متشككا إلى كل أنحاء البيت وأتفحص زواياه..

سألتني والدته فى دهشة :

- ماذا بك ؟

ترددت قليلا وأنا أخبرها:

- هل هناك طفل بالمنزل يا أمى؟

نظرت إلى زوجها الذى قام من جلسته المفضلة على الأريكة وهو يقول فى لهجة حانية:

- لا يوجد أطفال هنا يا ولدى .

نظرته القلقة المتوترة جعلتني أشعر بالريبة فى الأمر..

فلت منى صوت عال :

- بل يوجد طفل وتحدث معى ..ثم ماذا هناك؟ لماذا تخفون تلك الصور المعلقة على الحائط؟ وما سر تلك النظرات الغريبة التى ترمقونها نحوي ؟

اقترب منى والد نادر فى هدوء ووضع يده على كتفي وهو يقول فى لهجة حانية :

- أرجو منك أن تهدأ يا ولدى .

أزحت يده عنى فى غلظة ، واتجهت نحو الصور المعلقة لأديرها ..

حاول والد نادر منعى ولكنى كنت بالفعل قد عكست الإطار الخشبي لأرى الصورة ..

صرخت :

- ها هو الطفل الذى تحدث ..لماذا تنكرون وجوده..

تراجعت إلى الخلف وأنا أقرأ المكتوب أسفل الصورة ..

" نادر عبد الحميد على"

تاريخ الوفاة .....

ماذا ؟

نادر !!

وفاة!!

نظرت حولى ..أين صديقى نادر ؟

لماذا تنظرون إلى بشفقة هكذا؟

ما سر الظلام الذى يحيط بي ، والخمول الذى يجتاح أطرافي؟

ظلام تااام ..

ماذا حد........

▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

ما زلت أشعر بالخمول ..

أرى نفسي على فراش فى حجرة مستشفى، ولا أستطيع تحريك أطرافي..

الكلمات تنهمر داخل عقلى بلا هوادة..

صوت والد نادر يأتى من بعيد وهو يبرر شيئا ما ..

" لقد طلب الحضور إلى البيت ، ولم نستطع منعه ، كل ما استطعنا فعله هو أن نرحب به ، ونقدم له الطعام الذى يحبه والذى كان يتناوله مع نادر رحمه الله.حتى صور نادر أخفيناها عنه عدا صورة معلقة تذكرناها فقط فى اللحظة الأخيرة و عكسناها فى سرعة قبل دخوله..عندما طلب مننا دخول حجرة نادر لم نستطع منعه ..جلس بها وحيدا ثم خرج لنا هكذا ..يبدو أن الحجرة جعلته يتذكر نادر طفلا مرة أخرى ..

صوت غريب يرد عليه - يبدو أنه الطبيب-

- أنت تعلم حالته جيدا ، منذ أن توفى نادر صديقه الوحيد فى تلك الحادثة أمام عينيه وهو لا يصدق مصرعه ، تمر عليه أيام وشهور وهو فى حالة طبيعية ثم يعود مرة أخرى ليتذكره ويتعايش معه وكأنه موجود معه .

قاطعه صوت أبي الحزين :

- أعوام كثيرة مرت وهو يتخيل صديقه يكبر معه ، ويحلم معه ، وعندما يعود لطبيعته يحزن ويعاتبه على غيابه الطويل .

صوت الطبيب مرة أخرى :

- لابد الآن من الهدوء والبعد تماما عن متعلقات تجعله يتذكر نادر بتلك الصورة القوية ، نحن بالكاد كنا وصلنا لمرحلة متقدمة ..

غادر الجميع الحجرة وأنا أنظر لهم بعيون شبه مغلقة ، ووعي غائب ..

الكل ينكر وجود صديقى نادر..

الكل يحاول تكذيبي..

للأسف ..لا أحد يصدقنى ..

•••••••••••

نغمة رسالة سمعها والد نادر فمد يده فى جيب معطفه وينظر إلى هاتفه ، ليرى صورة حديثة قد أرسلت له من رقم خفي..

تراجع فزعا والدموع تنهمر من عينيه ..

صورة حديثة لى عندما كنت فى حجرة نادر..

وبجانبى..صديقى الوحيد الذى يدّعون رحيله..

بجانبي نادر طفلا..