دخل سامي مبنى الإدارة التعليمية بخطوات واثقة، يظن أن استدعاءه لا يعدو كونه إجراءً روتينيًا، وربما توقيع شكر على نشاطه. جلس على المقعد المقابل لمدير القسم الذي كان يقلب ملفه كمن يستعد لإصدار حكم نهائي.
رفع المدير رأسه، وقال بنبرة رسمية مصطنعة:
ـ "أستاذ سامي، تأكدنا أنك زرت مدرسة النور الأسبوع الماضي، أليس كذلك؟"
ابتسم سامي بثقة قائلاً:
ـ "بلى، قمت بزيارة المتابعة وخرجت بانطباع طيب للغاية، حتى كتبت عن ذلك منشوراً على صفحتي."
أغلق المدير الملف ببطء، وأسند ظهره إلى الكرسي قائلاً بسخرية واضحة:
ـ "منشوراً؟! وهل تحوّلت مهام المتابعين إلى تحرير مقالات وتقارير أدبية؟"
أجابه سامي بدهشة بريئة:
ـ "كل ما في الأمر أنني أثنيت على نظافة المدرسة، وحُسن تعامل الإدارة، وانضباط الطلاب. الحقيقة وجب ذكرها."
ضحك المدير ضحكة قصيرة خالية من البهجة، ثم قال:
ـ "الحقيقة؟ يا أستاذ سامي، الحقيقة ليست للاستهلاك العلني دون إذن! نحن لا نوزّع شهادات تقدير على الملأ هكذا. ماذا تظن نفسك؟ مراجع جودة مستقل؟"
ارتبك سامي قليلاً، وحاول التبرير:
ـ "لكنني لم أُبالغ، كتبت فقط ما رأيته بعيني."
أومأ المدير برأسه قائلاً بنبرة هادئة لكنها مشحونة بالتهديد:
ـ "وهذا هو الخطأ بعينه، الرؤية الشخصية لا تصلح للنشر إلا بعد موافقة الجهات المختصة. في هذه الإدارة، المدح يحتاج موافقة، والذم يحتاج تحقيق، والصمت هو الخيار الآمن."
ثم دفع نحوه ورقة تحذير قائلاً:
ـ "هذا تحذير أول وأخير، وإن تكررت الواقعة، سنضطر لإلحاقك بدورة تأهيلية تحت عنوان: كيف تحتفظ برأيك لنفسك."
وقف سامي وأمسك الورقة، وتمتم وهو يغادر المكتب:
ـ "يبدو أن الصدق أصبح تهمة، ويستحق عقوبة."