لم يستطع النوم تماما..
كانت ليلته الأولى فى تلك الشقة الفاخرة ،والتى بحث عن مواصفاتها كثيرا حتى عثر عليها .
استطاع من خلال صديقه (سامح) أن يصل إلى مبتغاه، والغريب فى الأمر أن المال الذى طلب منه مقابل الشقة أقل بكثير من ما تحتويه من مميزات ومواصفات ..
فهى فاخرة ،واسعة،وفى موقع متميز ،وقريب من عمله. .
لكنها تلك الإشاعة التى أحاطت بالعمارة كلها وجعلت منها مكانا منفرا للباحثين عن مسكن ..
كان قد سمع قبل أن يشترى الشقة أن العمارة كلها مسكونة ،وأن الأشباح تحيط بها..
ولكنه كان رجلا عمليا ،يدرك قيمة المكان ،وينتهز الفرص ..
لم يصدق ما قيل له ،واغتنم الفرصة ،ونال مسعاه..
ورغم ذلك ،لم يستطع النوم ..
كان جزءا منه يفكر فى ما قيل له ..
هل فعلا أن شقته مسكونة ..؟!
هل سيحدث شيئا ؟!
أشعل سيجارته ،وأعد فنجانا من القهوة ،حتى يستطيع أن يواصل ليلته بدون نوم ..
كان يريد أن يحسم الجدل تماما..
انتهت سيجارته وارتشف آخر رشفة من قهوته،ثم غادر شقته وهو يقرر أن يدور حول العمارة لعله يصل إلى شىء يحسم صراعه..
وصل إلى باب العمارة ،فرأى بوابها يجلس فى هدوء يرتشف كوبا من الشاي الثقيل ،فاتجه إليه وبدأ كلامه:
-السلام عليكم
نظر إليه البواب ثم قام من جلسته مرحبا:
-وعليكم السلام ..حضرتك الساكن الجديد ..أهلا بيك فى العمارة يا بيه..اتفضل ..اعملك شوية شاي
جلس بجانبه على الدكة الخشبية ،وبالفعل تناول منه كوبا من الشاي قد فرغه له من براد قديم مازال يصدر قرقعته من فورة المياه..
ناول البواب سيجارة فاعتذر معللا بأنه يشرب المعسل فقط..
- مش عارف تنام ليه يا بيه ..ده احنا داخلين على الفجر.
- هو انت اسمك إيه؟
- أبو محمود
- قولى يا أبو محمود ..هى فعلا العمارة دى مسكونة
ضحك أبو محمود كثيرا وأخذ يسعل ،ويبصق، ثم قال فى صوت يشوبه شىء من السخرية :
-مسكونة ..اه مسكونة ..مش حضرتك فيها ..وفيه كمان الأستاذ عوض ..والحاج ..
- أنا مش قصدى كده وأنت عارف
صمت أبو محمود قليلا ثم قال فى جدية:
- اطلع نام يا بيه ..ما عفريت إلا بنى آدم..
أنت مش عارف ان فيه جن حوالينا ..وموجودين فى كل مكان واحنا مش شايفينهم ..طب ليه مش خايفين..أنت لما بتدخل حمامك مش بتستعيذ بالله ..معنى كده أن أنت عارف أن فيه حاجة ..طب مش بتخاف ليه ..فيه حاجات لو فكرت فيها شوية حتلاقيك بتعيش بس بستر ربنا مش علشان انك حريص ولا حاجة..
فكر فى كلامه قليلا ثم شكره على الشاى :
- تصبح على خير يا أبو محمود ..وربنا يستر
وفعلا ..
اتجه إلى شقته ،ونام بها نوما عميقا ..لم يستيقظ منه إلا عندما سمع جرس الباب ..
كان مالك العمارة ،الذى ابتسم وهو يقول:
- شكلك كده نمت نوم عميق ..معنى كده أنك اتأكدت ان الكلام كله إشاعات على العمارة
هز رأسه ،وقال :
- فعلا ..انا نمت نوم عميق وانا مبصدقش الكلام ده
لحظة أحضرك باقى الفلوس اللى اتفقنا عليها ..
تهللت أسارير مالك العمارة وأردف :
- تمام ..مع ان مش جاى للفلوس ولا حاجة ..اه بقولك يا بيه ..معلش على أنك حتبقى تجيب الحاجات بنفسك اليومين دول لحد ما نجيب بواب للعمارة.
تسمر فى مكانه ،وهو يتساءل:
-بواب؟!!
-أيوه بواب ..معلش أصل البواب القديم أبو محمود ربنا يرحمه كان اتقتل من مدة على ايد شوية حرامية كانوا عاوزين يسرقوا المحل اللى جنبنا ..و..و..مالك يا أستاذ؟ !لونك ماله ..هو انت تعبان ولا حاجة ؟!
(تمت )