كاتب الأسبوع

✍️ كاتب الأسبوع

الكاتب المبدع أشرف الكرم 📖 حيثيات اختيار كاتب الأسبوع
🔄 يُحدّث كل جمعة وفق تقييم الأداء العام للمدونات

📚 خدمة النشر الورقي من مركز التدوين والتوثيق
حوّل أعمالك الرقمية إلى كتاب ورقي يحمل اسمك ورقم إيداع رسمي ✨
اكتشف التفاصيل الكاملة

آخر الموثقات

  •  الكرامة كل حاجه 
  • بساتين الذكرى
  • قالت عيناكَ
  • شام لاجئة استوطنت قلبي - الفصل الثامن عشر
  • ق ق.ج/ وميض إدراك 
  1. المنصة
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. تليفون المشرحة
⭐ 0 / 5

من سنتين بَس كنت بشتغل مندوبة مبيعات، حظي فيها كان سيء جدًا، عشان كِدَه اشتغلت وأنا عاصرة على نفسي ليمونة، وفي نفس الوقت كنت بدوَّر على شغلانة تانية، ولمَّا جَت لي فرصة تانية؛ برضه مكانتش أحسن حاجة، لأنَّها كانت عبارة عن موظفة استقبال في مشرحة، لكن قبلتها عشان مرتّبها كويّس وثابت، يعني لا تارجيت ولا خصومات ولا لَف كتير في الشوارع..

من وقتها وبقى شُغلي أستقبل الجثث، أكتب بياناتها وأحفظ الملفات بتاعتها، وأسجّل خروجها من المشرحة لمَّا تخرج، وكل ده كان في شيفت مسائي ومعايا واحدة زميلتي، لكن في الفترة دي بالذات زميلتي كانت واخدة مَرضي، ومكانش في الاستقبال غيري، والموظف الوحيد اللي موجود كان حارس الأمن، وده بيكون قاعد عند باب المبنى من برَّه.

في الليلة دي كنت قاعدة ورا الكاونتر الرخامي بتاع الاستقبال، وقدّام منّي ممر طويل في نهايته باب كبير، ومن ورايا ممر تاني فيه بيبان أوَض التشريح والتلاجات، ولأن مَفيش غيري في الشيفت، فالدنيا كانت ساكتة، كُنت بشِم ريحة الفورمالين اللي ماشية مع الهوا في الممرّات وأنا قاعدة بسلّي نفسي في تليفوني، لحد ما سمعت صوت الباب اللي في بداية الممر بيتفتح، رفعت عيني من على التليفون وبصّيت هناك، لمحت جوز مسعفين داخلين وبيزقُّوا قدامهم ترولّي، كان عليه جثة ومن فوقها ملاية بيضا، قُمت من مكاني وفضلت أبُص ناحيتهم، ولمَّا وصلوا عند كاونتر الاستقبال واحد منهم قال لي:

-دَه واحد مات في حادثة على الطريق ومفيش معاه أي إثبات، وهيدخل التلاجة لحد ما يتعرَّفوا على هويته، حتى العربيّة مالهاش نِمَر.

رميت عيني ناحية الجثة، بحلقت فيها ودي كانت أوّل مرَّة تحصل، بعدها قُلت للمُسعف اللي كان بيتكلّم معايا:

-حادثة إزاي؟ دَه مفيش نقطة دَم واحدة على الملاية اللي فوق الجثة!

بَص لي لثواني وكأنه بيحاول يترجم كلامي وبعدها قال لي:

-هو إحنا بنختار على مزاجنا يا أستاذة! الجثة قدَّامك أهي، صاحبها مات بسبب إن لمَّا عربيته اتقلبت الخبطة جَت في دماغه وحصل عنده نزيف داخلي، ودَه تقرير المستشفى. وهيفضل في المشرحة لحد ما يتعرَّفوا عليه.

أخدت التقرير وفتحت الدفتر اللي قدَّامي على صفحة جديدة، سجِّلت دخول الجثة، وفي خانة البيانات اللي بيتكتب فيها كل حاجة عن الجثة كتبت: مجهول الهوية، وبعد ما خلَّصت كتابة سألت المُسعف:

-لقيتوا معاه أي مُتعلّقات؟

المُسعف رد عليَّا وقال:

-مفيش معاه أي حاجة.

طلبت منهم يكشفوا وشُّه عشان أكتب تفاصيله، يعني لو عنده علامة مميّزة؛ وحمة مثلًا، لون شَعره، أي مواصفات ممكن من خلالها إنه يتعرِف منها مين الشخص دَه، ولمَّا المُسعفين رفعوا الملاية من على وشُّه؛ لقيته شخص طبيعي مافيهوش أي شيء مميّز، اضطرّيت أكتب الأوصاف بطريقة دَقيقة على قد ما أقدر، بعدها قُلت للمسعف:

-دقيقة واحدة أجيب لكم الـ "BODY BAG" عشان تحطّوا فيه الجثة.

دخلت أوضة بابها جنب الاستقبال، الأوضة دي عبارة عن مخزن صغيَّر، سحبت كيس حفظ جثمان من الأكياس اللي جوَّه، وسحبت كيس تاني صغيَّر وبعدها خرجت، وبعد ما أخدوا الأكياس قلت لهم:

-على ما تحطّوا الجثة في الكيس أكون خلَّصت باقي الإجراءات، وحطّوا هدوم الجثة في الكيس الصغيَّر ده.

أخدوا الجثة والأكياس ودخلوا الأوضة اللي فيها بيخلعوا هدوم الجثة وبيحطّوها في الكيس، وبعد وقت قصيَّر خرجوا وهُمَّا بيزقّوا الترولّي قدامهم والجثة نايمة فوقه جوَّه كيس أسود، ولمَّا قرّبوا من الكاونتر المُسعف قال لي:

-دَه الكيس اللي فيه الهدوم.

أخدت الكيس وناولته كارت صغيَّر عليه بيانات الجثة اللي قدرت أسجّلها، كان مكتوب عليه تاريخ الدخول وشويّة بيانات من التقرير الطبّي، ومع الكارت حطّيت صورة من التقرير، كل ده اتحط في كيس شفّاف مقفول واتدبّس في كيس الجُثة من ناحية رجليها.

المُسعفين أخدوا الجثة وراحوا بيها ناحية المَمر، دخلوا باب التلاجة اللي رقمها متسجّل في الكارت، وبعد شويَّة خرجوا بالترولّي فاضي، في الوقت دَه كنت حطّيت كيس الهدوم بتاع الجثة في المكان اللي بنحتفظ فيه بمُتعلّقات الجُثث، ولمَّا بلَّغوني إن كل حاجة تمام أخدوا بعضهم ومشيوا.

رجعت من تاني أسلّي وقتي في التليفون، الساعة كانت داخلة على اتنين بالليل، الصمت كان أتقل من أي وقت فات، ومع الوقت ريحة الفورمالين بدأت تزيد في الهوا، والصمت بدأ ينكسر، مش بسبب صوت باب المَمر اللي اتفتح زي المرَّة اللي فاتت؛ ولا حتى صوت عَجَل ترولّي حد بيزقّه في المَمر وعامل دوشة، بالعكس، الصمت انكسر بصوت همسات مالهاش تفسير، معرفش إن كانت خارجة من الحيطان، ولا من رخام الكاونتر اللي أنا قاعدة وراه، ولا إن كان في أشخاص مش قادرة أشوفهم واقفين قُريّب منّي وبيتكلّموا، لكن كنت سامعة صوت الهَمسات فعلًا، عشان كِدَه حطيت التليفون من إيدي ووقفت أبُص حوالين منّي، لقيت إن الممرّات فاضية والبيبان كلّها مقفولة، لكن الهمسات كانت لسَّه موجودة، زي ما يكون المبنى نفسه اتحوّل من جماد لكيان الروح دبَّت فيه فجأة..

صوت الهمس اتقطع لمَّا سمعت رنّة التليفون الأرضي، اتنفضت وأنا واقفة وحسّيت إني اترفعت من فوق الأرض ونزلت تاني بسبب الخوف، ودَه لأن الصمت كان سايب فرصة لصوت التليفون عشان ينتشر في المكان بدون ما يكون في صوت تاني يكسره.

أخدت نفس عميق وحاولت أسيطر على رعشة إيدي اللي كانت بتتنفض، كانت تقيلة وأنا بمدّها ناحية السمّاعة، وتقيلة أكتر وأنا بسحب السمّاعة من مكانها وبحطّها على ودني، بعدها نطقت بلسان ناشف من الخوف وقُلت:

-آلو.

سمعت أنفاس بطيئة في الناحية التانية من المكالمة، كان تأثيرها عليّا إن أنفاسي هيَّ كمان بدأت تتقل، وضربات قلبي بدأت تزيد، في الوقت دَه كرَّرت كلامي وقُلت:

-آلو.. مين معايا؟

الأنفاس البطيئة اتحوّلت لصوت وَشّ، زي ما يكون اللي اتصل بعد ما المكالمة اتفتحت حَط السمّاعة قدام راديو قديم مش قادر يلقُط محطَّة، وفي نَفس الوقت الوَشّ كان مليان أصوات هادية ومختلفة، كأن أكتر من شخص بيتكلّموا في نَفس واحد، ساعتها اتكلّمت وقُلت:

-مين بيتكلّم؟

قُلتها بصوت عالي وانتظرت حد يرُد عليّا، في الوقت دَه الوَشّ بدأ يزيد، حطيت السمّاعة فجأة وقفلت الخَط، وبرغم إن المكالمة اتقفلت لكن الوَشّ والهمس كانوا لسَّه شغَّالين في دماغي، عشان كِدَه فضلت أفكَّر في المكالمة، قُلت جايز يكون طفل بيلعب في تليفون بيتهم وطلب الرقم بالغلط، بعدها ساب السمَّاعة جنب راديو أو تلفزيون مُش واصله إرسال، أي كلام وخلاص عشان أطمِّن نفسي.

الوقت فات وأنا واقفة مبحلقة في التليفون، تقريبًا فات عشر دقايق، وقتها التليفون رن من تاني، معرفش ليه حسِّيت بلهفة وأنا بمِد إيدي ناحية السمَّاعة، رفعتها وحطيتها على ودني، سمعت الأنفاس والوَشّ من تاني، وفي المرَّة دي ما اتكلِّمتش ولا حتى سألت مين اللي بيتصل، في الوقت دَه سمعت صوت ضعيف ظَهر من وسط الوَشّ وقال لي:

-إيه اللي جابِك هِنا يا يُمنى؟

مقدرتش أتحمِّل الصوت، رجَّعت السمَّاعة مكانها واتحوّلت لتمثال فاقد الحركة، في الوقت دَه لمحت في المَمر اللي قدَّامي شيء ضبابي، لمَّا ركّزت فيه لقيته ظِل أسود، مَعرفش ظهر منين ولا إمتى، كان بيتحرَّك ببطء شديد وجاي ناحيتي، ولمَّا قرَّب شويّة، اكتشفت إنه "BODY BAG" من اللي بتتحفظ فيه الجثث.

مجرّد اكتشافي لحقيقة الظِّل خلَّتني أترعب، يعني إيه كيس جُثث بيتمشَّى في المَمر قدَّامي، وأكيد من شكله إن جوَّاه جثّة، ولحد هِنا وقفت تفكير؛ لأن اتضح لي إن كل ما تعمَّقت في التفكير أكتر كل ما الأحداث الغامضة دي بتزيد، وبالتالي الخوف جوَّايا بيكبر.

فضلت واقفة متنَّحة وقلت في نفسي: تهيؤات، بدليل إنها بتحصل معايا لأوّل مرَّة برغم إني بشتغل في مشرحة.

سمعت رنّة التليفون من تاني، ولمَّا بصّيت على السمَّاعة ورجعت بصّيت للمَمر تاني مالقتش كيس الجُثث، بلعت ريقي ومسكت السمّاعة رفعتها على ودني، لأن كان واضح إن اللي بيتصل مصمِّم إني أرُد، ساعتها سمعت نفس الوَشّ، لكن وأنا بسمعه كيس الجثث ظهر من تاني، لكنه كان واقف في منطقة أقرب من اللي كان ظاهر فيها، ساعتها الكيس مال من فوق على الناحية الشمال، وكأن راس الجثة اللي فيه بتميل عشان تبحلق فيا وقادرة تشوفني من جوَّه الكيس، وبمجرَّد ما عملت كده سمعت صوت في السماعة بيقول لي:

_أنا عارف ليه سيبتي شغل المبيعات يا يُمنى، وعارف كمان بالتلاعب اللي عملتيه في الكشوفات عشان تغطّي على العجز اللي حصل معاكي في الفلوس، أنتِ مش ملاك يا يُمنى.

اتخشِّبت في مكاني من الصدمة، مفيش حد يعرف السِّر ده غيري، حتى الناس في الشركة اللي كنت بشتغل فيها مقدرتش تكتشف اللي أنا عملته، ودلوقت صوت غامض بيكلّمني وبيقول لي سِر ماكنتش أتوقع إن حد يعرفه، وفي نفس الوقت؛ كنت متابعة راس الجثة اللي في الكيس وهي بترجع لوضعها الطبيعي بعد ما الصوت خلَّص كلامه، وكأن الجثة نفسها هي اللي بتتواصل معايا من خلال تليفون المشرحة!

في اللحظة دي لساني اتلجلج وأنا بقول:

_أنت مين وعايز إيه؟

صوت الوَشّ والهمسات اختفوا، الهدوء اللي في الاستقبال من حواليّا اتنقل فجأة جوَّه السمّاعة، حتى كيس الجثة نفسه بدأ يبهت ويتحوّل لخيال شفّاف قدرت أشوف المَمر من وراه، وده طبعًا قبل ما يختفى تمامًا ويبقى هوَّ والعدم واحد.

بعد اللي حصل، تفكيري بدأ يروح ناحية تلاجات الجثث، ولولا إني واثقة إن مفيش جثة بتتحرَّك كنت قُلت إني في جثة خرجت من تلّاجتها وبدأت تطاردني، لكن إيه السبب واشمعنى الليلة دي بالذات؟!

قبل ما أتحرَّك من مكاني أو أعمل أي حاجة، دوَّرت في التليفون عن آخر رقم اتصل، كان رقم غير معروف، ولمَّا حاولت أتصل بيه المكالمة مجمَّعِتش، ساعتها عرفت إن الحكاية بتقفل البيبان في وشّي وبتسيب باب واحد أدخل في تفاصيلها عن طريقه، والباب دَه كان باب التلاجات.

اتحرَّكت من مكاني بخطوات تقيلة، أخدت بعضي ودخلت المَمر اللي فيه أوَض التشريح والتلاجات، وقدام باب تلاجة وقفت متردِّدة، فكَّرت كتير قبل ما أمِد إيدي على الأوكرة وأفتح الباب نُص فتحة، بعدها دخّلت راسي وبصّيت بحذر جوَّه التلاجة، وبعد ما لفّيت بعيني فيها شويّة، عيني وقفت على درج مفتوح!

معرفش إزاي رجلي أخدتني جوَّه، كنت عايزة أعرف إزاي في باب مفتوح، واللي كان في بالي وقتها إن المُسعفين لمَّا دخلوا بالجثة نسيوا الباب مفتوح وهُمّا خارجين.

فجأة لقيتني بصحَّح معلوماتي لنفسي، افتكرت إن المُسعفين مدخلوش التلاجة دي، دول دخلوا تلاجة تانية زي ما كتبت لهم في كارت البيانات اللي مع الجثة، لأن التلاجة دي مافيهاش مكان فاضي، والدرج المفتوح ده مكانش له غير معنى واحد: في جثة اتحرَّكت من مكانها، وغالبًا هيَّ اللي ظهرت لي في الممر مع مكالمة التليفون.

بس إزاي ده بيحصل أصلًا؟

لمَّا سألت نفسي السؤال دَه سمعت نفس صوت الأنفاس ورايا، لفّيت رقبتي بالعافية وبصِّيت، ساعتها لقيت كيس الجثث بالجثة اللي جوَّاه، كان موجود ورايا ومش بيتحرَّك كأنه جماد، برغم إني لمحت الكيس من عند صدر الجثة بيتحرَّك، بس راجعت نفسي بسرعة وقُلت: مَفيش جثة بتتنفّس، برغم إني بعد اللي بيحصل بدأت أقتنع إن في جثّة من الجثث بتتحرّك مش بتتنفّس بس!

وفعلًا زي ما بدأت أقتنع، الجثة بدأت تقرَّب منّي، رد الفعل الوحيد اللي كان مُتاح قدّامي إني أرجع ببطء لورا، ومع كل خطوة كنت بدخل أكتر جوَّه التلاجة، وفضلت على الحال ده لحد ما ضهري خبط في باب الدرج المفتوح، ومن الفزع اللي كنت فيه؛ لقيتني بَقَع على ضهري جوَّاه.

معرفش إزاي اتسحبت جوَّه الدرج واتقفل عليّا، الضلمة كانت شديدة وكأنّي جوَّه قبر، حاولت أقوم لكن المكان كان أضيق من إني أتحرَّك، فضلت أعافر وأخبط بإيدي ورجلي في جوانب الدرج، لكن الوقت فات بدون ما حد يحاول ينقذني، وافتكرت إني لوحدي في الشيفت ومفيش حد معايا يلاحظ إني مختفيّة.

بعد وقت طويل حسّيت إن جسمي بيتجمِّد من السقعة، حواسي بدأت تفقد وظايفها بالتدريج، وآخر حاجة اتعطّلت فيّا كانت عيني، وده لمَّا غمَّضت غصب عنّي والمكان من حواليّا بقى ضلمة أكتر من الأول.

فَتحت عيني على رنّة التليفون، توقَّعت أشوف المكان من حواليّا ضلمة، لكن اتفاجئت إن الإضاءة ضعيفة، حرَّكت راسي يمين وشمال وبصّيت حواليّا، فهمت وقتها إني نايمة في أرضيّة التلاجة، حاولت على قد ما أقدر أبُص على الدُرج اللي المفروض إني كُنت جوَّاه، ساعتها لقيته مقفول، اندهاشي خلَّاني أقوم غصب عنّي من الأرض، مشيت ناحية الدُرج وأنا بسأل نفسي من تاني: راحت فين الجُثّة اللي جوّاه؟ وإزاي دخلت الدُرج وخرجت منُّه؟!

لمَّا قرَّبت من الدُرج مسكت الباب بتاعه وفتحته، ساعتها لقيت الجثة جوَّاه، مكانش عندي تفسير إزاي كل ده حصل وفجأة كل حاجة رجعت لطبيعتها، عشان كِدَه قفلت الدرج وقرَّرت أخرج، وعلى باب التلاجة؛ التليفون رن من تاني، الرَّنة المرَّة دي كانت أعلى، وكأن اللي بيتصل بيّا بيعنّفني عشان تجاهلت الرَّد عليه، خرجت وقفلت الباب ورايا، الإضاءة في المَمر كانت أضعف بكتير، الضوء كان خارج من لمبات وكأنّه تعابين بتزحف على السقف والحيطان، جرّيت رجليّا على قد ما أقدر عشان أوصل كاونتر الاستقبال، معرفش ليّه كنت عاوزة ألحق أرُد على المكالمة، ولمَّا وقفت قدام التليفون، مدّيت إيدي ولحقت الرَّنة قبل ما تخلص بلحظات بسيطة، ولمَّا رفعت السمَّاعة على ودني سمعت الوَشّ من تاني، وكالعادة ظَهر الصوت من تاني وهوَّ بيقول لي:

-الخاتم الدَّهب بتاعك ماوقعش في الشارع يا يُمنى زي ما أنتِ فاكرة، دَه موجود في جيب ضلمة، والجيب دَه حوالين منُّه ضلمة تانية أكبر.

رجعت بالذاكرة لخمس سنين فاتوا، لمَّا الخاتم بتاعي اختفى وكلّنا قُلنا إنه وقع منّي، وفقدنا الأمل إننا نلاقيه، من بعدها ونسيت الحكاية دي، ومعرفش إزاي الصوت اللي في التليفون دَه عرف أسراري والحكايات القديمة اللي تخُصّني!

حطيت السماعة لمَّا المكالمة انتهت، وقتها اللي كان بيحصل في المَمر شَد انتباهي، لأني شُفت ظِلال لونها أسود بتتحرّك، ومفيش ثواني والظِلال بدأت تظهر بشكل أوضَح، وساعتها ما شُفتش كيس جُثّة واحد، دول كانوا مجموعة أكياس جُثث بيتحرّكوا في وقت واحد وبنفس الإيقاع البطيء، وبرغم كِدَه حسّيت إن كل كيس فيهم كان ماشي في ملكوت لوحده وكأنّه تايه وبيدوّر على حاجة! وزي مايكون في حاجة حصلت في المشرحة خلَّت الجثث كلّها تقوم من الموت!

غصب عنّي تجاهلت أكياس الجُثث وبصّيت في المَمر اللي ورايا، لأنّي سمعت صوت باب بيتفتح، ولمَّا بصّيت؛ لقيته باب التلاجة اللي دخلتها وحصلت معايا الأحداث الغريبة فيها، ساعتها لقيته مفتوح وخارج منُّه ترولّي بيزُقُّه جوز المُسعفين اللي كانوا موجودين من شويّة، حاولت أفتكر وصلوا إمتى وإزاي دخلوا التلاجة بدون ما ياخدوا تصريح، لكن مَفتكرش إني عملت أي حاجة من دي، وبرغم كِدَه وجودهم كان أمر واقع، ومكانش قدّامي غير إني أنتظر لمّا يوصلوا عندي عشان أستفسر منهم، لكن لمَّا وصلوا اتلجِّمت ومعرفتش أتكلّم، لأنهم تجاهلوا وجودي وفاتوا من قدّامي وكأنّي كائن شفّاف محدّش بيشوفه، والأغرب من كِدَه، إن الجُثّة اللي فوق الترولّي كانت جُثّتي أنا، ولمَّا الترولّي وصل قدّامي بالظبط، راس جثتي مالت ناحيتي وفتحت عينيها وابتسمت لي، وفضلت تبُص لي وهيَّ بتبتسم وأنا أبُص لها في ذهول، لحد ما وصلوا عند أكياس الجُثث اللي كانت لسَّه بتتحرّك في المَمَر بدون هدف، ولمَّا الجثة قرَّبت منهم حسّيت إنهم لقوا الهدف بتاعهم، لأنهم غيَّروا اتجاههم ومشيوا ورا الترولّي والمُسعفين، لحد ما خرجوا وراهم من باب المَمر!

كنت بسأل نفسي: فين حارس الأمن من كل ده؟ ومانزّلتش عيني من على الباب غير على صوت التليفون، بصّيت له وأنا بفكّر في محتوى المكالمة الجاية، ولأنّي مَقدرتش أخمّن إيه السِّر الجديد اللي ممكن يكون وصل لُه؛ رفعت السمّاعة وأنا عندي فضول أعرف، ساعتها سمعت الصوت وهو ظاهر من بين الوَشّ وبيقول:

-آخر مرَّة هتقرّبي من التليفون يا يُمنى لأنّي هَمشي، لكن قبل ما أمشي عاوز أسألك سؤال: ليه كذبتي على خطيبك لمَّا سألك عن الجرح اللي في كتفك وقُلتي إنك وقعتي على سلّم البيت؟

كان أكتر سِر صادم سمعته من وقت ما بدأت الأحداث الغريبة دي، الكلام ده حصل بيني وبين خطيبي ومكانش في حد سامعنا، وفعلًا كذبت عليه وقُلت له إني وقعت على سلّم البيت، لأن اللي حصل في الواقع إني وقعت وأنا رايحة مشوار كان رافض إني أروحه وساعتها خرجت من وراه، واضطرّيت إني أكذب عليه عشان أمنع المشكلة اللي هتحصل.

حطّيت سمّاعة التليفون في مكانها، حسّيت بهدوء رهيب وكأن كل حاجة رجعت لطبيعتها، بعدها بصّيت ورايا لمَّا سمعت نفس صوت الوَشّ اللي بسمعه في السمّاعة، ساعتها شُفت كيس الجُثّة واقف ورايا، ماكنتش محتاجة وقت عشان أعرف إن دَه كيس الجثّة اللي لسَّه واصلة مع المُسعفين، خصوصًا لمَّا بصّيت عند رجليها من تَحت وشُفت الكارت اللي عليه تاريخ النهار ده، ولأن كل حاجة اختفت تقريبًا إلا كيس الجُثة دي وصوت الوَشّ، ففهمت إن كل اللي بيحصل دَه بسببها، وكنت واثقة من المعلومة دي لأن مَفيش حاجة من دي حصلت معايا قبل كِدَه من وقت ما اشتغلت في المشرحة، ولا حصل في مرّة إن تليفون المشرحة رَن وسمعت فيه سِر من أسراري.

بصّيت ناحية باب المَمر الكبير لمَّا سمعت دوشة، ساعتها شُفت الباب بيتفتح، دخلت واحدة سِت في حالة انهيار ووراها جوز أمناء شرطة، كانت بتجري ناحيتي بلهفة، ولمَّا وقفت قدّام الكاونتر قالت لي:

-في جثة وصلت عندكم النهارده؟

بصّيت ورايا على كيس الجثّة لقيته اختفى؛ فرجعت من تاني بصّيت للست وقُلت لها:

-فعلًا في جثّة وصلت.

بعد ما عاينت الجثّة اتعرَّفت عليها، واتضح لي إنه جوزها، وطالما الجثة اتعرف صاحبها ومابقتش مجهولة الهويّة لازم تخرج من المشرحة، عشان كِدَه وقَّعتها على الأوراق اللازمة اللي بتثبت إنها اتعرَّفت على الجثّة، عشان تستلم الورقة وتخلّص بيها باقي الإجراءات وتاخد الجثة ومتعلقاتها، لكن وأنا باخد بياناتها أخدت معلومة زيادة مالهاش علاقة بالإجراءات، والمعلومة دي كانت رقم تليفونها، وبسبب الحالة اللي كانت فيها مركّزتش معايا وكتبت الرقم.

لمَّا الجثة ومتعلقاتها خرجوا من المشرحة أنفاسي بدأت ترجع لطبيعتها، التُقل اللي كان كاتم على صدري اختفى، وقناعتي زادت إن دخول الجثة دي بالذات ورا القَلبان اللي حصل، خصوصًا لمَّا رجعت البيت وبدأت أدوَّر على الخاتم، سحبت كل شنط الهدوم اللي تحت سريري، دوَّرت في جيوب الهدوم؛ لحد ما لقيت الخاتم في جيب جاكيت قديم، ساعتها فسَّرت الضلمة اللي حوالين الخاتم زي ما الجثة قالت إنها ضلمة المكان اللي مقفول عليه، وبقى عندي يقين إن في سِر ورا الجثّة خلَّى روحها تعرف كل الأسرار دي وتعمل كل اللي عملته، واتأكّدت من دَه لمَّا اليومين اللي كملت فيهم شغل لوحدي محصلش فيهم أي حاجة من اللي حصلت، ولا حتّى تليفون المشرحة رَن إلّا مرّات قليلة جدًا وكان كلّهم في الشُغل.

بعد أيام من اللي حصل، طلبت رقم الست وكأنّي برن على واحدة صحبتي مكلّمتهاش من فترة طويلة، ولمَّا صحَّحِت لي معلومتي اللي ماكنتش في احتياج إنها تصحَّحها، قدرت ألاقي طريقة وضربت معاها صحوبيّة، ومع الوقت عرفت منها حكاية جوزها، أو حكاية الجثّة بمعنى أصح، وعرفت منها إن جوزها كان بيشتغل موظف خدمة عملاء في شركة، شُغله كله على التليفون، يستقبل شكاوي ويحل مشاكل، والدنيا بينهم كانت طبيعيّة، لحد ما بدأت تلاحظ إنه اتغيَّر وتصرّفاته بقت غريبة، ولمَّا فتّشت وراه اكتشفت إنه بيقرأ في كُتب سِحر، من وقتها وهوَّ بقى غريب وبيعمل حاجات مش مفهومة، وجايز ده يفسّر إنه كان شايل نِمَر عربيته مثلًا وماشي بيها، لدرجة إنه كان بيغيب عن البيت والشغل بالأيام ومكانتش بتعرف هوَّ فين، لكنه في المرَّة دي غاب أكتر من الفترة اللي متعوّدة إنه يغيبها، عشان كِدَه سألت ودوَّرِت لحد ما وصلت عندي.

من بعد المكالمة اللي فهمت فيها كل حاجة عرفت ليه جثّته كانت سبب في كل اللي حصل، أكيد كُتب السِّحر اللي كان بيقرأها خلَّت روحه تعمل كل ده، لدرجة إنها بطريقة ما قدرت توصل لأسراري، وفهمت كمان ليه روحه اختارت إنها تتواصل معايا عن طريق تليفون المشرحة، جايز عشان صاحبها وهوَّ عايش أغلب تواصله مع النّاس كان عن طريق التليفون بحكم وظيفته.

تمت...

أحدث الموثقات تأليفا
 الكرامة كل حاجه 

بساتين الذكرى

قالت عيناكَ

اطمن ..

خذ الروح منى 

سذاجة العصفور

الدنيا دوّارة… حقيقة لا مجاز

قاسيتي .. 

لسانُ الضاد

لماذا نعيش ؟
أكثر الموثقات قراءة
إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة غازي جابر
2↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
3↓الكاتبمدونة حسين درمشاكي
4↓الكاتبمدونة ايمن موسي
5↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
6↑1الكاتبمدونة اشرف الكرم
7↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
8↓الكاتبمدونة هند حمدي
9↑4الكاتبمدونة نجلاء البحيري
10↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑20الكاتبمدونة اسراء كمال180
2↑14الكاتبمدونة هبه الزيني145
3↑14الكاتبمدونة محمد بن زيد171
4↑11الكاتبمدونة عبد الحميد ابراهيم 109
5↑8الكاتبمدونة جهاد غازي137
6↑8الكاتبمدونة جاد كريم182
7↑8الكاتبمدونة جهاد عبد الحميد235
8↑6الكاتبمدونة ايمان صلاح55
9↑6الكاتبمدونة محمد التجاني134
10↑5الكاتبمدونة محمد خوجة39
11↑5الكاتبمدونة عبير عبد الرحيم (ماعت)59
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1128
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب710
4الكاتبمدونة ياسر سلمي681
5الكاتبمدونة اشرف الكرم630
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري515
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني440
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين434
10الكاتبمدونة شادي الربابعة415

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب371950
2الكاتبمدونة نهلة حمودة229792
3الكاتبمدونة ياسر سلمي207535
4الكاتبمدونة زينب حمدي180714
5الكاتبمدونة اشرف الكرم151116
6الكاتبمدونة مني امين121601
7الكاتبمدونة سمير حماد 121035
8الكاتبمدونة حنان صلاح الدين113756
9الكاتبمدونة فيروز القطلبي112149
10الكاتبمدونة آيه الغمري108454

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة ليلى سرحان2025-12-12
2الكاتبمدونة اسماء خوجة2025-11-08
3الكاتبمدونة مريم الدالي2025-11-05
4الكاتبمدونة محمد خوجة2025-11-04
5الكاتبمدونة جيهان عوض 2025-11-04
6الكاتبمدونة محمد مصطفى2025-11-04
7الكاتبمدونة حسين العلي2025-11-03
8الكاتبمدونة داليا نور2025-11-03
9الكاتبمدونة اسراء كمال2025-11-03
10الكاتبمدونة علاء سرحان2025-11-02

المتواجدون حالياً

404 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع