الشيء اللي عمري ما كُنت أتخيَّله، إنّي أفتَّح عيني في يوم على حاجة غريبة زي دي، إنّي أقَف قُدّام الحوض الصُّبح، عَشان أغسِل وشّي زي كل يوم، وأتفاجئ وأنا بَرفَع وِشّي للمِراية إنّي شايف واحِد تاني!
أوّل حاجة خَطرت في بالي، إنّ ده مُجرَّد تشويش في الرؤية مِن المايّه اللي على وشّي، أو يِمكن هلاوس النوم اللي تقريبًا لسّه مَفوقتِش منّه، لكن بَعد ما خلَّصت ونَشِّفت وِشّي وبصّيت في المِراية من تاني، لقيتني بَرضو لسّه شايف واحِد غيري!
عَدم استيعابي للي بيحصل؛ خلَّاني خايِف أخرُج من البيت، يِمكن لو حَد عايش معايا كُنت عرِفت منّه اللي شايفُه دَه حقيقي ولا لأ، لَكن من فترة طويلة وأنا عايش بطولي، بَعد ما أمّي ماتِت، وبقيت زي ما بيقولوا مَقطوع من شَجرة.
في النهاية قرَّرت أقاوم خوفي، واخلّي الحيرة اللي حاسِس بها على جَنب، غَيَّرت هدومي عَشان أنزِل، ماهو أنا عندي دُكَّانة بصنَّع فيها مشغولات نحاسيّة، أبويا كان من الناس المعروفة بالحِرفة دي هنا في الجمّالية، وأنا وارثها منّه، مُش عاوز أقول إنّها أحسن حاجة بتمنّاها، لكن مَبعرفش أشتغل غيرها، دا غير زبونها اللي مَبقاش زي زَمان، أصل الدُّنيا اتغيّرت، على أيّام أبويا الزباين كانت مِتريّشة، دلوقت النّاس يادوب قادرة تعيش، يعني مُش هتلاقي ناس كتيرة عندها شَغف إنّها تشتري تُحفة نحاس، قد ماهي بتدوّر ازّاي تعدّي يومها في الزَّمن دَه، لكن دَه ميمنعش إن اللي بييجي من الدُّكّانة مكفّيني، والحمد لله.
حاوِلت على قَد ما أقدَر إنّي أتجاهل اللي شوفته، واحِد زي حالاتي عايش وحيد وارِد جدًّا إن الوِحدة تأثّر عليه، خرَجت من البيت، وكلّها كام خطوة وكُنت قدّام الدُّكّانة، وزي ما متعوّد أعمل قَبل ما أفتَح باب الدّكّانة، كُنت بتمّم على تُحَف النَّحاس القديمة اللي متعلّقة حوالين الباب من برَّه، وقبل ما أمِد إيدي ناحية قِفل الباب، سمعت الصوت اللي يوميًّا الصُّبح بسمَعه وهو بيقولّي:
-نهارَك فُل يا "فودَة" يابني.
رَدّيت من غير ما التِفِت، وقولت:
-صَباح الخير يا حاج "نبوي".
الحاج "نبوي" من ريحة أبويا الله يرحَمه، راجِل كبير في السِّن، وهو صاحِب دُكّانة العِطارة اللي في وِش دُكّانتي، لمّا بتكون حَركة الزباين خفيفة بنقعد نتسلّى في الكلام، وأنا بحِب أتكلّم معاه عشان دايمًا بيفكّرني بأبويا.
فَتَحت الباب، وبدأت أرُص النَّحاس برَّه الدُّكّانة، ولمّا خلَّصت قعدت أنتظر أي زبون يدخل، لكن كان واضِح من أوّل النهار كِدَه إنّه يوم الحَركة فيه خفيفة، لكن لقيت الحاج "نبوي" داخل عليّا الدُّكّانة، ومعاه سندوتشات عشان نِفطر، بالمناسبة دي عادة عنده، هو بيجيب يوم وأنا يوم، العملية في بيتها يعني، قعدنا نِفطَر، لكن كان بيبُص ناحيتي وهو مِستغرب، كأنّه بيشوفني لأوّل مرَّة، افتَكرت الصُبح لمّا وقَفت قدّام المِراية إنّي كُنت شايف واحِد تاني، لكن ملامحه مكَنِتش باينة هو مين، دا غير إنّي متأكّد إنّها ملامح بشوفها لأوّل مرّة، سَرحت في اللي حَصل، لدرجة إنّي نسيت إن السندوتش في إيدي، عشان كِدَه لقيته بيقولّي:
-مالك يا "فودَة" يابني؟ في حاجة شغلاك؟
-لا أبدًا يا حاج، بَس يمكِن أكون مُرهَق شويّة.
-هو أبوك كان حَكالك أي حاجة عن الدُّكّانة؟
السؤال لَفت انتباهي، حطّيت من إيدي السندوتش وقولتله:
-حاجة زي إيه؟
-مقصدتش حاجة معيّنة، بَس الدُّكّانة لها حكاية، أصل كُنت مع أبوك الله يرحمه وهو بيشتريها زمان.
-أنا أبويا مجابش سيرة حاجة زي دي، إيه بقى الحِكاية؟
-الدُّكّانة دي ياسيدي كانت مِلك واحِد مُش من مصر، ولا حد كان عارف أصلُه ولا فَصلُه، لا كان بيتكلّم مع حد ولا بيقرَّب من حد، لكن من لون بشرته وملامحه كان الكل بيقول عنّه إنّه من السودان، إنما هو مكَنش بيتكلّم عن نفسه خالص، وبرغم كِدَه إيده كانت تتلف في حرير وهو بيحفُر في النّحاس، الناس كانت تسيب الدَّكاكين كلّها وتروح تشتري منّه، الكلام دَه من وإحنا شَباب، وقتها أبوك كان بيتعلّم حفر النَّحاس على إيد وحد اسمه الحاج "رضا"، الله يرحمه بقى، لِحد ما شِرب الصَّنعة، وفجأة لقينا صاحِب الدُّكانة دي بيبيعها فجأة، أبوك كان شايل قرشين، الراجل صاحِب الدُّكانة رِضا بِهم وبعهاله، ومن بَعدها اختَفى ومحدش يعرف هو راح فين.
-وإيه اللي مُمكن يكون غريب في حاجة زي دي؟
-هي مُش حكاية إنّها غريبة، بَس افتَكرت أبوك قالّك هو اشترى الدُّكّانة ازّاي.
-الحقيقة مجَتش مُناسبة، بس هي أرزاق.
-فعلًا الرّزق اللي مكتوب للواحد بييجي في طريقه من حيث لا يعلم.
"2"
خلَّصنا فِطار، والحاج "نَبوي" رِجع على دُكَّانة العِطارة بتاعته، افتكَرت إنّ من فترة طويلة وأنا مَمسِكتش قلَم حَفر النَّحاس في إيدي، يمكن دَه بِسبب إن كل اللي حفرته الفترة اللي فاتت لسّه زي ماهو وأغلَبه مَتباعش، لكن كان في رغبة جوّايا إنّي أجيب قطعة نَحاس جاهزة على الحَفر، وأبدأ أحفُر فيها أي شَكل ييجي في دماغي، جَهّزت الأقلام اللي هشتَغل بها، واخترت قطعة نحاس دائرية، زي الطَّبق كِدَه، وبدأت بالقَلم الرّصاص أرسم شَكل ملامح، أنا في العادة بَرسم زَخارِف بحُكم إنّي بحفر أشكال في النَّحاس، لكن دي أوّل مرّة من وقت ما مسِكت مطرَقة وقَلم حَفر في إيدي، إني أرسِم ملامح.
الحكاية كانت مُثيرة بالنسبة ليّا، وِدَه كان الدَّافع إني أكمّل للآخر، محسّتش بنفسي غير وأنا حافِر وِش في النَّحاس، والغريبة إن ملامحه مكَنِتش واضحة أوي، بَس كانت قريّبة جدًا من الملامح اللي شوفتها لمّا بصّيت في المِراية الصُّبح.
حسّيت بقلبي مقبوض، الحكاية كانت سايبة أثرها جوّايا لدرجة إنّها بدأت تخرج منّي في شكل تصرّفات لا إرادية، حطّيت قطعة النّحاس جنبي، وبدأت أنشغل في الكام زبون اللي دخلوا الدّكانة لمّا الشَّمس راحِت والحَركة بدأت تزيد، وعلى آخر اليوم قعدت شويّة قبل ما أقفِل، طلبت شاي من القهوة اللي جنبي، قولت أروَّق مزاجي، لكن لاحِظت إن قطعة النَّحاس اللي حفرتها مُش موجودة، قلبت عليها الدُّكّانة بَس مكَنش لها أثر، مكَنش عندي تفسير غير إن حد من اللي دَخل هنا أخدها، برغم من إن دي حاجة عمرها ما حصلت.
لمّا فقدت الأمل إنّي ألاقيها قفلت الدُّكّانة، في الوقت نَفسه اللي كان الحاج "نبوي" بيقفِل فيه، وكالعادة لقيتني بسأله السؤال بتاع كل ليلة:
-مُش محتاج حاجة منّي يا حاج؟
-مَتحرمش منك يا "فودَة" يابني.
"3"
الصوت كان طالِع من الشَّقة، يِمكن دَه السبب اللي خلَّاني أقَف قدَّام البَاب شويّة ومَدخلش علطول، كُنت سامع صوت دَق، نفس اللي بسمعه لمّا بحفُر في النَّحاس، زي ما تكون الدُّكّانة اتنَقلت جوّه الشَّقة، الوقت كان بيفوت، وأكيد مُش هقضّي الليل واقِف على الباب، دخلت وبدأت أتَّجه ناحية الصوت، اللي كان جاي من أوضة أبويا وأمي الله يرحمهم، مَشيت على مَهلي لحد ما وصلت للأوضة، اتفاجأت إن نورها مفتوح والباب كَمان، بدأت أقرَّب منها، وساعتها لَمحت واحد قاعد وضَهره ليّا، كان في إيده مطرقة وقلَم حفر، ومَكُنتش محتاج تفكير عشان أعرف إنه بيحفُر في قطعة نحاس.
لكن دي نفس جلابية أبويا اللي كان لابسها قبل ما يموت، برغم إنّه مات وأنا صغير لكنّي فاكرها، هو مُش من طبيعتي إني بخاف، بَس اليوم بادئ غريب، يمكن عشان كِدَه حسّيت بشويّة رَهبة، قرَّبت من الأوضة لِحَد ما وقفت على بابها، وفي اللحظة دي بَس، لقيته بيلتِفت ناحيتي، هو نَفس جِسم أبويا، لكن الملامح باهتة، نفس اللي شوفتها في مراية الحوض الصبح، واللي لقيت نفسي بحفرها على النَّحاس.
غصب عنّي أخدت خطوتين لِورا، عشان كانت أوّل مرَّة في حياتي أحِس بطعم الخوف، وفي اللحظة دي نور الأوضة بدأ يرجِف، شويّة ييجي وشويّة ينطِفي، لحد ما الأوضة رِجعت ضلمة زي ما كُنت سايبها، وصوت الدَّق اختَفى، قرَّبت منها تاني ومدّيت إيدي ناحية مفتاح النور اللي كان جنب الباب، ولمّا فَتَحته لقيت إن الأوضة زي ما هي، واللي كُنت شايفُه دَه مالوش أثر، زي ما يكون مُجرَّد وَهم.
لَكن لَفَتت انتباهي حاجة غريبة، قطعة النَّحاس اللي حفرتها واختَفت من الدُّكّانة، موجودة في الأوضة قدَّامي!
مُش عارف أوصف الرعشة اللي كُنت فيها وأنا بقرَّب منها، كأن رِجلي اتحوِّلت لِعجين وشيلاني بالعافية، لكن في وقت بيكون لازم تنتصر فيه على خوفك، وبالنسبة ليّا كان دَه الوقت اللي المفروض إنّي أنتصر على الخوف اللي أوّل مرَّة أحس به، مدّيت إيدي ومسكت القِطعة، وكان اللي بيدور في بالي هو ازّاي وصلت لِحد هنا!
خرجت من الأوضة والقطعة في إيدي، ودخلت أوضتي واترميت على السرير، حتى من غير ما أبدّل هدومي، أنا كُنت بعاني الوِحدة والمَلل، والنهاردة بدأت معاناة جديدة، هو إنّي طول اليوم وأنا بعاني من الخوف.
كل محاولاتي عشان أنام فَشَلِت، كُل ما عيني تغمَّض أحِس إني بَسقَط من مكان عالي، وبعدها بَقوم مفزوع، ألاقي نفسي على السرير وقطعة النَّحاس جنبي على المخدّة، دا غير الساعة اللي بدأ صوتها يتحوّل من مجرّد دقّة عقرَب لدقّة قَلم حَفر حد بيدُقّ عليه، فضِلت أتقلّب يمين وشمال لحد ما لاحِظت النهار بدأ يشقشق من الشّبّاك، قومت وأخدت القِطعة في إيدي ونزلت، وروحت فَتحت الدُّكّانة وقعدت قدّامها، كُنت أنا بَس اللي فاتِح في التوقيت دَه، ولمّا الحَركة بدأت تشتغل والدَّكاكين تتفِتح، الحاج "نبوي" جالي وقالّي:
-فاتِح بدري على غير عوايدك يعني.
حطّيت القِطعة اللي كُنت مركّز معاها جنبي وقولتله:
-مَنمتِش طول الليل والله يا حاج.
-اللي واخِد عقلك، الوِحدة وِحشة، مُش ناوي تتجوّز بقى وتيجي بنت الحلال اللي تونّسك.
مُش عارف إيه اللي خلَّاه يقولّي حاجة زي دي، هو عارف كويّس إن الإنسانة اللي حبّيتها سابِتني عشان واحد تاني قالت إنّه مناسب لها أكتر منّي، ومن يومها وحكاية الجواز دي اتشالت من تفكيري، لكن ابتسمت كِدَه وقولتله:
-لسه الأوان مآنش يا حاج.
-إيه اللي جَنبك دَه؟ أنت بقيت بترسِم وشوش على النَّحاس؟
مدّيت إيدي ومسكت القطعة، بصّتلها شوية وقولتله:
-هي جَت معايا كِدَه بدون قَصد.
وساعتها مَد إيده وأخد القِطعة منّي، ولمّا بصّلها شوية لقيته بيقول:
-رغم إن الملامح مُش واضحة، بَس حاسس إنّي عارف الشخص دَه.
الكلمة هزّتني، ويمكن كمان أثارت فضولي إنّي أستفسر منّه عن الشَّخص دَه أكتر، يمكن ألاقي طرف خيط يفسّرلي اللي حصل معايا امبارح، وفعلًا سألته وقولتله:
-تِفتِكر دي ملامح مين يا حاج، أصل أنا رَسمتها شبه ملامح حَد شوفته برضو.
أنا مرضِتش أفسَّر أكتر وأقوله إنّ الملامح دي تشبه ملامح شوفتها على وشّي وأنا باصِص في المِراية، لكن لقيت ردّه عليّا غريب لمّا قالّي:
-معتقِدش إنّك تكون شوفته، لأن دي شبه واحد كُنت أعرفه أنا وأبوك الله يرحمه زمان، وهو كمان تعيش أنت من سنين طويلة.
"4"
مكُنتش متوقّع إن الأيام حالها يتقلب للدرجة دي، في شيء مُش مفهوم حصل فجأة، زي ما تكون حاجة بتحاول تلفِت انتباهي، ودَه بحِسّه لمّا بكون قاعِد في الدُّكّانة والدُّنيا هادية، وساعتها بسمع حد بيندهني بصوت مَبحوح، ولمّا بلتِفت حواليّا بلاقي نفسي لوحدي.
الأيام في الدُّكّانة بقت تقيلة على قلبي، بعد ما كانت حياتي كلّها هِنا، والبيت بالنسبالي زي لوكاندة، يادوب بروّح على النوم وبَس، لكن بدأت أهرب من وجودي فيها، بقيت بقفِل كتير، يوم بَفتح واتنين لأ، ولو حَد سألني وخصوصًا الحاج "نبوي" بتحَجج وبقول إنّي تعبان، لِحد اليوم اللي كُنت نايم فيه، يادوب مغمَّض عيني لكن صاحي، وقِطعة النَّحاس جَنبي على المخدّة، حسّيت بِحركة قريّبة من سريري، فتحت عيني والأوضة كانت ضلمة، لكن الشّبّاك كان داخل منّه سَرسوب نور كاسِر الضَّلمة شوية، لفّيت عيني في الأوضة ومكَنش في حَد موجود، في الوقت نفسه اللي كانت الحركة لسّه مستمرّة، قومت من السرير وبدأت أتحرَّك في اتّجاه الحَركة اللي بَحِس بها، لِحد ما سمعت الصوت المَبحوح بيقولّي:
-افتَح الدُّكّانة.
اتسمَّرت في مكاني، وبدأت أسأل نفسي هي إيه حكاية الدُّكّانة، وإيه اللي بيطاردني حتّى وأنا في البيت؟!
قضّيت الليلة رايح جاي في الأوضة، ما بين الشّبّاك والسرير، الحَركة حواليّا مستمرّة، والصوت المَبحوح من وقت للتاني بيطلب منّي أفتح الدُّكّانة، لكن كُنت مُتردّد إنّي أنفّذ طلبُه في نُص الليل، انتظرت لِبَعد الفَجر، دخلت أغسِل وشّي عشان أغيّر هدومي، وكالعادة كُنت بَبُص في مِراية الحوض، ولمّا اتحرَّكت من قدّامها اتفاجأت إن صورتي فيها متحرّكتش، دي كانت واقفة زي ما هي، وقفت مكاني وأنا بتمنى يكون اللي شوفته مجرَّد تهيّؤات، رجعت وقفت قدّامها تاني، كانت صورتي واخدة اتجاه عكس اللي بَبُص فيه، كُنت زي اللي مصدوم مُش فاهِم إيه اللي بيحصل، لكن فجأة صورتي اللي في المِراية بصَّت ناحيتي، وساعتها بَس عرفت إن ملامحي اللي معكوسة فيها مُش ملامحي، دي باهتة لدرجة إني مُش عارف هي ملامح مين، مكَنش واضِح فيها غير عنيها اللي كانت بيضا ومَمسوحة، كانت بتبُص ناحيتي بطريقة مُخيفة، أما أنا فَكُنت واقِف زي لوح التَّلج فاقِد الإحساس من الخوف، وحسّيت بروحي بتخرج من جِسمي لمّا اتفاجأت إن الصورة اللي في المِراية بتكلّمني بنفس الصوت المَبحوح واللهجة الغريبة وبتقولّي:
-كُل حاجة ولها وقتها، مَتستغربش إن في حاجة ظَهرت في حياتك فجأة.
كُنت بَسمع وأنا مُش مستوعب، مكُنتش حاسس غير بالخوف اللي حسِّسني إني وقعت في أرض مليانة شوك، بوقَي مَفتوح وعيني مِبحلَقة للصورة، وهي كانت بتكمّل كلامها وبتقولُ:
-يِمكن مُش هَتِفهم اللي بتسمعه، لكن هَتعرف كُل حاجة لو بدأت تمشي ورا كُل اللي بيحصل معاك.
من بعد ما قالت كلامها الأخير، لقيت صورتي الطبيعية رجعت في المِراية من تاني، نفس ملامحي ونفس الحَركة اللي بعملها، قرَّرت أهرب من قدّامها، رجعت الأوضة عشان أغيَّر هدومي، ولمّا جهِزت أخدت قِطعة النَّحاس من على المخدّة، لكن وأنا بمسِكها اتفاجأت إنّها متغيَّرة، العين اللي في القِطعة كانت لونها أبيض وممسوحة، نفس لون العين اللي ظَهرتلي في المِراية.
"5"
من الوقت دَه وأنا حاسس إنّي زي اللي تايه في صَحرا، بكون قدّام المِراية وأشوف ملامح غير ملامحي، وفجأة بحفرها على قِطعة نحاس، وبعدها الملامح تظهري تاني في المِراية ولون عنيها مُخيف، وعين الملامح اللي في الحَفر تتحوّل لنفس العين اللي شوفتها، كُل دَه كُنت بفكّر فيه وقِطعة النَّحاس في إيدي وأنا قاعد في الدُّكّانة بَدري.
يِمكن التَّوهان اللي حسّيته كان غير أي حد مُمكن يحِسّه، نَفس شعور الشَّخص لو حد قالّه روح هات البتاعة اللي هناك دي، ولمّا يروح للمكان اللي شاوِرله عليه، بيبقى مُش فاهم كلمة البتاعة دي إيه اللي مَقصود بها.
ده كان حالي لمّا انطلب منّي أفتَح الدُّكّانة، لكن مُش مين اللي طلب ولا عارف عشان إيه.
لمّا الدَّكاكين بدأت تِفتح، جالي الحاج "نَبوي" وقالّي:
-غريبة إنَّك فاتِح النهاردة يعني.
حطّيت القطعة من إيدي وقولتله:
-قولت أفتَح النهاردة بقالي يومين قاعد في البيت.
-وآخرتها يعني؟
-مُش عارف.
في الوَقت ده كان بيقرّب منّي وبيمسك قِطعة النَّحاس وبيقولّي:
-أنت لوِّنت العين ولا إيه؟
في اللحظة دي قرَّرت أحكيله، وقولتله:
-العين اتلوِّنت من نفسها.
وساعِتها بصّلي وقالي:
-دا اسمه كلام برضو يابني، في حاجة اسمها العين اتلوّنت من نفسها؟
-دي الحقيقة، الدُّكّانة فيها حاجة غريبة، من فترة قريّبة بدأت تحصل معايا حاجات، بَشوف نفسي بملامح تانية في المِراية، يمكن تكون قرّيبة من اللي حفرتها في القطعة، ولمّا شوفتها مرّة تانية ظَهرت بنفس لون العين اللي قدّامك دي، هي اتغيّرت من نفسها بعد ما شوفتها في المِراية.
-يابني اللي بتقوله دَه ولا في الخيال.
-لكن دَه اللي بيحصل معايا، دا غير الصوت اللي سمعته في أوضتي وطلب منّي أفتح الدُّكّانة، وقالّي إن كُل حاجة هعرفها في وقتها.
-مُش عارف أقولّك إيه يا "فودَه" يابني، لكن أبوك كان طول عُمره في الدُّكّانة مسمِعتش منّه حاجة زي دي.
-ماهو دَه اللي هَيجنّني.
"6"
وانشَغلت في كام زبون دخلوا الدُّكّانة، كُنت بتكلّم معاهم وعيني من وقت للتاني بتروح لقطعة النَّحاس، واتفاجأت إن العين اللي محفورة فيها بتكون ناحيتي مكان ما بروح، لدرجة حسّيت إن الملامح دي فيها الرّوح وبتتحرَّك زيّنا عادي.
وفي آخر الليل والدَّكاكين بتقفل، لقيت الحاج "نبوي" داخل الدُّكّانة وفي إيده مَبخرة، كان طالع منها دُخان ريحته فايحة، وبدأ يلِف في الدُّكّانة ويبخّرها ويقولّي:
-شوية بخور على كيفك، يغيّروا جَو الدُّكّانة وحالها يتعدِل إن شاء الله.
-تِفتِكر البخور هيمنع اللي بشوفه؟
-البخور فيه البَركة يابني، بيطرُد أي طاقة سلبية من المكان، وأنت حالك الأيام الأخيرة مُش عاجبني.
ويادوب خلَّص كلامه، ولقيت المَبخرة وقعت من إيده، الغريبة إنّها مَوقعِتش قدَّامه مثلًا، دي طارت من إيده خَبطت في الحيطة، كأن حد حَدفها، أوّل مرَّة أحِس بالخوف على وِش الحاج "نبوي"، كان واقِف مرعوب ومُش مستوعب اللي حصل وهو بيستعيذ، قرَّبت منّه ومسكته لأني حسّيت إنه بيفقِد توازنه، سَندته لِحد ما قَعد على كُرسي قريّب، كان لسّه بيستعيذ وجِسمه بيرتِعش، ولمّا بدأ يِهدا شويّة لقيته بيقولّي:
-إيد باردَة مسكِت إيدي، وحدَفِت المَبخَرة.
برغم إنّي مَشوفتش حاجة، لكن كُنت مصدَّقه، ويمكِن دَه حصل معاه عشان يصدّق إن الدُّكّانة فيها حاجة غريبة، وده اللي خلَّاني أقولّه:
-أنت مكُنتش مصدّقني.
كان صوته رايح وهو بيقولّي:
-يابني طول عُمر الدُّكّانة دي زي الفُل، إيه بَس اللي جرالها؟
-والله عِلمي عِلمك يا حاج.
"7"
بعد ما قفَلت الدُّكّانة في الليلة دي، قفلت دُكّانة العِطارة بتاعة الحاج "نبوي" ووصّلته لِحد بيته، مكَنش قادِر يُصلُب طوله، ولمّا رجعت البيت، اتكرَّر نفس اللي حصل قبل كِدَه، صوت الدَّق كان موجود، حَد بيُحفر في النَّحاس، وزي المرّة اللي فاتت برضو، الصوت كان جاي من أوضة أبويا وأمّي الله يرحمهم، قرَّبت من الأوضة اللي كانت منوّرة، وساعتها شوفت أبويا واقِف بنفس الجلابية اللي كان لابسها قبل ما يموت، لكن ملامحه كانت نفس الملامح المحفورة في النَّحاس.
بدأت أرجَع بضَهري من الخوف، لكن هو بدأ يقرَّب منّي، في اللحظة دي حسّيت إن رجليّا اتخشّبت في الأرض، مبقِتش قادر أتحرّك ولا أهرب منّه، ولمّا وقَف قدّامي كانت عينه هي نفسها اللي في القِطعة، بَلعت ريقي لكن مكُنتش قادر أنطق، لكن هو اللي اتكلّم بصوت مَبحوح ولهجة غريبة وقالّي:
-آن الأوان إن اللي انكَتب يتِم، ومفيش غيرك معاه المُفتاح، وأنت الوحيد اللي تقدَر توصل، ولمّا تلاقي المَدفون هَتعرف كل حاجة.
من بعدها نور الأوضة بدأ يرتِعش لحد ما انطفى خالص، ساعتها بَس حالة الشَّلل اللي كُنت فيها راحت، بدأت أتحرّك يمين وشمال أدوَّر على اللي كان بيكلّمني، لكن مكَنش في حد موجود.
رجِعت على أوضتي، وأنا مُش عارف هفضل لوحدي إزّاي في البيت بعد اللي بيحصل دَه، أخدت بَعضي ونزلت، ومكَنش قدّامي غير إنّي أروح الدُّكّانة، فَتحت وقعدت وجوّايا حيرة السنين، مكَنش في حد لا رايح ولا جاي في الشارع، الصمت وإحساس الخوف بَس هما اللي موجودين، لكن اتفاجأت بإن الحاج "نبوي" داخل عليّا الدُّكّانة، وبيقولّي:
-هو أنت يا مَتفتحش الدُّكّانة، يا إما تِفتح صُبح وليل، أنت مُش كُنت قفلت!
اندَهشت وقولتله:
-أنت إيه اللي جايبك دلوقت؟ أنا وصّلتك البيت وأنت تعبان.
-قولت أتمشّى لقيتك فاتح، التَّعب راح لحاله خلاص.
-أنا شوفت اللي قولتلك عليه تاني.
-حتى بعد البخور؟
-أنت بخَّرت هنا، لكن اللي شوفته كان في البيت.
-وإيه اللي حصل لمّا شوفته؟
-كان بيتكلّم عن المدفون، وعن إن أنا اللي معايا المفتاح.
وساعتها كان بيبُصّلي كده وبيقولي:
-طيّب ماهو بيساعدك أهو.
مكُنتش فاهِم كلامه فقولتله:
-أنت تُقصد إيه بإنّه بيساعدني؟
في اللحظة دي سمِعت صوت حاجة وقعت في الأرض، لمّا بصّيت ناحيتها لقيتها قطعة النَّحاس، مدّيت إيدي وشيلتها عشان أرجّعها مكانها، ولمّا التفتت ناحية الحاج "نبوي" عشان أكمّل كلامي معاه، اكتشفت إنّه مُش موجود، رغم إني بصّيت بعيد عنّه يادوب ثانيتين تلاتة، يعني لا لحق يقوم ولا يتحرّك من جنبي أصلًا، جسمي اتلبّش من اللي حصل، عرفت إن اللي كان موجود دَه غالبًا هو الشيء اللي بيطاردني، لكن أنا حاولت أتماسك أعصابي ومَمشيش من الدُّكّانة.
فضِلت فاتِح لحد ما النهار طِلع، والدَّكاكين فَتحت، ماعدا دُكّانة الحاج "نبوي" استغربت هو ليه اتأخَر، قولت يمكن راحت عليه نومة من تَعب امبارح، لكن اللي حصل بعد شوية، هو إن وصلنا خَبر إنّه مات بالسّكتة القلبية بالليل!
"8"
الله يرحمك يا حاج "نبوي"، كان عندي شَك إن سَبب موته خوفه من اللي حصل، أومال إيه هيكون سَبب السَّكتة القلبية اللي جَتله، مكَنش بيروح من بالي لأن دُكّانته في وِش دُكّانتي.
الأيام فاتِت على كِدَه، مفيش فيها حاجة بتتغيّر، بَشوف اللي بشوفه في البيت، وبيحصل معايا نفس اللي بيحصل في الدُّكّانة، ولحد دلوقت فاتت أيام كتير بدون ما أعرف إيه المَدفون.
بقيت بَسهر كتير في الدُّكّانة، حتى بعد ما الناس بتقفل، حاجة غريبة كانت بتخلّيني أعمل دَه، لحد ما في ليلة كسّلت أرجع البيت وقرَّرت أنام في الدُّكّانة، قفلت عليّا الباب وسيبت النور مفتوح، ومدّدت على كنبة صغيّرة يادوب واخدة جسمي، ولمّا ما عيني بدأت تغفل بعد تفكير طويل، حسّيت بحركة في الدُّكّانة، فَتحت عيني ولقيت أغرب حاجة في حياتي، كان الحاج "نبوي" واقف بيبخّر الدُّكّانة، وفجأة بيظهر جنبه نَفس الشَّخص اللي لابس جلَّابية أبويا وملامحه زي الملامح اللي بشوف صورتي عليها، وكان بيمِد إيده وبيمسك المَبخرة منّه.
غصب عنّي لقيت نفسي بَستعيذ، في اللحظة دي بدأ الشَّخص الغريب ده واللي معرفش هو مين يبُصّلي بعينه البيضا المَمسوحة، وبعدها حَدف المَبخرة في الحيطة، ولمّا بصّيت للمكان اللي اتحدَفِت فيه، اكتشفت إن في طوبة في الحيطة مُختلفة عن اللي حواليها، وهو زي ما يكون مُتعمّد يحدف المَبخرة في المكان ده، وإلا لو المُكشلة في البخور كان رماه في الأرض وخلاص.
من بعد ما عيني جَت على الطوبة والاتنين اختفوا من قدّامي، قعدت على الكنبة وبدأت أركّز مع اللي حصل، افتكرته لمّا قالّي المدفون، وإن أنا اللي معايا المفتاح، ولمّا طلب منّي أفتح الدُّكّانة بعد ما كُنت قافلها، بدأ تفكيري ياخدني لتفسير الكلام، وبدأت أقول لو اعتبرنا إن المفتاح هو مُفتاح الدُّكّانة، المدفون مُمكن يكون إيه؟
في اللحظة دي حسّيت إن الطوبة اللي في الحيطة بتتهّز، زي ما يكون في حاجة وراها، قومت من مكاني وبدأت أقرَّب منها، لكن حاولت ما اكونش متهوّر، كُنت باخد خطوة وانتظر شويّة لحد ما آخد الخطوة التانية، لحد ما قولت لنفسي، هو شرط إن المدفون يكون في الأرض؟ ما يمكن يكون في حيطة.
لمّا قرَّبت من الطوبة، لقيتها متثبّتة في الحيطة بطريقة غير كل الطوب، هي الحيطان قديمة وسميكة، لكن الطوبة دي مثبّتة بحاجة زي أسمنت أبيض من فترة طويلة، دي الوحيدة اللي بالشكل ده.
بدون ما أفكَّر، مسكت المطرقة وأزميل حديد وبدأت أخلي حوالين الطوبة، ولمّا حسّيت إنها فكَّت من الحيطة بدأت أسحبها، عافرت معاها لحد ما طلعتها، لكنها وقعت من إيدي لمّا شوفت اللي وراها.
كانت قُماشة لونها أسود مربوطة بخيط، التُراب ماليها، مدّيت إيدي اللي ارتعشت ومسكتها، كُنت بقلّب فيها وبفكّر مين اللي مُمكن يكون دفنها هنا، وازّاي لا أنا ولا أبويا أخدنا بالنا من إن الطوبة مختلفة عن باقي الحيطة، لكن الموضوع كله أصلًا محدش يتوقّعه ولا يركّز معاه، لولا بَس اللي حصل في الأيام الأخيرة مكُنتش هعرف.
قعدت على الكنبة وأنا بفكّر إيه اللي مُمكن يكون في القُماشة، بدأت أقطع الخيط اللي مربوطة به، اللي ربطها زي ما يكون بيكتّفها كأن اللي فيها هَيهرب، لكن في الآخر وبعد معافرة فكّيتها، ولمّا فتحتها، اكتشفت إن فيها قطعة نحاس طبق الأصل من اللي أنا حفرتها، واللي اتأكّدت دلوقت إنها مكَنِتش صدفة أبدًا.
القطعة كانت فيها نفس الملامح، بنفس لون العين البيضا الممسوحة، لكن اللي كان زيادة فيها، إن ضَهر القطعة كان محفور فيه حاجة زي المستطيل وفيه مربّعات ومُستطيلات صغيّرة، كان فيها رموز غريبة لا هي أرقام ولا حروف، وكان حواليها مكتوب "أقسمت عليك يا خادم الطَّلسم أن ..."
لكن باقي الكلام مكَنش ظاهر، عرفت دلوقت بَس إن المدفون دَه سِحر، واللي غصب عنّي لقيت نفسي بمسك المطرقة وقلم الحَفر وبشوّه الملامح اللي مرسومة والرموز اللي محفورة، لكن اللي وقَّفني عن اللي بعمله هو الصوت المَبحوح لمّا سمعته بيقول:
-كِدَه مصيرك الهلاك أو الجنون!
"9"
آخر حاجة أتوقّعها إنّي أدخل بيت حد بيشتغل في الدَّجل والشَّعوذة، لكن مكَنش قدّامي غير كِدَه، ماهو من بعد ما لقيت اللي لقيته وشوّهت اللي فيه، بقيت أشوف صورتي لمّا أقف في المِراية وحد بيشوّه وشّي.
دا غير إنّ الصوت المَبحوح بدأ يهدّدني إن حياتي خلاص هتتحوّل لجحيم، بقيت أحِس بحركات أكتر في الدُّكّانة والبيت، وبقيت أشوف أبويا في الجلابية اللي لابسها قبل ما يموت وملامحه زي اللي محفورة في قطعة النَّحاس، لكن كان في الفترة الأخيرة زي ما يكون عاوز ينتقم منّي، لولا كُل دَه مكُنتش أدخل المكان دَه.
قعدت قدّام الشيخ اللي عرفت طريقه بدون ما الفِت انتباه حد لحاجة، وبعد ما حَكيت له الحِكاية كلّها، كان بيغمّض عينه لفترات طويلة وبحرّك شفايفه، كان واضح عليه إنّه بيسأل حد أنا مُش شايفه وبينتظر إجابة منّه، وبعدها قالّي:
-طَلسم محفور على النَّحاس، اللي حفره رسم عليه صورة خادم الطَلسم، وحفر فيه التعويذة المطلوبة، والقسم اللي بين الشخص اللي عمل الطلسم والخادم كان عشان يمدّه بالسيطرة، لكن في شيء مش مفهوم حصل خلّى خادم الطلسم يتقلب عليه، يمكن يكون خالِف أمر الخادم أو حاجة زي كِدَه، المهم دَه كان سَبب إنه طِفش من الدُّكانة.
بدأت أربُط بين كلام الشيخ وبين كلام الحاج "نبوي" الله يرحمه، لمّا قال عن صاحب الدُّكّانة القديم إن النّاس كانت تسيب كل الدَّكاكين وتروح عنده، وده اللي خلَّاني أشُك في صاحب الدُّكّانة اللي أبويا اشتراها منّه، وفي نفس الوقت أحِس بصِدق ولو بسيط في كلام الشيخ، عشان كده قولتله:
-يعني الطَلسم دَه يقدر يخلّي الناس تشتري مثلا حاجة من مكان محدّد بس؟
-ده بيعمل حاجات كتير، منها وقف حال الناس لصالح الشخص اللي عامل الطلسم، لكن ده بيكون عاوز واحد بايع نفسه للخادم، لكن متقلقش كله هيبقى تمام والمَعقود هَيتفَك.
لكن كان عندي سؤال بيلِح عليّا، خلاني أقول للشيخ:
-وأشمعنى أنا اللي حصل معايا كِدَه؟ ليه مُش أبويا؟
-بتختِلف من شخص لشخص، يمكن عندك شفافية مش عند أبوك، ويمكن كُنت بتشوف أبوك عشان تِضعف وتطيع الخادم، وفي الآخر كلّه نصيب،
-لكن أنت قولت إن اللي عمل الطلسم حفر صورة الخادم عليه، والحقيقة إن اللي كان على قطعة النّحاس ملامح حد لكن باهتة.
لمّا قولت كلامي الشيخ بَص ناحية الترابيزة اللي قدّامه، اللي كانت قطعة النَّحاس فوقها، وبعدها مِسكها ومَدّلي إيده وقالّي:
-إيه اللي مرسوم دَه؟
حسّيت إن روحي وقفت في حَلقي وهَتُخرج، أنا شوفت شكل مرسوم له قرون وصورته بَشعة، لسانه طالع زي لسان التّعبان، عينه ممسوحة، ولقيت فيه خَربشة مكان ما كُنت بشوّه اللي محفور في النَّحاس.
كُنت بَبُص للشيخ بدون ما أنطق، وافتكرت إني معايا القطعة اللي حفرتها، طلّعتها من الشنطة اللي كانت في إيدي وبصّيت فيها، واتفاجأت إن فيها نَفس الملامح الشيطانية اللي كانت في الطَّلسم، واللي مُش عارف هو أنا حفرتها كده في الأصل ولا هي اتحوّلت لِلشكل دَه ازّاي، مَبقِتش فاهم أي حاجة، لكن اللي أنا متأكّد منّه إن هي دي القِطعة اللي حفرتها بإيدي، لأنَّها مفارقتنيش أبدًا.
بصّيت للشيخ وقولتله:
-الصورة المحفورة متغيّرة.
ضِحك ضِحكة سريعة كِدَه وقالي:
-يابني العالم دَه بَحر، لمّا يحبوا يستدرجوا حد عندهم طُرق وحِيَل كتير، مَتشغلش بالك اعتبر الموضوع مُنتهي.
"10"
الحياة استمَرّت، لكن مَرجعِتش زي ما كانت قبل ما يحصل اللي حصل، أنا اضطرّيت في النّهاية أقفِل الدُّكّانة، مُش عارف نِفسي قفلت منها ولا إيه السَّبب، لكن دَه اللي حصل، كانت آخر حاجة أتوقّعها إنّي أسيب الحِرفة اللي ورثتها بسبب حاجة ماليش دخل فيها.
بدأت أقلّب عيشي في حاجات تانية، لكن دَه مُش معناه إن الحكاية انتَهت تمامًا، بَس هو التَّعوّد لمّا بتكون مُضطر تتقبّل حاجة اتفرضِت عليك ومُش عارف تِخلص منها، ودَه اللي نَصحني به آخر شيخ روحتله وقالّي:
-اللي بيحصل معاك سببُه إنّك حاولت تتخلّص من الطلسم بدون ما تكون عارف المفروض تعمل إيه، حاولت تشوِّه صورة الخادِم، ويمكن دَه اللي خلّى كل اللي كان بيحصل يستمر معاك، لكن طالما مُش بيضُرّك ولا بيتعرّضلك خلاص، حاول تتعايش، لأنّه غالبًا مُش هيمشي.
الكلام اللي قالهولي كان بسبب إني من وقت للتاني لمّا بكون قُدّام المِراية، كُنت بشوف نفسي في ملامح غير ملامحي، لكن مُش هي الملامح اللي كُنت بشوفها في الأوّل، دي كانت ملامح خادِم الطلسم الحقيقية اللي ظهرت في النهاية، الملامح الشيطانية، من وقتها بَس، عرفت إيه اللي الصوت كان بيقصده لمّا قالّي حياتك هتتحوّل لجحيم!