أسير ليلاً في شارع الحي الذى أسكن ،الشتاء هو الفصل الحاضر ،برودة الجو ،غيمة السماء ظلمة الأجواء رغم إنارة الأعمدة .الأضواء خافتة معظم الوقت لوجود كسوة البخار التى تعتلي الأعمدة والبلكونات وحتى امتداد الشوارع على مد النظر .
أحمل حقيبتى التي أحب ،خيوط حريرية نسجتها من إبرة الكوريشية ذات الرقم سبعة ،محبة في يوم ميلادى لا محبة في حجم غرزتها .أحتضنها وكأنها صغيرتي التى أخاف عليها البرد .تَكَشَّفتُ الشوارع المجاورة حتى أسلك إحداها ذهاباً لبيت جدى الذى طالما أحببته بشدة .تساءلت كيف لأمي أن تتركني أنزل بصحبة حقيبتي في هذا الوقت من الليل ،وهي التى تمانع نزولي نهارا معها،لم أتوقف عند السؤال ولا أردت إجابة ..
حلق ،مشط ،خاتم،بنسات الشعر ذات الفراشات الزرقاء ،قلم أحمر الشفاه المتآكل حتى القاع و بكٌ صغير يحوي أربع ريالات فضية أعطاها لي جدى على مدار أسابيع متفرقة ،محتويات حقيبتي دوما ولا اغيرها..
اكتنز الريالات ولا أبتاع بها شيء ،فهي تحمل رائحة جدى المميزة التي أحب .
مازلت أسير ولا أصل ولا أرى وجهة العودة لكن أسير ،توقفت على أعتاب منزل صاح صاحبه من شرفته يريد أن أناوله ما وقع منه لعدم قدرته على النزول ،لكن شيء من الرعب أصاب قلبي ،فعاودت السير ولم ألتفت، هتف بإسمي ثانية و أراد أن يعطينى ريالاً مقابل ما أفعل، أو يأخذ صغيرتي الحرير الوردية .
ماذا أفعل وأنا بحوزتى ريالات جدى الفضية ؟
و كيف عرف إسمي ؟
ريال !! قال يعطيني :ريال؟!
تراجعت عن خطواتي وهدأت من روعي والتفت اليه ثانية عازمة على ألا أفعل ما يريد ولا أسمح له بما قرر…
جدى فقط من يعطيني ذلك..
وجدت نفسي بقوة أفتح حقيبتي أفرغ عنها كل مافيها أرضا بحثا عن جدى، لكني؛ استيقظت على صوت أمي ..مات جدك مات جدك
علمتُ لحظتها أن صغيرتي الوردية لم تعد معي ولا محتوياتها الفضية ..