صنعت الحلوى وصنع هو الفوضى .رتبت الأشياء في أماكنها الجديدة ،تركت المساحات واسعة لتشمل أغراضي التى أحب ،علقت الأرفف الخشبية المزينة بالورود وعطرت نافورتي العاج ذات الأدوار الثلاثة وملأتها بمياه الورد لتنثر شذاها في أرجاء المنزل ،كل هذا على أمل استغلال المساحة لشيء لا أعلم ماهو ،لكن مُدبر الأمر يعلم .
لا يحب زوجي القطط ،يكرهها كراهية (أمي للقلقاس)
تطرقت كثيرا لمعرفة السبب لكن لم أجد لها إلا وعي جمعي مُرسخ فيه منذ ولادته (غدارة ،تاكل وتنكر )
وغيرها مما يقولون كان يهوى رعاية الكلاب .
اشتاق قلبي لجلب قطة صغيرة للمنزل ادللها ،أرعاها و أقوم على خدمتها دون مقابل لغير الحب الذى يحرك قلبي.
أنا وهو دوافعنا لا تلتقي على ذلك ولكنى على يقين من سحر زن النساء ،فلا أفعل غيره طوال سنة كاملة . يقيني أن ترددات الحب أعلى من غيرها وتأكدت من هذا عندما أقر بالموافقة لجلب قطة للمنزل ،لكن بشروط ……
لا يُحدث الفوضى ولا يدخل غرفتي ،ولا….ولا…. ولا …..
قائمة طويلة من الممنوعات تخرج من فاهِ أناه لتقع أمامي دون أن أسمعها أو اراها ،فقط نحضر القط وبعد ذلك يدبر الله أمرنا جميعا .
ثلاث سنوات من التهديد و (والله أرميكم انتوا الخمسة في الشارع لو لقيت شعراية على هدومي)
هكذا نسعي بدافع الخوف لتفلية ملابسه في كل وقت وحين (هو اللى بيأكلنا بردو لازم نخاف)
أو تقديراً ،لبقاءنا جميعا في منزله بصحبة الفوضى التى عمت الأرجاء في نظره، رغم براءة (بطاطا)من اي فوضى أو قلة نظافة .لكن له ما يريد لإبقاء الود
مرت الأيام و زال الحذر تدريجيا من تنفيذ كل قاعدة من الموضوعة سابقا وضاعت كلها هباء منثورا في خضم المحبة التي إنهالت علينا جميعا من قلب الكائن الصغير (بطاطا) .هكذا مضت الأيام و أرى في عين زوجي ندم قراره بالموافقة لدخول هذا الكائن منزله رغم الحب ،لكنه كِبر الذكور بتغيير قناعاتهم ..
يوم عن يوم يكبر الحب ويدخل عليّ صاحب القرارات الصارمة كاره الفوضى ،وفى يده كائنٌ صغير لا يقوى على الحِراك ولا فعل اي شيء .
في نبره هادئة قال: ممكن أخليه عندنا ناخد بالنا منه؟
في تهليل عالي الصوت ومتحمس المشاعر رآه مني و عظيم الترحاب رغم عدم معرفتي كيفية التصرف ،لكن الله كالعادة يدبر الأمر .
دخل منزلنا كائن جديد إحتل من غرفتي ركٌن صغير و داخل نافورتي عشٌ أصغر ،نقلته بها إلى مطبخي ،محتلا ذاك المكان الذى زينته سابقا و منطقتي التى وسعتها ،وجزء أكبر وأكبر من قلبي (بندقة) عصفورة زوجي ،اللطيفة ،الصغيرة التى لا تكف عن الصياح ،لا تكف عن الرضاعة ،ولا عن عمل الفوضى على رخامتي النظيفة الملساء .
تكبر الصغيرة يوما عن يوم ،تطير هنا وهناك وتحط على أجهزة المطبخ جميعها وتستكشف في عبث بعيونها الصغيرة ومنقارها الدقيق ولا تنسى فعل الفوضى
و تجمعت قدرة الله و بديع صنعه في منزلنا وصارت الأجواء مليئة بالمشاغبات بين (بطاطا الهاديء المنزعج دوما من بندقة الصَيَّاح المناكف )
أصبحنا أصحاب القوى العظمى فريق القط ،مقابل صاحب العصفور .
الحب والمواء بهدوء مقابل الفوضى والصياح من الفجر حتى الغروب .
رغم كل ما ذُكر لا يُسمع لكاره الفوضى صوت إلا وهو يقول (صباح الورد يا عصفورتي )وكأنه كاظم الساهر
مكث بطاطا حتى الآن ثلاث سنوات مقابل ثلاثة أشهر لبندقة و ذابت معهم القواعد الصارمة والتهديدات الكاذبة وعلت دقات القلب وضحكات الملامح علينا جميعا مع كل ما يحدث من فوضى ومغامرات بين بطاطا و بندقة ..
اتأمل من وقت لآخر عيون زوجي دون أن يلاحظ لأجد فيها صنيع الحب لسحر الإندهاش..دام الله عليه وعلينا الحب و محبة القطط وباقي الكائنات