الثانية فجرا
عزيزي صاحب المقام الكبير
جاري العزيز..
وأما عني..
فأنا يا سيدي امرأة تخشى الوحدة..
تتنصل من قيودها.. وتهرب من براثنها..
بقدر ما تعشقها..
لطالما كنت والوحدة كرجل وامرأة يتداولان..
أعشق صخبها.. بينما هي تستحل كل جزء بي..
احتلتني حتى النخاع..
فصرت كلما تلفتُّ وذهبتُ رافقت بعضًا مني..
ورافقتني..
استوطنت أيسري فأخمدته..
وأحالت خضم نبضه راكدًا..
استقرت في نفسي وكياني دون أي نية في الرحيل..
تداعبني..
تتسلق كتفيّ كطفلة متسلطة ترفض التهذيب..
تنظر إلى عينيّ بعبوس متدللة تارة..
وباستعطاف تارة أخرى..
لكن..
الليلة اختلف حالي تمامًا..
كما اختلفت شخصيتي من قبل.. وتبدلت روحي..
تبددت ابتسامتي..
وانطفأت لهفتي.. وحبي للحياة..
ربما تعبت..
فتهدلت أكتافي يأسًا..
واستسلمت من داخلي..
قد أكون اشتقت لرفقة.. تعيد لحياتي الألوان..
رفقة أعلم أنها رحلت إلى الأبد..
أو لعلي أتوق لضحكة تعيد لحياتي الحياة..
ألححت على وحدتي أن تترفق بحالي..
أن تتوقف وتتركني وشأني..
فالألم يعصف بأرجائي..
والجو شديد البرودة..
وما أنا إلا امرأة عامرة بالسكون..
والوحدة تصم مسامعي بصخبها..
امرأة تقتات على الدفء..
ولا دفء بلا صحبة..
أوليتها ظهرها..
وتناسيت وجودها..
حاولت أن أسرق من اللحظات بعضًا من سعادة..
ارتديت أجمل ثيابي..
فعبست وحدتي حانقة..
تجاهلتها..
حتى لمحت الغدر بحدقتيها..
أخرجت سيفها..
ركضت هربًا منها..
فتعثرت بنصل سيفها الحاد بينما أعدو لاهثة متلهفة للنجاة..
جريت ناحية باب النور والنجاة.. وباب حريتي..
طالتني بمهارتها وتمكنت مني..
جرحتني في قرار يقيني بنفسي..
وأتت بجدائل الشك والتيه وقيدت معصميّ..
"أين أنتَ؟"
صرَخْت يائسة بلا كلمات..
ما عاد للكلمات من نفع..
قلب يعاتب بيأس..
ولسانٍ يتمتم بهذيان:
"لمَ تركتني لها؟.. للوحدة القاسية"
هزمتني الوحدة هزيمة نكراء من أول جولة..
ولن أحاول أن أعيد الكرة لأهرب ولن أدافع عن نفسي..
استسلمت.. وسقطّ..
افترشت وثوبي الحريري الأرض الباردة..
أدرت ظهري لها في خزيٍ وصمت..
وترقرقت عبراتي في وهن..
ونزيفي لا يتوقف..
رغم قسمات الوحدة الجامدة الشامتة الظافرة..
إلا أنني أوقن ببكائها هي الأخرى..
تبكي هزيمتها مثلي تمامًا..
هزيمة تشبثها بي..
أمام نفوري وهروبي الدائم منها..
فهي تجد نفسها جزء مني..
وأنا أعلم ذلك جيدًا..
وأعلم صدق حبها..
لم أجد أحن منها يومًا..
ولم يصادفني رفيق بقي ثابتًا مثلها..
حانت مني التفاتة نحوها..
تجلس قابعة في سكون..
فهالني ما رأيت..
نظرة خذلان!!
نعم..
إنها تعاتبني على محاولات هجراني ونبذي لها..
وتتألم خوفًا من فقداني..
فأنا وهي جزآن لا ينفصلان..
لا فائدة..
قمت متثاقلة بجروح أدمت روحي وجسدي..
التقطّ يديها بحنان ورفق..
وتوجهت معها نحو الفراش..
حيثما نتفق سويًا..
لنسكن دون حراك..
استلقينا منهكين.. وتعانقنا..
وتبادلنا عتابًا صامتًا..
لعلنا نتصالح مرة أخرى..
ومن يدري!!!