الثانية فجرا
عزيزي صاحب المقام الكبير
أنا أتألم..
لا تخبر أحدًا بذلك..
أكره أن يرى الآخرون ضعفي..
تعلم أنني أعتز بخصوصيتي جدًا..
وليس لدي سواك..
لذا أحتاجك..
أحتاج صوتك.. وعينيك.. واحتواءك..
وعناقك..
كم تعب هذا القلب من الكتمان!
حتى صار يتمخض غيمات ألمه حول عيني..
فتراكم الألم تلو الألم..
تاركًا آثاره فوق قسماتي..
فبهتت.. وتبددت ملامحي..
والوحدة تنهش روحي..
وأنا أعتنق دين الصمت الجديد..
لقد تغيرت تمامًا وتغيرت طباعي..
أصبحت كاذبة جدًا..
مهما سئلت عن حالي.. أقول أنا بخير..
ولكني لست بخير..
"أنا متعبة يا حبيبي"
أتعبتني ازدواجيتي..
أدعي السعادة والبهجة والرفاهية..
بينما بداخلي حزن مقيم..
أعشق الصباح والنور والشمس..
وأنا لا أطيق أن يفوتني الليل والقمر..
أفعالي رزينة متعقلة موزونة محسوبة..
رغم أن قلبي يغلي ويموج بالجموح واللا تعقل..
أحب الحياة والمرح والانطلاق والرفقة..
وهناك ألف يدٍ تكبلني وتشدني للوراء لتخبرني:
"هلم إلينا.. ارجعي.. لا مكان لكِ في هذه الحياة.. ولا نصيب لكِ في تلك السعادة"
كم أتوق إلى عمري الفائت لكي أصلح كل لحظاته التي راحت هباء!
وكم أبكي مستقبلًا لا أمل في إصلاحه.. عجزًا ويأسًا..
كم وكم وكم!
كم بت مكبلة عاجزة باهتة!
صرت شخصًا آخر لا أعرفه..
لا فارق عندي بين جنة ونار..
بين حلو ومر..
وبين نور وظلام..
أصبحت لا أعاتب أحدًا أبدًا..
بل أخشى العتاب وأتجنبه..
وأرحل دون لفت انتباه..
لا أحتمل المزيد من الآلام.. ووجع القلب..
أتجنب خوض المناقشات التي لا جدوى منها.. وأرفع راية الاستسلام حتى من قبل الإعلان عن بداية الجولات..
فما الجدوى من نقاش قلوب قاسية صُمَّت واتخذت قراراتها وحكمت عليك بالعذاب..
أنظر لكل من يرحل بهدوء.. ثم أضيف اسمه في قائمة الراحلين.. ولسان حالي يردد:
"اذهب.. لا تثريب عليك.. لن يؤلمني رحيلك أكثر من هؤلاء الذين سبقوك"
ما عادت الصدمات تكسرني.. فلقد كسرت وجرحت الجرح الأكبر بالفعل..
وكيف لآهةٍ صغيرة أن توجع من بعد منتهى الصرخات..
إن من يبلغ قمم الجبال.. لن يهمه التعثر في السفوح..
أنظر لحياتي التي تجري عكس كل ما أرجو وأحلم وأتمنى..
وأتساءل:
"ماذا تمنيت يومًا وتحقق؟ ماذا رسمت يومًا وجنيته؟"
كل ما أتمنى بقاءه يرحل..
وكل ما أتمنى نيله يزول..
بت لا أعلق قلبي بشيء لأنني أعلم أنني لن أحصل عليه..
فكل أحلامي مرفوضة..
وكل ضحكاتي منبوذة..
حتى فضفضتي ثقيلة..
كثقل الأيام من حولي..
بت لا أتمسك بأحد.. فلقد تمسكت بما فيه الكفاية.. وآن أوان جبر كسر قلبي بمن يتمسك به..
أجلس وأنتظر أن يتمسك بي أحد مهما أفلت يده ويرفض الرحيل..
أنتظر أن يتمسك بي دون انتظار مقابل..
ويعيد لقلبي بين دفء يديه الحياة..
ذلك القلب الذي لطالما قدمته قربانًا لكثيرين سحقوه تحت أقدامهم..
كنت أهبه لهم مستجدية لحظة اطمئنان.. ونظرة حنون..
فمزقوه.. ومزقوني..
ودهسوه.. ودهسوني..
عشت عمرًا أحرص ألا أؤذي أحدًا عمدًا أو عن غير عمد.. فآذاني أقرب من ألقيت قلبي بين يديهم أيما أذى..
حتى أصبحت خائفة تائهة لا أعرف سوى الرجفة التي لا تترك جسدي..
أرجوك..
لا تخبر أحدًا بكل هذه الضوضاء..
فقط..
ضع كفيك حول وجنتي..
واحبس عيني بين حنان عينيك..
وأنا أعدك أنني سأصمت وأغمض وأنام..
وأرجوك أرجوك..
لا ترحل..
فأنا متعبة..
متعبة بحق..
وخائفة جدًا جدًا جدًا..