يَخرج الإنسان من الدنيا كما دخلها، لا يملك مثقال ذرّةٍ من تُراب،
تذبل عافيته في سعيٍ محموم خلف المال، ويتآكل جسده لبناء الجاه،
ثم تمضي الأعمار، وتتساقط الأموال والأطيان كما يتساقط الهباء،
تذروها الرياح، فلا يبقى منها إلا الحسرة في دفاتر الغافلين.
نقف على أطراف المغاسل، نرقب بصمتٍ أجسادًا ساكنة، كالدُّمى،
لا تلتفت، لا تُبصر، لا تنبض،
يأتي المغسّل، يحمل دلوا من ماء، وخرقًا من قماش،
ويبدأ الطقوس الأخيرة...
يمرّ الماء على الرأس، فالكتفين، فالجسد بأكمله،
ونحن نُحدِّق في الكفن الأبيض...
كفنٌ بلا جيوب، لا يحمل ذهبًا ولا وثائق ولا مفاتيح قصور،
قطعة قماش خاوية، لا تحتضن سوى جسدٍ فارغ...
فارغ من كل شيء، حتى من الروح،
النعمة الأعظم، التي لم نكن نملكها يومًا.
ثم يُرفع الجسد على الأكتاف، يُشيّعه الأحبّة،
وفي المقبرة، توضع تلك البقايا في حفرة ضيّقة،
طولها كعرضها: مترٌ في متر،
ثم يُهيلون التراب، وينصرف الجمع،
ويُترَك الميت وحده...
ليبدأ امتحانًا لا شفاعة فيه لألقاب ولا شُهرة، ولا مالٍ أو سلطان.
عن أي شيء يُسأل؟
أعن أملاكه؟ أرصدته؟ منازله الفاخرة؟
لماذا لم يصطحبها معه إن كانت حقًا له؟!
لماذا لم يُدفن في قصره؟
لماذا لم تُوضع مفاتيح خزائنه بين يديه؟!
لا...
لا يُسأل الميت عمّا ملك،
فالملك لا يدوم لفانٍ،
وإنما الملك لله الواحد القهّار، الحي الذي لا يموت.
فافهموا الدرس قبل أن تُطوى صحائفكم،
واستقيموا...
يرحمكم الله.