في مواصلة حملة "ما بين التزييف ومشاعر الاستحقاق!"
لطالما آمنت بأن الكلمة المكتوبة أهم وأبقى من ما هو دونها من وسائل التواصل والاتصال، بمعنى أن مقالة الكاتب أو بحث المفكر أو كتاب المؤلف أفضل وأقوى بعشرات الأشواط من الكلمة التي تقال في وسيلة إعلام مسموعة أو مرئية، على أهميتها وسعة وصولها إلى المتلقي.
وكنت أعتقد ــ وما أزال ــ أن الحضارة لم تصل إلينا إلا عن طريق الكتابة المحفورة على حوائط المعابد بالعرق وبالروح وبخط اليد الذي كتب الله أن يبقيه ممتدا وحاضرا عبر الزمن.
وقد بدأ الزميل الكاتب الصحفي بالأهرام الأستاذ محمد الطماوي، والإعلامي الزميل الأستاذ علاء فياض، حملة أرى أنها ضرورية ضد ظاهرة تزييف الصفات على وسائل الإعلام وخاصة على القنوات الإخبارية، في ظل فوضى وصول بعض منتحلي صفات بحثية وإعلامية وسياسية إلى غرف الأخبار وكبريات القنوات ليس المحلية فقط بل الدولية أيضا.
وهنا وإن كان من رسالة مغلفة بالمودة والاحترام إلى الزملاء في غرف الأخبار ومراكز الفكر فهي كالتالي:
لو كنتَ مسؤولا في غرفة أخبار فأنت محمل بأمانة نقل خبرات المفكرين والباحثين والكتاب المتخصصين إلى الناس عن طريق الكلمة المسموعة والمرئية؛ وبالتالي فإنك يجب أن تكون يقظا عند أعلى درجات الحذر والحيطة بحيث لا تقدم ضيفا في قناتك إلا لو تأكدت أنه باحث حقيقي أو خبير بالفعل في التخصص الذي تطلبه للحديث فيه إذ يتعين عليه أن يكون قد نشر بحثا محكما أو نشر كتابا مطولا حول نفس الموضوع الذي تريده للحديث عنه.
كما يجب أن تتورع عن توزيع الدرجات العلمية الأكاديمية على الناس إلا لو تأكدت أن فلانا يحمل هذه الدرجة حقا وصدقا.
على سبيل المثال: لا تكتب على شاشتك أن فلانا "دكتور" إلا لو تأكدت أنه ناقش أطروحته للدكتوراة في جامعة معتبرة وأنه يحمل شهادة الدرجة الأكاديمية بالفعل بين يديه، وغير ذلك هو خطأ لا يجب أن تقع فيه تحت أي ظرف، ولو أردتَ أن أبسطها لك: أنت لا يمكنك أن تذهب بطفلك أو والدك إلى طبيب وأنت غير واثق أنه تخرج بالفعل في كلية الطب ويعمل بالفعل في مستشفى حقيقي ولديه خبرة حقيقية في مداواة المرضى.
ورسالتي إلى الزملاء في الجامعات ومراكز الفكر:
لا تتحدث أبدا في موضوع أنت لست ملما به مهما كان الأمر، بل الأفضل ألا تتحدث في أي موضوع لأي وسيلة إعلام ما لم تكن قد نشرت عنه بالفعل بحثا أو حصلت فيه على درجة أكاديمية من جامعة حقيقية معترف بها.
ولأنني أميل إلى تفضيل وسائل الإعلام المقروءة عن نظيرتيها المسموعة والمرئية، فأذكر ذات مرة أن الكاتبة الصحفية الفاضلة الأستاذة فتحية الدخاخني من صحيفة الشرق الأوسط تواصلت معي لاستطلاع رأيي حول تعامل الإعلام الإيراني مع التطورات، فتحدثت معها ثم قلت لها إنني لدي بحث منشور في أحد إصدارات كلية العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة حول هذا الموضوع، ففوجئتُ بأنها مهتمة جدا بقراءة البحث ولما أرسلته إليها اقتبست منه بالفعل في مقالتها بالصحيفة اللندنية الذائعة.
ثم أعادت الكرة وتواصل معي للحديث عن مسار العلاقات المصرية ــ الإيرانية فتحدثت معها ثم اقترحت عليها أن تقرأ كتابي "الاتحادية والباستور.. العلاقات المصرية ــ الإيرانية من عبد الناصر إلى بزشكيان" وهو عمل مسحي موسع تتبع مسار العلاقات بين البلدين لنحو 80 عاما، فوجدتها مهمتة جدا بقراءة الكتاب السفر حول هذا الموضوع برغم ما فيه من تعقيد وأحجيات، وهو أمر زاد من إكباري لها لجهة تقصيها الحقيقة وتحريها الدقة البالغة في عملها.
الكلمة أمانة والوجود في غرفة أخبار أو مركز فكر أمانة أمام الله ثم أمام من ولاك المسؤولية.
وهذه السطورة أضعها تحت تصرف كل من يهمه الأمر.
والسلام.





































