تقييم العملية العسكرية الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية وخيارات طهران المتوقعة
1ــ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد 22 يونيو 2025، أن الولايات المتحدة الأمريكية نفذت "هجوما ناجحا للغاية" على مواقع نووية في إيران، بما في ذلك فوردو وناتنز وأصفهان، وظهر في بث مباشر من البيت الأبيض كي يعلن للرأي العام "نجاح العملية" التي لا يمكن لأي جيش في العالم القيام بمثلها، وفقا لقوله.
2ــ تشير الصورة المبدئية لهذه الكلمة التي حضر فيها إلى ظهر الرئيس نائبه دي فانس ووزيري الخارجية ماركو روبيو والدفاع بيت هيجسيث، وهو ما يعني إرسال رسالة ضمنية مفادها أن قرار شن الحرب على إيران اتخذ بالإجماع في القيادة العليا لإدارته، غير أن غياب المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، يعني أنه لم يكن راضيا عن تلك العملية أو أنه تم إخراجه من مشهد إعلان الحرب كي يتم إدخاره للعملية التفاوضية المحتملة في التصور الأمريكي.
3ــ على كل حال يعد قرار ترامب بالانضمام إلى الهجمات غير القانونية التي شنتها إسرائيل ضد القيادة الإيرانية والأهداف المدنية والمواقع النووية الكبرى في هذا البلد، انحرافا غير مسؤول عن السياسات الدبلوماسية التي اتبعها ترامب، وهو ما يزيد من حاجة إيران نحو الحصول على سلاح نووي، لأنه لم يترك لها خيارا ذا بال.
4ــ كما أن الهجمات العسكرية الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، بما في ذلك مجمع تخصيب اليورانيوم المحصن بشدة في فوردو تحت الأرض، قد تؤخر البرنامج النووي الإيراني مؤقتا، لكنها على المدى القصير والمتوسط قد تدفع إيران إلى تقدير موقف مفاده أن امتلاك السلاح النووي ضروري للردع ــ على غرار الحالة الكورية الشمالية ــ وأن واشنطن لا تملك رغبة في الحلول الدبلوماسية، وأنها تريد إخضاع الأمة الإيرانية بالقوة العسكرية وتجريد تلك الأمة من أدوات قواها الوطنية.
5ــ قبل إعلان أمريكا عن هذه العملية بعد منتصف ليل الأحد 22 يونيو 2025م، وحتى قبل العداون الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة 13 يونيو 2025م، كان التقييم المشترك لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، أن إيران لم تكن قد اتخذت قرارا بالتقدم نحو تصنيع قنبلة نووية، وكانت لا تزال بحاجة إلى عدة أشهر لتجميع جهاز بدائي يمكنه القيام بالإنتاج النووي على المستوى العسكري، ولم يكن هناك تهديد إثر ذلك بأن إيران ماضية قدما في عسكرة برنامجها النووي.
6ــ في المجمل تقوم التقديرات الإيرانية على أن الهجمات العسكرية الأمريكية وحدها لا يمكنها القضاء على المعرفة النووية الواسعة التي تمتلكها إيران، فبالرغم من الإقرار بأن هذه الهجمات الأمريكية ستعطل البرنامج النووي الإيراني، إلا أن ثمن ذلك هو تعزيز عزم طهران على إعادة بناء أنشطتها النووية، وانسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية NPT، والذهاب الفوري نحو إنتاج السلاح النووي؛ إذ إن التجربة الراهنة أثبتت بما لا يدع أدنى مجال للشك أن النظام الدولي الراهن تحكمه علاقات القوة، ولا وجود للقانون فيه إلا بين صفحات الكتب الجامعية فحسب.
7ــ على هذا النحو وبالرغم من أن ترامب تحدث عن نجاح العملية أمام الكاميرات؛ إلا أنه من المبكر تقييم حجم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني نتيجة تلك الهجمات؛ إذ إن تقييم الحالة الراهنة للأنشطة النووية الإيرانية ومراجعة المواد النووية، بما فيها اليورانيوم المخصب قبل الحرب، يتطلب وقتا وربما عودة مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران، وهو أمر غير وارد على الأقل في المدى المنظور.
8ــ الأخطر من كل سبق أن قرار ترامب ببدء الهجوم على إيران من دون الحصول على تفويض قانوني من الكونجرس، وهو ما يشترطه الدستور الأمريكي، يعد انتهاكا صارخا لسيادة القانون الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن ذلك يمكن أن يمرر داخليا تحت نشوة تحقيق الهدف المجمع عليه داخليا في واشنطن بين الجمهوريين والديمقراطيين وهو ضرورة تحييد إيران من أمام طريق مواصلة أمريكا سيادتها على النظام الدولي، حتى لو تم ذلك بعمل غير قانوني.
9ــ ولعل هذه العملية الأمريكية خير دليل من جانب تيار المحافظين حول توحش الإدارة الأمريكية، وحول عدم جدوى التفاوض معها وبالتالي اللجوء إلى الحلول التصعيدية كخيار رئيسي، وهو ما يمكن أن يلحظه المتابع من خلال تصريحات أدلى بها حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان الأصولية والمعروف بقربه الشديد من المرشد الإيراني علي خامنئي، وقد قال بالحرف الواحد: "الآن جاء دورنا لنرد من دون تأخير، وكخطوة أولى يجب أن نمطر الأسطول البحري الأمريكي في البحرين بوابل من الصواريخ، وأن نغلق في الوقت ذاته مضيق هرمز أمام السفن الأمريكية، والبريطانية، والألمانية، والفرنسية". وكتب تحت هذا التصريح الآية القرآنية {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}.
10ــ خلاصة ما أعلاه أن فشل الإدارة الأمريكية في حل المعضلة النووية الإيرانية بالدبلوماسية من