تحليل واجب بعد نجاح القمة التاريخية...
الرئيس الإيراني رفض حضور قمة شرم الشيخ للسلام وهو لا يعرف أسباب الرفض!
1ــ من غرائب النظام الإيراني عند تحليل سياساته أن الرئيس فيه، بالرغم من أنه يمكنه استثمار صلاحياته الدستورية الكبيرة للعب أدوار سياسية مهمة ومفصلية، إلا أن كل الوقائع تثبت أن حركة الرئيس في هذا النظام تتوقف على طبيعة شخصه، ومدى نفوذه وقربه من بيت القيادة، وليس على محض شكل صلاحياته الدستورية في النظام.
2ــ فالرئيس الإيراني يملك صلاحيات دستورية واسعة، وهو على الأقل وفقا للمادة 176 من الدستور يتولى رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي في البلاد، وذلك المجلس هو الذي من شأنه اتخاذ كل القرارات المفصلية ذات الصفة الإستراتيجية في أوقات الحرب والسلم.
3ــ بل إن هذا المجلس يتدخل كذلك في قرارات أصغر كلما كان ذلك ممكنا وفقا لسياسات البلاد العليا التي يديرها المرشد الأعلى للبلاد منفردا بناء على صلاحياته الواسعة جدا وفقا للمادة 110 من ذلك الدستور لعام 1979م، وتعديلاته لعام 1989م.
4ــ من هنا يمكن القول إن الذي ظهر في صورة الأحداث تلقيا لدعوة حضور قمة شرم الشيخ للسلام، ورافضا لها، هو الرئيس مسعود بزشكيان الذي يجلس في قصر الباستور ووزير خارجيته الدكتور عباس عراقجي الذي يجلس في مكتبه بشارع الحديقة الوطنية "خيابان باغ ملى" وسط طهران.
5ــ لكن المؤكد أن الذي لم يظهر في صورة الأحداث، وأدار كل الأمور، هو شخص آخر موجود في بيت القيادة أو في المجلس الأعلى للأمن القومي، وغالبا هو الذي يعطي الإذن للرئيس أو لوزير الخارجية أو حتى لوزير الدفاع، بالمشاركة في أي حدث أو رفض المشاركة فيه، وسوف أثبت ذلك حالا.
6ــ يقول الدكتور محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران (2013 ــ 2021م) ونائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية السابق في كتابه "صمود الدبلوماسية" (انظر: ص377) إنه سافر في عام 2015م، مع وزير الدفاع الدكتور حسين دهقان لحضور اجتماع سداسي وفق آلية أستانة في روسيا، لتسوية الأزمة السورية. (صورة من الصفحة أدناه).
7ــ لكن بعد أن وصلا (ظريف ودهقان) إلى موسكو صدر أمر من أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي بعدم مشاركة وزير الدفاع في الاجتماعات السداسية، ومن المؤسف (والكلام لظريف) أن عدم عقد الاجتماع السداسي أدى إلى إبرام الاتفاقات الدفاعية الخاصة بسوريا على مستوى ثنائي بين تركيا وروسيا فقط وتنحية إيران من وثائق الأمم المتحدة حول هذا الأمر.
8ــ يؤكد الدكتور محمد جواد ظريف أن صدور الأمر المفاجئ من جانب المجلس الأعلى للأمن القومي في البلاد لم يتضح له سببه مطلقا، أي إنه لم يعرف حتى وقت كتابة كتابه سبب منع وزير الدفاع من المشاركة في اجتماعات أستانة السداسية وتعريض دور إيران في سوريا إلى خطر بالغ!
9ــ بناء على تلك الصورة وبغض النظر عن كل الجدل الهائل الدائر في إيران منذ يوم الخميس الماضي وحتى الآن، حول مشاركة إيران في قمة شرم الشيخ للسلام، والتي أوصى أغلب مجتمع السياسات والأوساط الأكاديمية والمهنية في البلاد بضرورة حضورها من جانب الرئيس أو على الأقل على مستوى وزير الخارجية، فإن الواجب معرفته أن أي نظام في العالم إذا أراد أن يخاطب إيران ويحصل منها على قرار، فعليه مخاطبة بيت القيادة رأسا، وهنا يشار بصراحة إلى شخص المرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي، دون غيره.
10ــ وللحديث بقية عن تداعيات رفض إيران حضور هذه القمة التاريخية وأثر ذلك الرفض ــ الذي ربما لا يعرف الرئيس أسبابه (تحليل وليس معلومة) ــ على تموضع إيران في السياسات الإقليمية، وفي القلب منها قضية المنطقة الأولى وهي القضية الفلسطينية.
في البوست المقبل بإذن الله.
#قمة_شرم_الشيخ_للسلام