يمين طلاق
"لو خرجتي من باب البيت هتكوني طالق"
كانت هذه آخر جملة سَمِعَتْها منه قبل تصميمها على الذهاب إلى الحفل، تبدوا متماسكة تخفي ما يدور بنفسها بابتسامة هادئة.
شَردت قليلاً بذاكرتها، تسترجع يوم دخلت عليها أمها تبتسم في سعادة، معلنة لها عن تقدم عريس (لُقْطَة)، رفعت رأسها عن الكتاب الذي بين يديها، وبابتسامة باهتة على شفتيها تساءلت: إيه؟!
- عريس! ولقطة! .. في نفس الوقت؟!
حاولت أمها إقناعها بأنه مناسب من كل الجهات، فهو شاب وسيم والده تاجر كبير .. أي ستعيش مرتاحة، تضحك وتسألها: عن تعليمه والتوافق الفكري!
ترد أمها: تعليم إيه؟ هنفصل عريس على مقاسك .. مش شايفة جارتنا بناتها الأصغر منك .. كل واحدة معاها كام عيل.
مع ضغط الأم وأفراد عائلتها .. توافق على فترة خطوبة تختبره فيها، كلما وجدت ثغرة تفسخ بها الخطبة، ترجعها أمها عن قرارها، ويثنيها أيضا خطيبها المتمسك بها مهما فعلت، بعد شهور تم الزواج، لم يعد أمامها إلا أن تحاول إقناع نفسها أنه سيتغير، وأنها سوف تكيّفه على طباعها.
بعد شهر من الزواج، تبدل حاله، صوته الهادئ تحول لصواعق مدوية، تثقب طبلة أذنيها إذا تباطأت في تنفيذ طلب له، أما عدوه اللدود، فهو ذلك الكتاب الذي يجدها تحتضنه، فينتزعه من بين ذراعيها، يقذفه بعيدًا، مما جعلها لا تقرأ أو تكتب إلا عندما يخرج أو ينام.
حتى وهما نائمان، يسجنها بين ذراعيه، تنتزع نفسها بهدوء من بينهما، تُبْعِد ساقه الملتفة على جزئها السفلي، تتسلل لمخبئها بالمطبخ مستخرجة دفترها وأقلامها، تحتضنهم باشتياق، تجلس على طاولة الطعام تكتب، ثم تمد يدها فوق الثلاجة تحضر كتابًا تخفيه هناك، تحتضنه وتبكي، تتحسس غلافه الممزق، والدموع تسيل على خديها، معتذرة له عن هذا الإيذاء.
فجأة يأتيها صوته مدويًا: انتِ فين؟ تنتفض من مكانها، بتعجل تخبئ ما بيديها، يدخل عليها المطبخ متسائلًا: بتعملي إيه هنا؟! تخبره بأي كذبة لتسكته.
في ذلك اليوم كانت قد رجته كثيرًا أن يتركها لتذهب مع صديقاتها الي الحفل حيث سيتم توزيع جوائز مسابقة القصة القصيرة، والتي كانت قد تقدمت لها عبر الإنترنت، كان رفضه قاطعًا، وهو ما دفعها إلى معاندته والخروج على خلاف رغبته متجاهلة تهديده.
كان صخب الحفل من حولها يمتلئ بالحياة .. إلا أنها كانت قد استغرقت في شرودها، الذي لم يقطعه إلا اتصال من والدتها، التي أتاها صوتها صارخًا بكلمات متلاحقة وكأنها لا تريد أن تعطي لها فرصة للرد، إلا أنها وفي ثانية من الصمت تمكنت من الرد عليها:
- أيوا يا أمي .. افهميني .. قولتلك إني خلاص بدأت طريقي ومش راجعة عنه، والحمد لله مفيش أولاد .
أغلقت الهاتف وهي تحاول أن تتمالك نفسها، حتى لا تبكي.
تبدأ مراسم الحفل، يتجمع الحضور، ثم يبدأ إعلان نتائج المهرجان وتسليم الجوائز، أعلن مقدم الحفل عن أسماء الفائزين واحدًا يلي الآخر، أثناء محاولتها مسح بعض الدموع التي سالت على خديها، انتبهت على اسمها ينطق به مقدم الحفل .. رفعت عينيها فوجدت زملائها يشيرون لها بالصعود.