"وضَحِكْنا ضحكَ طفلَيْنِ معًا.. وعدَوْنا فسبَقنا ظلُّنا."
أتذكّرُ حين كنّا نركضُ ـأحدُنا وراءَ الآخرِـ كنتَ تسألني: أحقًّا يمكنُ أن يُنسى ما بيننا؟ أو يُصبِح من الذكرياتِ؟
في كلّ مرةٍ، كنتُ أبتسمُ وأقول: كيف لي أنْ أنسى؟، تعلو ضحكاتُك فتُدارِيَها بالكتمانِ، خوفًا من أن تَعيَها أُذُن، أو يَنكشفَ معها أمرُنا.
داخلَ الغرفةِ الصغيرةِ، خافتةِ الإضاءةِ، ببابِها المغلقِ، ونافذتها التي تَحجبُنا عن أعينِ الناسِ، كان ملاذنا الآمن.. عالمنا الذي يَكتظُّ بحكاياتِنا الصغيرةِ، وضحكاتِنا البريئةِ.
كيف لي أن أنسى تلكَ الضحكاتِ التي كانتْ تُسابِقُ حكاياتِنا، ولا يُوقِفُها شيءٌ، ووقتَنا الذي لا يخلو من ابتكارِ ألعابٍ لا تنتهي، نَكتشفُ بها عوالمَنا الخاصةَ بين أحضانِ اللقاءِ، وأحلامِنا البسيطةِ، غيرِ المشروطةِ بزمنٍ.
فحين أكونُ معكَ، لا شيءَ آخرَ يعنيني.. الوقتُ يتوقّفُ، كأنَّ الكونَ كلَّهُ يُشارِكُنا أنفاسَنا، يَعيشُ معنا لحظاتِنا كما لو أنّهُ جُزءٌ منّا.
حيث نَعِدُ بعضَنا البعضَ بكلِّ شيءٍ، ولا شيءَ في الوقتِ ذاتهِ!، نَفترقُ ليلًا ثم نعودُ لِنُجدّد وُعودَنا مع كلِّ صباحٍ.
لكنَّ الوقتَ -كما هو حالهُ دائمًاـ يَتسلّلُ من بين أيدينا؛ يتغيّرُ كلُّ شيءٍ.. تَغيبُ أصواتُنا، تَختفي ضحكاتُنا التي كانتْ تملأُ الأرجاءَ، كنتُ أبتعدُ قليلاً، وأنتَ تُراقِبُ بصمتٍ، حتى تَقطّعتْ بنا المسافاتُ، لكنّك لم تَدرِ أبدًا أنني تركتُ لكَ جزءًا مني في هذا المكانِ.
وها أنا اليومَ، أسمعُ تلك الكلماتِ عبرَ الأثيرِ، فأتماهى مع الصوتِ الذي يَنسابُ عبرَ الراديو القديمِ، يُحاوطُني، قاطعًا صدى ضحكاتِنا القديمةِ، مردّدًا:
يا حبيبي كلُّ شيءٍ بقضاءْ
ما بأيدينا خُلقْنا تَعساءْ
ربما تجمعُنا أقدارُنا
ذاتَ يومٍ بعدَ ما عزَّ اللقاءْ
فإذا أنكرَ خِلٌّ خِلَّهُ
وتلاقَيْنا لقاءَ الغرباء
ومضى كلٌّ إلى غايتِهْ
لا تقلْ شِئْنا، فإنَّ الحظَّ شاءْ
تتردّدُ في أُذني كلماتُ الأغنيةِ، فتَغمرُني مشاعرُ متناقضةٌ، بين حزنٍ وفرحٍ.. أتذكّرُ تلك الأيامَ، حين كنّا نَعِدُ بعضَنا بالمستقبلِ المُشرِقِ، بكلّ البساطةِ التي كانتْ تُميّزُنا.. لكن، في الوقتِ نفسهِ، أَشعرُ بغصّةٍ في الحلقِ وانقباضٍ في القلبِ، لأنّني كنتُ أظنُّ أنّ ضحكاتِنا لن تنتهي، وأنّ وُعودَنا ستكونُ دائمةً.
يتوقّفُ الصوتُ، أَنتبهُ لحالي، فلا أجدُ سوى هذا الصدى الذي يتردّدُ في عقلي، تَهتزُّ لهُ ذاكرتي، فلم يتبقَّ لي من أثرِ تلك الأيامِ، سوى صدى الضحكاتِ، الذي يَختبئُ بين ضجيجِ الحياةِ ليربطَني بكَ، وبالماضي.





































