تفاجأ الجميع بسكن "فُتْنَة" في بيت الأستاذ عصام، مثلما فاجأهم من قبل مغادرة زوجته وبيدها بناتها ذات المسكن، وهي التي كانت تقف على بنائه (طوبة طوبة) كلما وصلتها دفعة مالية جديدة من زوجها حين كان مسافراً للعمل بالكويت.
"فتنة" التي سكنت البيت، بعد أن رحلت عن بيت زوجها السابق تاركة فيه عمرها الفائت، ظلت إسمًا على مسمى فهي جميلة بيضاء مربربة تتهافت عليها أنظار الرجال.
كانت النساء قد خرجن من الشبابيك ليتابعن ما يحدث .. قالت إحداهن:
إمتى رجعت الماية لمجاريها؟! وسألت أخرى عن سر الحكاية، فردت عليها :
- أن الأستاذ عصام كان يحبها قبل زواجه من أم بناته، وأن ظروفه المادية هي السبب في رفض أهلها له، وتزوجها المعلم رضا تاجر الخشب .. وأنها لم تطق عشرته وطلبت الطلاق لأنه تزوج عليها بعد أن فقد الأمل في أن تنجب له ولدًا ليرث ماله (المتلتل) أو حتى بنتا ليتشرط على خُطَّابِها.
ردت عليها ثالثة: طالما الحكاية كده يبقى اتجوزها .. الحرباية شالت الجمل بما حمل .. رجالة ما يملا عينها إلا التراب.
قبل أن تبصم "فتنة" على ذيل وثيقة زواجها .. كانت قد اشترطت على عصام أن يكون البيت لها وحدها، فخضع .. ولم تعاتبه أم البنات، لكنها رقدت بحسرتها.
كان الجيران يرون "فتنة" كل يوم وهي تنشر على الأحبال أشكال وألوان من الملابس وقمصان النوم المدندشة، ويتغامزون: خليه يتبسط يومين .. بكرا يفوق ويرجع لأم بناته.
مرت الأشهر .. وعصام لم يفق .. ولم يرجع .. ولم يستجد أمر سوى أن فتنة صارت تمشي في الحارة بسبب وبغير سبب .. وهي تُكَسِّم العباءة على بطنها المنتفخ والعيون تبحلق فيها، تكاد أن تخترق بطنها.
ولما كانت فتنة لم تعدم الوسيلة في معرفة أخبار مطلقها .. فقد علمت أنه طلق زوجته الثانية ويبحث عن ثالثة لتنجب له الولد أو البنت .. فمشت نحو مخزنه، حيث يجلس كصاحب مال على ماله، وحين كانت تمر أمامه وضعت يدها على بطنها وضحكت وهي تنظر للناحية الأخرى؛ فوقع (لَيّ) الشيشة من يده، وزعق في صبي القهوة ليحضر له نارًا وتعميرة بدلاً عن التي انطفأت.
لم تحتمل زوجة الأستاذ عصام غدره بها .. فبعد أن رقدت عاجزة، ماتت بقهرة قلبها، فأراحت واستراحت .. لكن راحته ينغصها ثلاث بنات لا يصح أن يبقين بمفردهن في بيت بلا رجل .. فلم يجد حلاً إلا أن يأخذهن للعيش معه في البيت الجديد .. والذي صار رسميًا بورقة كتبها محامٍ بيت "الست فتنة" بعد أن انتفخ بطنها.
لكن لم تدس قدم أي من بناته سلم البيت .. حيث تكومن في ركن الحوش ينظرن إلى "فتنة" التي تقف أعلى البسطة تحمل بطنها فوق كفيها موجهة حديثها لـ "أبو البنات" لتخيره بين الولد الذي تحمله ببطنها وبين وجودهن معها بالبيت.
أسبوع ثقيل قضاه أبو البنات مترقبًا خروج ابنه من هذا البطن المنتفخ .. وقضته البنات بمفردهن في البيت القديم .. دون أن يدق بابهن أحد .. إلا اليوم .. حيث دخل الأستاذ عصام عليهن متعبًا بعد أن أمضى ليلة عصيبة بالمستشفى حيث وضعت له "فتنة" ابنته الرابعة.