صحيت فجأة ولقيت نفسي بمسك سكِّين وغرقانة في الدَّم جوا مكان أول مرة أشوفه، كان عبارة عن إسطبل خيل أو كدا أتهيَّألي لأول مرة.
رميت السكينة بسرعة وأنا خايفة وبرجف من منظر بركة الدَّم اللي كانت جنبي، مش عارفة إيه اللي جابني لحد هنا أو ايه اللي حصل الليلة الماضية بعد ما رجعت للشقَّة.
قومت من مكاني وأنا بتمايل ودماغي مصدَّعة ومش شايفة قُدَّامي، لكن فجأة وقعت على الأرض بعد ما إتصدمت بحاجة صلبة وقعت عليها، ودا اللي خلاني أصرخ بصوت عالي وعيوني مش مصدقة اللي شايفاه قُدامي، كانت جُثَّة ومش لأي حد للمُدعي العام اللي كان ساكن معانا بنفس العمارة.
كانت الأحداث بتتسابق لدرجة إني ما قدرتش أفوق لنفسي إلا وأنا في غرفة التحقيق وبيوجهولي أسئلة ماعنديش أيِّ إجابة أو تفسير عنها.
هحكيلكم قصِّتي من البداية، أنا نيرمين إتربيت زي أي بنت عايشة بأطراف مصر في أسرة على قد الحال وعفيفة، وزي إي بنت بيتقدملها العرسان إتجوزت بعد ما خدت الشهادة الثانوية، وكانت فرحة أهلي هي إن العريس كان من عيلة غنيِّة ابن حسب ونسب وكمان باش مُهندس، مافيش إيِّ حاجة مش طبيعية وحياتي كانت روتينية جدًّا،كان عندنا صحاب كتير وبنقضي سهرات معاهم ومنهم المُدعي العام جارنا في الدور الخامس الأستاذ عبد الرحمن.
سألني الضابط بمنتهى القسوة والعُنف:
- الجريمة باينة وواضحة زي الشمس إنتِ اللي قتلتي المُدَّعي العام ودا موجود عندنا بالإثباتات والدلائل عدا عن وجودك جوا ساحة الجريمة، علشان كدا اعترفي لوحدك ووفري علينا جهد وتعب.
كنت برُدِّ عليه وأنا بعيط جامد وصوتي بيختفي وبيرجع بحروف وشفايف بترجِّف وأنا مش عارفة أمسك أو أضبط نفسي:
- يا حضرة الضابط الله يبارك فيك والله ماعرفش حاجة ولا قتلت حد ولا عارفة أنا إزاي وصلت لهناك أنا خرجت من حفلة راس السنة مع جوزي ورجعنا للشقَّة قبل المُدَّعي بثلاث ساعة أو أكتر كمان، أرجوك صدقني وأنا هقتله ليه عملي إيه؟!
غطِّيت وشي بإيديا وأنا مُنهارة على الآخر، جريمة قتل وأدلة وأنا موجودة هناك لسة!!
- أنتِ شكلك مش هتعترفي قبل ما تتعبينا معاكِ و...
فجأة إفتكرت فيلم شوفته قبل كده بيقول فيه البطل أنا مش هتكلم عايز محامي ودا حقِّي،لقيتني ببُصِّ عليه وبقوله:
- أنا مش هتكلم أكتر من كدا علشان أنا بريئة وعايزة محامي دلوقتي علشان دا حقِّي..
- يعني بتستخدمي حق الصمت وعايزة محامي وعايزاني أصدقك وصدق كذبك اللي مش بيدخل بالعقل، ماشي ومين المحامي بتاعك؟!
رديت بسرعة ومن غير أي تفكير:
- المحامي عبد الكريم..
بص لي الضابط وبعدها ضحك ضحكة مافهمتش المغزى منها وقلي :
- دا قرارك طبعاً هابعتلك وراه.
سابني وطلع من غرفة التحقيق،بعد دقيقتين جت شرطية ونزلتني للسجن لتحت، وحمدت ربنا إنه مافيش موقوفين أو ناس مجرمين.
كُنت قعدة على الأرض وأنا بفتكر أحداث الليلة الماضية، الكل في الحفلة مبسوطين وبيحتفلوا مافيش حاجة مُلفتة أو غريبة، قطع سلسلة أفكاري صوت الباب بيتفتح وبينادوا عليَّا باسمي
- نيرمين المحامي وصل!
قومت من مكاني ومسكت نفسي عُقبال ما شوفه المحامي ده كان صديق لجوزي وهو من أشطر المحامين هنا في مصر، ويمكن دا اللي خلاني مِطمنة شوية.
دخلوني مرة تانية لغرفة التحقيق، وبصيت للراجل اللي كان موجود، باين عليه عمره خمسين أو أكتر وكمان قُصيَّر حبتين وليه كرش كبير قُدامه، ومعاه شنطة تحسَّها للسفر أكتر مما تكون لايقة لمحامي، لقيتني ببص للبوليس من ورايا وبقوله:
- أكيد في لغبطة دا مش المحامي بتاعي، المحامي دا أول مرة أشوفه؟!
سمعني الراجل اللي جوا ونده عليَّا ودا خلاني أدخل لجوا وأعد معاه.
كنت بتأمل كل حاجة فيه وأنا مستغربة، أنا إزاي أوثق فيه، وفين جوزي والمحامي معقول إنه لحد دلوقتي ماعرفش باللي حصل معايا أو إنَّه مش بيدوَّرعليا.
- شوفي يا بنتي أنا عارف إنِّك بتنتظري حد تاني خالص، أنا المحامي فراس وهقولك أنه للأسف الحد اللي مفتكراه جه تحديداً ماقبلش يستلم قضيتك علشان هي مُعقدة، خلينا نبتدي من الأول لو كنت عايزة أبقى المحامي بتاعك ؟!
لقيتني بسلم أمري لله وبقوله إني موافقة على الموضوع.
- أنتِ بتعرفي المدعي العام من إيمتى وفين؟!
- من بعد ما سكنت في العمارة أنا و جوزي،هو جارنا في الدور الخامس.
- طيب تمام وقوليلي بينكم فيه خلافات؟!
فجأة رجعت بيا الذاكرة لليوم اللي شُفت فيه المدعي العام هو راجل في الأربعين و زوجته بالثلاثين،عندهم ولدين في الثانوي علشان متجوزين بدري أوي، كنت بشوف مراته بتلبس أحلى اللبس وبتحط أغلى البارفانات،واستغربت أوي علشان شغلانة الوظيفة الحكومية مابتطلعش مبالغ كبيرة على قد مصروفهم اللي بنشوفه،بس بعدين عرفت من جوزي إنه مراته من عائلة غنيِّة واتجوزه عن حب.
كان جوزي يحكيلي دايمًا عن مواصفاتها القياسية ورشاقتها وزوقها في الاتيكيت و ٱإنها ست بيت مُنعمة على عكس جوزها، وكنت بحس إنه الكلام ده طعن بيا علشان أنا بنت ناس على قد الحال وما بعرفش أتصرف زيها!!
هزِّني المحامي من إيدي وقلي بجدية:
- إييه افتكرتي حاجة ؟!
- لا أبدًا بس أنا عيَّانة هيحصل ايه دلوقتي؟!
لقيته بيقولي بثقة:
- أنا تصرفت قبل ما آجي لحد هنا وعرفت إنُّه مالكيش بصمات على السكين أو الجثة وطلبت منهم إنه يفرجوا عنك وبتابع بوراق الخروج،ودي تنحسب نقطة لصالحك، بس هيكون عليكي ما تخرجيش برا المنطقة و..
قطعت كلامه وأنا بحالة صدمة:
- بس ازاي وأنا كنت ماسكة السكين و وقعت على الجثة وازاي هم قالولي...
لقيته بيحط إيده على بوقي وبيقولي:
- أولاًإحمدي ربنا إنها جت في السليم ومالكيش بصمات، وكمان حاولي إنك تبقي قوية و ما تخليش حد يخليك تصدقي إنك عملتي حاجة إنتِ بريئة منها ماشي؟!
هزيت براسي وسكت شوية قبل ما سأله:
- طيب وهنعمل ايه دلوقتي؟!
- اللي هيحصل دلوقتي، أنني هروَّح أكمل أوراق خروجك بعديها آجيلك قبل انتهاء الدوام، وافتكري مش لازم تنطقي بحاجة وإلا وأنا موجود تمام؟!
- تمام.
خرج وسابني بس بعد ما طمني ورجعوني للسجن اللي تحت تاني، بس المرة دي وأنا حاسة بشوية راحة،الحمدلله على الأقل هقدر أخرج من الكابوس ده، بس فين حسن من كل اللي بيحصل دا؟!
قررت إني أهدى لحد ما خرج بعدين أشوف ايه اللي بيحصل برا، ويمكن ألاقي تفسير منطقي لغيابه عني.
وبالفعل جه المحامي وخرجني قبل نهاية الدوام،وطلبت منه إنه يوصلني لحد باب العُمارة، في البداية كان هيرفض وقلي ايه رأيك تروحي بيت أهلك؟!
بس إصراري إني أروح لبيتي خلاه يوصلني لهناك.
المفاجأة التانية إني لما وصلت لقيت حماتي وحماية عندنا في البيت مع جوزي وبيستنوني لحد ما آجي.
- حسن هو أنت هنا وأنا جوا الكابوس دا؟!
كان آعد وساكت ووشه مقلوب زي ما يكون شايف عفريت وأهلوا بيبصوا عليه.
- حسن أنت عرفت إنه لبسوني قضية قتل جارنا؟!
- لبسوكي؟!
- تقصد إيه يا حسن آه طبعًا وأنا ليه أقتله؟!
- مش عارف دا السؤال اللي كنت عايزك تجاوبي عليه.
- شوفي يا بنت الناس ما يلزمنيش أعيش حياتي مع مجرمة، صحيح أنا عينت ليكي محامي بس علشان أنا ابن ناس، بس دا ما يعنيش إنك تدخلي البيت دا تاني،اخرجي برا وهدومك وحاجاتك بقوا عند أهلك،بالسلامة يلا...
لقيت نفسي برا البيت خرجت مرة تانية مع المحامي وأنا مصدومة، بس قلت لازم أنزل وآخد بخاطر مرات المقتول قبل مامشي ولحسن حظي لقيت الباب مفتوح والناس جوا الشقة، دخلت الشقَّة وأنا بدور عليها وبسأل الناس:
- سهيلة هانم هنا؟!
- هو أنت قتلتي القتيل وجاية تمشي بجنازته اطلعي برا الشقة بتاعتي...
كانت بتعيَّط وبتصرخ بكل قوتها وهي ومنهارة،وده اللي خلاني أجري بسرعة برا الشقة لحد ما وصلت باب العمارة وأنا بجري بسرعة،وقفت آخد نفسي بصعوبة وأنا بفكر إزاي هوصل دلوقتي لأهلي، لقيت المحامي بيستناني برا جنب عربيته.
طلعت معاه من سُكات وهو برضو كان بيسوق وهو ساكت، وصلني لحد باب عمارة أهلي وقلي قبل ما نزل:
- هشوفك بكرا الساعة خمسة العصر عندكم، روحي ارتاحي و بعديها هنفكر مع بعض.
- اللي تشوفه حضرتك..
نزلت من العربية ودخلت لبيتنا، كان أهلي عندهم فكرة مُسبقة عن الموضوع واللي بيحصل، وحمدت ربنا إني مخلوقة وسط عيلة حنينة.
بس أكيد مش هرتاح، علشان كدا خدت دوش سريع وأعدت أكتب وأفتكر كل حاجة ممكن أعرفها عن الموضوع.
- تم تنظيم حفلة رأس السنة من قبل ثلاث أشخاص اللي هم زوجة المدعي و زوجة زميل حسن الباش مهندس علاء و جارتنا زوجة المحامي عبدالكريم اللي رفض يستلم القضية، وعرفنا بعدين بمكان الحفل لما جت الدعوة لينا.
ماعتقدش إنه في حاجة من الحفلة أو منظمين الحفل هم صحاب أوي.
افتكرت فجأة إنه المدعي العام ممكن يكون في ليه
أعداء من وسط عمله علشان هو بيكشف قضايا وبلاوي زرقة.
سكرت اللاب وقعدت اقرأ شوية قرآن ونُمت وأنا بفكر بالموضوع، وفي اليوم التاني جه المحامي على الوقت المُحدد ومعاه ملف كبير.
-عاوز أسألك سؤال محدد أنت فاكرة آخر حاجة حصلت معاكِ قبل ما يُغمى عليكي؟!
- حضرتك أنا نمت عادي بعد ما رجعت للشقَّة مع جوزي و فاكرة النقطة دي تحديداً علشان روحنا شربنا عصير مانجو ع النيل وبعديها رجعنا مع بعض وكُنا مبسوطين.
- طيب وكان في حاجة مديقاكي أو في صداع جوا دماغك؟!
- صداع عادي جدا أول ما بتدت الحفلة، ليه ؟!
- علشان بكرا هتروحي و نعمل تحاليل للدم إذا كان في سم أو دوا منوم أو مخدر في دمك علشان بيقول جوزك إنِّك أغمي عليك وخدك للبيت وبعديها فقدك فجأة وابتدا يدوَّر عليك.
إتخضيت فجأة وأنا بسمع الكلام الغريب، علشان أنا فاكرة كويس إنه محصلش حاجة من اللي تقالت، ولو حصل كنت هفتكر إنه أغمى عليا جوا الحفل، إنما أفتكر أحداث ما حصلتش أساسًا!!
حسِّيت بوجع جوا دماغي خلاني أحط إيدي على مؤخرة راسي وأنا بتأوه، لقيت المحامي بيقوم لعندي وهو بيقول:
- طب ممكن أشوف راسك بعد إذنك طبعًا.
- آه مافيش مشكلة.
حط إيده على منطقة الألم لقيتني بتوجع أكتر من قبل، بعد عني وهو بيقول:
- هو أنت مالحظتيش وجود جرح خبطة في دماغك؟!
- بصراحة لأ، وكمان افتكرت أنه ده وجع طبيعي علشان بقالي فترة شهور دماغي بتوجعني وقلي الدكتور دا بسبب الشقيقة.
- طيب وكان عندك شقيقة ؟!
- آه من وقت كنت صغيرة.
- تمام مافيش مشكلة، بكرا تروحي تحللي دم في المركز دا تحديداً.
سلمني ورقة عليها عنوان بخط مرتب، وكمل كلامه :
- شوفي يا بنتي وضعك صعب أوي علشان كده لازم نتعاون مع بعض ونلاقي الفاعل قبل الجلسة ونكشف كل حاجة قُدام القضاء، علشان كده أنتِ هتساعديني بجلب المعلومات لدور على أدلة جديدة توجهنا للفاعل الحقيقي، ومهمتك إنك تاخدي الآلة دي وتسجلي كل اللي بتسمعيه وتجيبيه لحد عندي واضح؟!
- بس أنا إزاي هاخد لمعلومات هم ازاي هيدوني و...
- الموضوع سهل جدًا أنت هتروحي زيارات عادية وكأنك بتطمني على الشخص دا وتاخدي وتدي معاه بالكلام من غير ما تحسسيه أنه دا تحقيق، وخلي الآلة جوا شنطتك شغالة أو ما توصلي لحد باب البيت اللي هتدخلي ولما توصلي بيتك وقفيها، كدا بقيت سهلة صح؟!
- تمام، بس مين هما الأشخاص اللي هروحلهم؟!
- أول حد هتروحيله هي أم المدعي العام، وساكنة في العمارة التالتة بنفس الحي، ودا رقمها.
مسكت الرقم وسجلته في الفون بتاعي، وسمعت التعليمات بتركيز علشان أعرف إزاي أتصرف وأتكلم معاها، وبعدها سابني وهو بيقولي:
- افتكري يا نيرمين إنك هتتعبي دلوقتي علشان توصلي للحقيقة بعدين، ارتاحي كويس النهاردة علشان بكرا عندك شغل كتير، ربنا يعينك.
وبالفعل ابتدت مهمتي بأني أتصل عليها واخد موعد منها للزيارة وكانت في منتهى الزوق وهي بتكلمني، وارتحت وأنا بفكر إزاي هتكلم معاها و اللي هيحصل لو طردتني بعد ما تعرف إني المُتهمة.
كنت بفكر بقلق وخوف لحد تاني يوم ما روحت ووصلت لباب شقتها، كانت ست كبيرة في العمر دخلتني بالكلام اللطيف وهي بتبتسم ليا بحب وبتاخدني لصالة الضيوف.
سألتها بعفوية أول ما قعدت على الكنبة:
- حضرتك تعرفي مين أنا؟!
لقيتها سكتت ودمعت عينيها غصب عنها ومسحتها بسرعة وهي بتقول:
- ابني الله يرحمه علمني إنه كل متهم بريء حتى تثبت إدانته، وانت يا بنتي باين عليك بنت غلبانة وما لكيش بالسكك دي، مش زي مرات ابني اللي لو هي اللي اتوجهتلها الاتهامات مش هتصدم أبداً.
- تقصدي مرات المدعي الله يرحمه؟!
- آه يا بنتي وأنا ماليش حيلته راجل بعد أبوه الله يرحمه...
- ممكن أسألك سؤال؟!
- اتفضلي يا بنتي.
- هو مرات المدعي و المدعي كان بينهم خلاف لا سمح الله..
- قولي خلافات و خناقات، هي حد ما يعرفش حق من باطل ولا تعرف تحلل ولا تحرَّم، وكانت دايماً بتحاول تضغط عليه يقبل رشاوي و أموال من ناس فاسدين زي أبوها الوسخ.
- وهو قبل؟!
- لأ طبعاً ابني ما بيمدش ايده للحرام ولا عمره فحياته عملها.
- طب وحصل ايه؟!
- مش عارفة يا بنتي بس في الفترة الأخيرة كان في خلاف كبير بينه وبين مراته علشان مشروع أبوها اللي توقف في المحاكم، وكان عاوز يديله شركة لو هو قبل يمشي القضية..
- طيب يا حاجة وحصل ايه؟!
- ماعرفش حاجة بس أعتقد إنه ما قبلش الموضوع ، والنتيجة قُدامك أهو، أنا قولت للبوليس إنه مراته قتلته بس ما حدش سمع كلامي، تشربي ليمون معايا؟!
- آه شكرًا.
شربت الليمون ورجعت البيت وأنا بشعر إنه معايا دليل قوي وهيحل المشكلة خلاص وكنت فرحانة أوي وأنا بتصل على المحامي وبحكيله، لحد ما فشلني وهو بيغمغم وبيقول بصوت رتيب:
- برافو يا نيرمين، انجزتي أول مهمة بس القريبين مالهمش أي شهادة وخصوصاً الأم علشان كده لازم تروحي لعند الشخص التاني واللي هو شقيقة مراته هند وهي ساكنة في المكان اللي هبعتهولك على الموبايل، ومافيش داعي تاخدي موعد هي ست بتشتغل من البيت والأفضل تروحيلها بدون سابق إنذار وحاولي تخليها تتكلم معاكي، وقفل الخط.
زفرت بملل وأنا بقول شكلي لسة في أول الطريق وقدامي شغل طويل ومرهق، علشان كده قعدت اتفرج على المسلسل مع أمي وأنا بفكر في السبب اللي هيخلي أخت الإنسانة اللي طردتني من بيتها تتكلم معايا، والسؤال دا تحديداً اختفى أول ما شوف المكان اللي ساكنة فيه هند وهو عبارة عن حي أبسط من اللي إحنا ساكنين فيه، ودا اللي خلاني استغرب مع إنه أبوها ملياردير وقادرة تعيش في قصر.
وصلت للعمارة ورنيت الجرس وارتحت شوية، فتحتلي الباب وشهقت وهي بتقولي:
- أكيد أختي بعتتك مش عايزة أتكلم...
ومسكت الباب وكانت هتقفله لولا إني قولتلها بسرعة:
- ماحدش بعتني انا جيت لوحدي ممكن نتكلم شوية؟!
- واحنا هنتكلم عن ايه أن شاء الله ؟!
- عنك.
- ويهمك في ايه؟!
- ازاي بنت ملياردير وساكنة في الحي الفقير دا، وسمعت بالخلاف اللي بينك وبين أختك، انا كمان طردتني من بيتها..
لقيتها فتحت الباب وبعدت علشان أدخل،وده يعني قبولها أنها تتكلم معايا، علشان كدا ارتحت وفوت بسرعة، بس لازم مانفعلش وأتكلم بتفكير وتركيز.
قعدنا في الصالة وكانت صغيرة على فرش بسيط وأنا بقول:
- هو أنت متجوزة من وقت طويل؟!
- لا يا حسرة بس حبيت ووقعت ع دماغي وده آخرة اللي حصل معايا أهلي ما عترفوش بيا زي الهانم وبسبب مكرها وكدبها، وكمان طردتني من بيتها يوم ما روحت أعزيها.
- معقولة طب ليه عملت كدا؟!
- علشان أنا اكتشفت إنه ليها علاقة تانية مع شخص غير جوزها وهددتها إني أقوله وهي من وقتها اتغاظت مني وبتعمل فيا الهوايل، أقول ايه بس.
- معقولة؟!
- زي ما بقولك، وأنت ماقولتليش عن سبب زيارتك ليا؟!
- لا أبدًا بس كنت عاوزة اسألك لو كنت في حفلة راس السنة، علشان وزعنا بارفان و حبيت اعرف رأيك في الموضوع؟!
- بس كدا؟! كنت اسألي في الفون...
لقيتها بتقوم وبتعمل اي حاجة وكأنها كانت بتهرب من حاجة مُعيَّنة أو من الإجابة عن السؤال.
- شوفي مع إني مش مجبورة أجاوب، بس لأ ما حضرتش الحفلة دي بالذات، في حاجة تانية ؟!
خرجت من عندها بعد ما سرَّعت بخروجي من بيتها بعد ما سمعت بالبارفان والحفلة اللي سبقت الجريمة.
لقيتني بتِّصل على المحامي وبقله:
- آه شوفت البارافان وكانت مخبياه جوا، بس ماخليتهاش تنتبه عليَّا.
طبعًا كان المحامي مفهمني على الكلام اللي بقوله بالحرف الواحد.
بعدت عن باب الشقَّة وأنا بتأكد من إنَّها بتتسمَّع عليَّا وقولت وكأني بحاذر ع كلامي:
- آه حضرتك أنا متأكدة إنها بتعرف حاجة عن الجريمة أو ليها يد فيها، علشان في غل وحرب بينها و بين أختها، ولما سألتها عن يوم الحفلة بانت وكأنه لابسها عفريت.
وطلعت لبرا وقفت بمكان بعيد عن العمارة براقب لو هتتحرك ولا هيكون الموضوع بلح.
ابتديت أحس بالملل لولا إنَّها بعد ساعة بالضبط طلعت ملهوجة ومخنوقة، بتمشي وهي مش شايفة قودامها من كتر القلق والخوف.
مشيت وراها من غير ما تشوفني لحد ما وصلت كافيه وقعدت على التربيزة اللي وراها بعد ما شوفتها قعدت مع راجل غريب، كانت بتتكلم وهي بترجف من الخوف بكلام مافهمتش تقصد بي ايه فكانت بتقول:
- إيه يا عبدوا ولو البوليس افتكر أني ليا علاقة بالحريمة، ولو الست سهيلة قالت إني هددتها وجوزها بالقتل يوم الحفلة، هيحصل ايه ؟!
أنا قولتلك خوفه ودب الرعب فيه مش تقتله!!
- أنا هدتته وبس. قال الراجل وهو بيعيط عليها وكأنه اللي بيعمله حاجة روتينية بتتتعمل كل يوم.
- وهو خاف وقلي هعمل كل اللي عاوزه ومشي..
- يعني مش أنت اللي قتلته؟! سألت الست بسذاجة.
- لأ مش أنا وما تتصليش بيا بعدين، علشان هتلبسينا قضية مالنا حاجة في أمها، ماشي؟!
قومت من عالتربيزة ورجعت البيت بسرعة وأنا مش ببص ورايا خالص، مش علشان ماحدش ينتبه إني كنت بتسمَّع عليهم، بس علشان طلعت القضيَّة أكبر وأعقد من اللي كونت بتخيله.
يعني الاستاذ عبد الرحمن طلع عنده أعداء كتير وأنا فاكراهم كلهم صحابوا.
حسيت بدماغي مصدَّعة بزيادة، وكأنه في حد خابطني عليها، علشان كدا خدت دوش ودخلت أوضة النوم وارتميت فوق السرير أفكر بإيه اللي ممكن يحصل بالقضية دي، والحمدلله إنه جتلي الإجابة لحد عندي ببرائتي التامَّة من الجريمة.
اتصل المحامي وهو فرحان وبيقولي:
- جهزي نفسك يا نيرمين النيابة طلعت فيديو كاميرة المراقبة بتاع العمارة هنروح للشرطة ونشوفه مع بعض.
قومت بسرعة وغيرت هدومي، وأنا بعد الساعات بقلق وخوف لحد ما وصلنا لهناك، والحمدلله بانت الحقيقة.
الفيديو كان بيوضح إنه في راجل كان حاطت على وشه قناع حاملني وأنا مُغمى عليا ودخلني عربية سودا كبيرة وده قبل الجريمة بنص ساعة، وكمان الدليل كان بيفسر سبب وجودي بساحة الجريمة.
بصيت للمحامي وقلتله بسرعة:
- يعني الدليل بينفي أنه أنا القاتلة؟!
- آه وخصوصاً إنه طلبت يشوفه التقرير الطبي بتاعك واللي بيأكد إنك أكلتي ضربة على دماغك خلتك تغيبي عن الوعي.
- بس معقول يكون الشخص دا نفسه القاتل؟!
- آه طبعاً، بس الغريب إنه الكاميرات خدت ليه فيديو وهو خارج وبيحملك بس مافيش فيديو بيخلينا نعرف أنه هو نفسه وهو داخل.
- يعني ايه الكلام ده ؟!
- يعني القاتل يا إما ساكن بالعمارة أو حد من القرايبين والصُحاب.
- وأنا أعمل ايه دلوقتي؟!
- لا يا نيرمين، مهمتك خلصت خلاص وبرائتك وخدتيها، عايزة ايه تاني؟!
- عايزة أساعد العدالة لو سمحت.
- العدالة هتاخد مجراها اتأكدي من دا، بس لو مُصرَّة إحكيلي عن سُكَّان العُمارة.
وابتديت احكيله عن سُكان العمارة زي ما بعرفهم بالضبط.
- العمارة عبارة عن ٧ شقق بكل دور شقة واحدة، يعني النظام القديم، وكان احنا اللي ساكنين في الدور السابع، والاستاذ عبدالرحمن في الخامس، وفي الدور السادس المحامي عبدالكريم..
- اللي افتكرتيه جاية بدالي؟!
- آه هو.
- كملي...
- في الدور الأول والثاني عيلة جوزي حسن، وفي الثالث زميل جوزي في الشغل، والرابع ساكن فيه راجل غريب مأجره من حوالي شهر ما نعرفش عنه حاجة.
- تعرفي حاجة عن علاقة المرحوم بالجيران.
- علاقة ودية، بس من فترة قريبة سمعت نقاش حاد بين المدعي العام والمحامي على قضية كان المحامي ماسكها و المدعي بيهددوا أو كدا اتهيألي.
- وسألتي عن الموضوع ؟!
- يومها سألت جوزي عن السبب الي خلا المحامي يروح يكلم المدعي بخصوص القضية بس قلي مالناش دعوة بشغلهم وسكر على الموضوع.
- اممم
- وهنعمل ايه حضرتك دلوقتي..
- القضية أكبر من إنه تتحل بسهولة.
- طب ممكن اقترح حاجة ؟!
- ايه.
- في عندي فكرة لو ما حدش عرف الفيديو.
- ايه هي ؟!
- انا شوفت حاجة عن القضايا في المسلسلات الوثائقية علشان يوقعوا القاتل، هقولك عليها لو قبلت تمام، لو لأ هفكر بحاجة تانية.
- طيب قولي.
و قلتله على الفكرة الجهنمية اللي خطرت في بالي، لقيته بيبتسم وبيهز راسه وبيقولي تمام يا نيرمين، بس مش هخاطر بحياتك.
- حضرتك سيب الموضوع عليا أنا لو سمحت.
روحت البيت وهيأت نفسي معنويًا وحكيت لأهلي على اللي حصل، طبعاً هم اتبسطوا خالص لما عرفوا ببرائتي وخافوا عليا بنفس الوقت علشان شايفني ضعيفة.
وخدت نفسي وروحت لعمارة جوزي، طلعت الدرج وأنا عاملة نفسي بتكلم مع المحامي:
- آه حضرتك أنا خلاص هروح لعند المحامي بتاع جوزي و أحاول أوكله متشكرة، لحد ما وصلت الدور الخامس، وقولت بصوت عالي، أنا شوفت لون روج أحمر على قميص حسن زي اللي بتحطه سهيلة وهفضحهم دلوقتي، كملت لحد الدور السادس سكت شوية وعملت نفسي بقفل المكالمة وأنا بقول:
- الحمدلله إنه الشرطة شافت نمرة العربية وعرفوا الجاني، يعني معقولة يكون هو؟!
طب إزاي عملها دا داهية كبيرة، وكملت للدور السابع لحد شقة جوزي، وسبت ورقة مكتوب عليها.
- هتندم على اللي عملته!!
ورجعت لشقة أهلي وأنا خلاص مهمتي خلاص انتهت.
وخبرت المحامي باللي عملته خطوة بخطوة وريحني لما قلي الشرطة بقت بتراقب الوضع وان شاء الله شغلك ما يطلعش بدون فايدة..
كانت العمارة هادية لحد الساعة ٣ بالليل، قبل ما شوف رقم حسن بيتصل عليا بالوقت المتأخر دا:
- حسن، في حاجة ؟!
- أنت جيتي للعمارة النهارده؟!
- لأ هجي ليه مثلا علشان هتطلقني؟!
- في حد بيهددني بكلام غريب...
- وأنت عامل حاجة يعني؟!
- خلينا نشوف بعض ونتكلم..
- هو انت مش شايف الساعة كام دلوقتي؟!
- هجي أخدك مانتي مراتي ولا نسيتي، بعدين أنا مشتاق ليكي موت..
طلعت لقيت أمي وأبي آعدين في الصالة بيقرأوا القرآن، ولقيت دي فرصة اتكلم معاهم وقولهم على اللي حصل، وفعلاً قولتلهم كل اللي حصل بالحرف الواحد، طبطب والدي على كتفي وقلي :
- اللي تشوفيه يا بنتي لو عايزة ترجعي لجوزك دا حقك.
جهزت نفسي علشان أخرج معه ونسيت كلام المحامي واللي حصل، في النهاية الكلام اللي كنت بقوله كان من دماغي واختراعي، وأكيد مافيش حاجة من اللي قولتها صح.
جه حسن بعربيته وكان ماسك ورد أحمر وخدني بالحضن وهو عينيه كلها شوق، سلمنا على أهلي وروحنا شقتنا، ما كنتش حاسة بإنه في حاجة غلط أو مش طبيعية، لحد ما وصلنا الشقة واتقفل الباب علينا، لقيته فجأة إتحول وخبطني بإيده جامد على وشي ونزل الدم من بوقي، وهو بيقولي:
- مش هسمحلك تبوظي اللي ابتدينا فيه يا هانم، هو أنت فاكرة نفسك ناصحة؟!
- يعني ايه أنت وسهيلة...
- وانت مالك بشغل البوليس عاملالي فيها المحقق كونان و بدوري على الحقيقة يا شاطرة...
اللي حصل أكبر من دماغك، فاهمة ؟!
مسكني من ايديا ودخلني اوضة النوم وقفل الباب عليا وهو بيقولي:
- ما تحاوليش علشان ما حدش هيساعدك، واضح؟!
قعدت فوق السرير وأنا بعيط فعلاً أنا كنت عبيطة، مانا كنت في النهار بعمل فيلم طويل عريض، ازاي ما نتبهتش للموضوع دا وإنه في حاجة غلط.
صحيت تاني يوم وهو بيرش عليا مي باردة خلتني أشهق بكل قوتي.
- فاكرة نفسك برنسيسة، تركتك بالليل علشان تفكري مش علشان تنامي، قومي وحكيلي اللي بتعرفيه بالضبط.
فضلت آعدة ومتنحة وراسي على الأرض، مش عارفة هيعمل فيا ايه ولا هيحصل ايه وانا في الأصل كان الموضوع عبارة عن استدراج للقاتل وماعرفش حاجة عن اللي حصل، بس يا ترى الشرطة ماشفتنيش وأنا داخلة معقولة راحوا.
حسيت للحظة أنه كان بيقرأ أفكاري بعد ما قلي:
- الشرطة راحت الساعة تلاتة بالليل لما شوفتهم عرفت امشيهم من سُكات، ايه هتحكي ولا أستخدم أسلوب تاني؟!
دورت وشي للناحية التانية وبقيت ساكتة، ودا خلاه يتعصب، ضرب ايده على الباب وخرج لبرا وهوبيتكلم بلغة تانية، ورجع مرة تانية وقلي:
- قومي جهزي نفسك علشان خارجين برا يلا...
طلع وقعد في الصالون، أما أنا فغيرت همومي وطلعت لقيته واقف عند الباب، ولما قربت قلي بصوت واطي:
- هنخرج برا العمارة بهدوء وبدون ما تحسسيه حد انك خارجة من غير إرادة منك فاهمة ؟!
هزيت بالموافقة وأنا ببلع ريقي بصعوبة من الشرر اللي يشوفه بعنيه لأول مرة.
كان بيسوق العربية من سُكات وأنا قعدة جنبه، طبع لمكان برا المدينة، وكانت الريحة بترجع ليا احداث صارت معايا بس مش فكراها، لحد ما وصلنا لمكان زي ما يكون اسطبل خيل، افتكرت ريحة المكان والجو العام اللي كنت فيه يوم الجريمة.
مسكني من ايد