ما أجملَ اللحظات التي نتعايش فيها مع الطبيعة الخلابة، ونتفاعل مع نغماتها الساحرة، ونرتشف نسماتها العاطرة، وتتجول الروح بخواطرها في معينها الصافي وتستلهم منها الرسائل التي تُعينها على العيش في هدوء واستقرار.
ولعل من أبرز عناصر هذا الكون البديع والذي جدير بالتأمل في أسراره والاقتباس من خيراته هو «البحر»، ذلك العالم المكنون بالخيرات والبركات والفوائد والثمرات.
البحر الذي يضم في جوفه اللآلئ والمراجين، والأسماك والطحالب، والإسفنج، والشعب المرجانية، والملح، و......
ولكل عنصر من تلك العناصر معاني جليلة في نفسي حين أتأملها بذهن صافٍ وأعصاب هادئة.
👈 ففي اللآلئ والمراجين معنى «النفاسة والندارة والقيمة والانفراد».
وكأنها رسالة من جوف البحر للإنسان ألا تضم في جوفك إلا أنفس المشاعر وأنبل الأخلاق وألا تجمع في عقلك سوى أثمن الأفكار وأجود الاعتقاد.
👈 وفي الشعاب المرجانية معنى «الاحتواء»؛ إذ إنها ملاذ وملجأ للعديد من الكائنات البحرية.
وكأن البحر يدعونا إلى احتواء بعضنا لبعض، يدعونا أن نكون ملجأ للمحتاجين وملاذًا للمنكسرين وآمانا للمروَّعين ودرعًا للضعفاء والخائفين.
👈 وفي الكائنات البحرية معنى «الإطعام»، إذ سخرها الله لنا لنأكلها ونتغذى عليها، قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمۡ صَیۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَـٰعࣰا لَّكُمۡ﴾ [المائدة ٩٦]
وهو معنى جميل ما أحوجنا إليه في هذه المرحلة التي كثُر فيها المساكين ومَن يحتاجون للغذاء والشراب؛ أن نطعمهم من جوع ونسقيهم من ظمأ؛ لنسد رَمَقَهم ونُطفئ حَرَقَهم.
👈 وفي ألوان الأسماك وأشكالها البديعة وأحجامها المختلفة معنى «الاختلاف والتمايز»، وهو من المعاني التي بلغت مبلغ السنة الكونية التي لو فهمها الناس وآمنوا بحكمة الله فيها؛ لعاشوا في منتهى الرضا والسعادة والارتياح.
👈 وفي الطحالب معنى «التكافل والتضحية» فهي الغذاء الرئيس للأسماك، تنمو وتكبر لتقدم نفسها على طبق من حبٍ وتفانِ للكائنات البحرية الأخرى.
👈 أما عن الماء ففيه معنى «الحياة والإحياء»، فهو شريان الحياة لكل الكائنات الحية، كما قال ربنا سبحانه: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّۚ أَفَلَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [الأنبياء ٣٠]
فليكن للإنسان منه نصيب في إحياء العقول والقلوب والمشاعر، وإحياء الكون كله بالحب والعلم والعمل والتفاني والإبداع.
👈 إنه البحر الذي يحمل في مجمله معنى «النفع»، فكل شيء فيه منفعة للناس والدواب والحياة، قال تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِی سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُوا۟ مِنۡهُ لَحۡمࣰا طَرِیࣰّا وَتَسۡتَخۡرِجُوا۟ مِنۡهُ حِلۡیَةࣰ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِیهِ وَلِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [النحل ١٤]
فاللهم لك الحمد والشكر يا ربنا على هذه النِعَم الجليلة حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وكريم شانك.