الناجون ليسوا بخير
أولئك الذين خرجوا من الحريق
خفيفةً أرواحُهم لدرجة فاضحة؛
خفيفين، كأن النار التهمت
الجزء الوحيد الذي كان يُبقيهم بشرًا
لم يحملوا رمادهم معهم
تركوه هناك يتلوّى مثل حبيب مهجور
وتركوا أصواتهم تحترق حتى صارت صراخًا بلا فم
عادوا بأجساد تعرف الطريق
بينما تمشي كمقهورٍ
انتُزعت منه آخر شهوة للبقاء
لكن به لعنة تواصل السير
الناجون يتنفسون بحذر
لا، ليس حذرًا
بل خوفًا فاحشًا؛
يخافون أن يعضّ الهواء رئاتهم
يضحكون
ضحكًا هشًا
وقحًا
يشبه صفعة
كأنهم يختبرون إن كان قد بقيَ
في الصدر مكانٌ لحياة لم تعد ترغب بهم؟
الناجون يقفون كشجرة لم تسقط
تهتز كل مساء
كجسد نجا صدفة
تعتذر بصمت بذيء
تتذكر جذورها المحترقة
ولا تزال تحقنها بالماء
كأن الحب مرض مزمن
الألم داخلَهم يسير هاربًا من نفسه
يتلفت كأسير
يتجنب المواجهة
يمر على الأماكن ببطء
يشبه ارتجاف شخص يعرف أنه سيجد وجهه القديم
منقوشًا على الحجر كجريمة ما زال التحقيق فيها مستمرا
الأرض تحتهم تكذب
تفرش العشب فوق جراح لا يرغب أحد في رؤيتها
وتقدّم للربيع أزهارًا منزوعة الرائحة
جميلة الألوان
كابتسامة هوليودية على فم مكسور
الناجون يعرفون الحقيقة العارية
لا شفاء دائم
ولا ضوء يحمل خلاصًا
الخلاص كذبة أطلقتها أوهامنا ذات مزاج سيئ
النجاة هي أن يكملوا طريقهم
وفي صدورهم رماد يبتسم
ابتسامة وقحة
مكسورة
كأن النار – تلك الفاجرة – ما زالت هناك
تتنفس
تضحك
تحدّق فيهم من مخبئها
وتنتظر اللحظة المناسبة لتلتهمهم من جديد.






































