إنَّ من عجائب القرآن الكريم وشريعتنا الغرَّاء ومنهجنا الإسلامي السَمح الوضَّاء أنه لم يكن بمعزلٍ عن الواقع، ولا متجاهلًا للحضارات والأمم والتجارب البشرية السابقة، ولا ناسيًا لمستقبل الإنسان المكلف بهذا المنهج.
فنرى القرآن يحدثنا عن أخبار الأمم السابقة، ونراه يحدثنا عن مستقبل المومنين في الجنة، ونراه يرسم لنا طريق الإصلاح والعمران في الدنيا.
ولا عجب في ذلك فهو كلام رب العالمين وهو الكتاب الخالد المعجز المتحدي لكل العصور والدهور.
ولكن الأعجب من ذلك أنَّ القرآن الكريم كثيرًا ما يربط الإنسان بالكون حوله، ويُعلق فكره وعاطفته برسائل الطبيعة الناطقة بقدسية الحق.
فيأمره في كثير من آيات الذكر الحكيم بالنظر والتفكر والتدبر في خلق السموات والأرض والشجر والدواب والبحار والنباتات والحيوانات والجبال والعوالم المختلفة.
وتأتي توجيهات القرآن في هذا الأمر بألفاظ مختلفة منها: التفكر والنظر والتدبر والعلم و ..... إلى آخر هذه الألفاظ التي اقترنت بسياق هذا الأمر.
وأختارُ من هذه الألفاظ أحدها لنقف معها وقفة علم وفهم وإدراك لمقاصده وهو لفظ (الرؤية).
فكثيرًا ما يأتي الأمر الإلهي للإنسان برؤية هذه الأسرار التي أودعها الخالق في الكون.
والأيات في ذلك كثيرة على سبيل المثال:
قوله تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرࣱ﴾ [الحج ٦٣]
وقوله تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَ ٰتࣲ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَ ٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِیضࣱ وَحُمۡرࣱ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ ٰنُهَا وَغَرَابِیبُ سُودࣱ﴾ [فاطر ٢٧]
وقوله تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَسَلَكَهُۥ یَنَـٰبِیعَ فِی ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ یُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعࣰا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَ ٰنُهُۥ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرࣰّا ثُمَّ یَجۡعَلُهُۥ حُطَـٰمًاۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [الزمر ٢١]
وقال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِی فِی ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَیُمۡسِكُ ٱلسَّمَاۤءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [الحج ٦٥]
وقال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُزۡجِی سَحَابࣰا ثُمَّ یُؤَلِّفُ بَیۡنَهُۥ ثُمَّ یَجۡعَلُهُۥ رُكَامࣰا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ یَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦ وَیُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن جِبَالࣲ فِیهَا مِنۢ بَرَدࣲ فَیُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ وَیَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن یَشَاۤءُۖ یَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ یَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَـٰرِ﴾ [النور ٤٣]
وقال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَیۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَاۤءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنࣰا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَیۡهِ دَلِیلࣰا﴾ [الفرقان ٤٥]
وقال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلࣱّ یَجۡرِیۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ﴾ [لقمان ٢٩]
وقال تعالى: ﴿بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَءَابَاۤءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا یَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِی ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۤۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ﴾ [الأنبياء ٤٤]
إلى آخر هذه الآيات التي تدعونا إلى رؤية الأكوان وما فيها من عجائب المخلوقات.
والسؤال المهم: لماذا أمرنا الله بالنظر للكون ورؤية عجائبه وغرائبه؟
هل ذلك دعوة من أجل التسلية والاستمتاع والترفيه؟
لا
بل هي رؤية مَن خلق هذا الكون.!
القرآن يأمرنا برؤية ما في هذا الكون رؤية تمحيص وتفكر وتدبر وإدراك؛ لنصل بها إلى الحقيقة المطلقة والحق الأعظم وهو أن لهذا الكون إله خلق فسوى وقدر فهدى.
فَما خَلَقَ اللَّهُ لَنا الأَكوانَ لِنَرَاها، وَلَكِن خَلَقَها لِنَرَى فيها مَولاها.