لم يكن شهر رمضان في العصور الأولى شهرًا للاعتكاف على العبادات فقط، كما يتوهم البعض اليوم ممن يتركون أعمالهم وينصرفون عنها بحجة أن رمضان شهر العبادة!!.
أقول: ومَنْ سَخَرَ بعقلك وأوهمك بأن العمل والانتاج والبذل والكدح ليس من العبادات التي تضاعف أجورها في رمضان؟!
هل كان السلف الأول يترك عمله في رمضان ويحبس نفسه في محرابه؟!
أبدا ورب الكعبة، بل كانوا يكدحون ويعملون ومع ذلك يذكرون الله ذكرا كثيرا، وكانت خلوتهم في جلوتهم.
بل إنَّ مَن يستقرأ التاريخ الإسلامي يجد أن السلف الأول كانت له معارك وغزوات عديدة في رمضان، حظي فيها بالانتصار.
وأود أن أذكر نفسي وإياكم بهذه الانتصارات والمعارك المهمة في حياة التاريخ الإسلامي التي وقعت في شهر رمضان؛ لعلنا ندرك أهمية هذا الشهر وأن العبادات التي يريدها الله فيه أوسع من مجرد الامتناع عن الأكل والشرب والشهوة.
1- ففي 22 من رمضان المبارك في العام الأول للهجرة كان بدء إرسال السرايا النبوية، ومنها سرية حمزة بن عبد المطلب وسرية محمد بن مسلمة وغيرها من السرايا التي ساعدت في دعم قواعد الدين الإسلامي الحنيف.
2- في 17 رمضان 2 هـ حدث أول لقاء مُسلَّح بين المسلمين والمشركين، وهي معركة «بدر الكبرى»، التي كانت انتصارًا كبيرًا على مشركي العرب.
3- في 21 رمضان لسنة 8 هـ دخل رسول الله ﷺ وأصحابه مكة فاتحًا منتصرا، ومحررًا لها من رجس المشركين وأوثانهم، وكان يوما مشهودًا عطَّرته سماحة النبي وعفوه وأخلاقه.
4- وفي 8 رمضان لسنة 9 هـ حدثت معركة «تبوك»، التي انتصر فيها الإسلام على الحضارة الرومية.
5- في 12 رمضان لسنة 13 هـ وقعت معركة «البويب»، بين القوات الإسلامية بقيادة "سيدنا المثنى بن حارثة" وبين القوات الفارسية الساسانية بقيادة "مهران بن باذان" قائد الجيش الإمبراطوريّ الفارسي، وذلك في الحيرة، وفي هذه المعركة كتب الله الغلبة للمسلمين وللحضارة الإسلامية.
6- وفي 13 رمضان لسنة 15 هـ وصل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى فلسطين بعد معارك ضارية لفتح بلاد الشام، وقد تسلم مفاتيح مدينة القدس وكتب لأهلها أمانا لأرواحهم وأموالهم، نسأل الله أن يردها سالمة للمسلمين.
7- وفي الأول من رمضان لسنة 20 للهجرة دخل المسلمون مصر بقيادة سيدنا عمرو بن العاص؛ فاتحين لها ومنقذين أهلها من ظلم واستبداد الرومان، وكان ذلك في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
8- وفي 6 رمضان لسنة 63 هـ تم فتح بلاد (السند) بقيادة البطل محمد بن القاسم الثقفي، بعد أن انتصر علي جيوش الهند عند نهر السند، وكان ذلك في آخر خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان.
9- في أول رمضان لسنة 91 هـ، كانت أيضًا بداية فتح الأندلس، يوم أن نزل المسلمون بقيادة "طريف بن مالك البربري" إلى الشاطئ الجنوبي لبلاد الأندلس وفتحوا بعض الثغور.
10- في 9 رمضان لسنة 93 هـ استكمل القائد المسلم "موسى بن نصير" حملته لفتح الأندلس ففتح إشبيلية وطليطلة.
11- وفي 9 رمضان سنة 212هـ نزل المسلمون بقيادة "زياد بن الأغلب" على شواطئ جزيرة صقلية وفتحوها ونشروا الإسلام في ربوعها.
12- في 17 رمضان سنة 223 هـ تحقق للمسلمين النصر على الدولة البيزنطية في معركة (عمورية) بقيادة الخليفة المعتصم العباسي، الذي هَبَّ لنجدة إخوانه المسلمين حين استغاثوا به فحرَّك جيشًا كبيرا لتأديب الدولة البيزنطية.
13- في 25 رمضان سنة 658هـ نشبت معركة عين جالوت بقيادة المظفر سيف الدين قطز وبين جيوش المغول، وكان النصر حليفا للمسلمين، فكسروا شوكتهم إلى الأبد فلم تقم لهم قائمة بعد ذلك.
14- في 6 رمضان عام 532 هـ حدث أول نصر للمسلمين على الفرنجة، بقيادة عماد الدين زنكي شمال الشام بحلب.
15- في العاشر من رمضان لسنة 648 هـ كانت معركة المنصورة، التي انتصر المصريون فيها على ملك فرنسا "لويس التاسع" وأسروه في دار الوزير ابن لقمان، وما زالت هذه الدار قائمة إلى اليوم تشهد على انتصارات المصريين، حتى أصبحت متحفًا يُزار.
16- وآخرًا وليس أخيرًا كانت معركة العبور في العاشر من رمضان أيضًا لسنة 1393هـ/ 1973م حين سجل المصريون انتصاراته الفريدة على جيش إسرائيل الملعون، واستردُّوا أرضهم سيناء التي قد اغتصبت منهم غداة يوم النكسة سنة 1967م.
وهكذا نرى أن شهر رمضان كان شهر النصر للحضارة الإسلامية، في عصورها الأولى، يوم أن كنا نسود العالم ونقوده بكتاب الله وبسنة سيدنا رسول الله ﷺ، لكن للأسف من يوم أن اختصرنا رمضان في المباريات والمسلسلات والمأكولات ونحن أصبحنا في مزبلة التاريخ، لا قامة لنا ولا قيمة، أصبحنا نُقاد بعد أن كنا نقود، أصبحنا نباع ونشترى في مجلس الأمن وعصبة الأمم الماسونية الهدف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إنَّ واجبنا معشر المسلمين أن نستلهم من هذه الانتصارات الدروس الواعظات والعبر الواضحات بأنه لا نصر لنا إلا إذا رجعنا إلى رحاب ربنا وتمسكنا بسنة رسولنا واقتفينا أثر أسلافنا وأبطال حضارتنا ورموز تاريخنا ... عندئذ ربما نستعيد مكاننا ونسترد مكانتنا بين العالمين.
وأخيرًا فإننا نستَشفُّ هذه الروحانية من تلك الانتصارات ونأمل في عفو الله وكرمه الذي نصر المسلمين قديما أن ينصر إخواننا في فلسطين وفي غزة اليوم إنه على كل شيء قدير.