لقد لاحَظتُ كثيرًا، حينَ أبحَثُ في مَوضوعٍ مُعيَّن، وجود إشاراتٍ مَرجعيَّةً لِبَعضِ رَسائلِ الدُّكتوراهِ والمَاجستيرِ التي بَحَثَتْ فيما أُريدُ أنْ أقرَأَ فيه وأتوسَّعَ.
فإذا بالحَماسَةِ تأخُذُني لأبحَثَ عن هذه الأُطروحاتِ لِلِاستِزادةِ منها، فلا أجِدَها مَطبوعةً ولا مُتوفِّرَةً، إلَّا في أدرَاجِ صاحِبِها، مَطويَّةً في أوراقٍ غبَّرَها التُّرابُ.
حينَها أقِفُ حَزينًا – وكَمْ وقَفتُ هذا المَوقِف – وأنا مُندهِشٌ أتساءلُ: ماذا استفادَ النّاسُ مِن هذه الأُطروحاتِ ما دامَ صاحِبُها لم يَنشُرها ولم يُتِحْها لغيرِه؟
والحَقُّ المُرُّ أنَّه لم يَستَفِدْ منها أحَدٌ سوى صاحِبِها، بحُصولِه على حَرفِ (الدّال) والمَكانةِ المَرموقةِ بينَ النّاسِ، بينما ضاعَ العِلمُ وتوقَّفَ البِناءُ.
إنَّه واقِعٌ مُؤسِفٌ أنْ يَظلَّ الباحِثُ في رِسالَتِه عِدَّةَ سَنواتٍ، عاكِفًا على إِنتاجِها، ثُمَّ يُناقِشَها ويَحصُلَ على الدَّرجةِ العِلميّةِ، وبعدَ ذلك تَظلُّ الرِّسالةُ حِبرًا على وَرَق، لم تَتجاوَزْ عَتَبَةَ بَيتِه، وتُنسى بِمُرورِ الوَقتِ، ولا يَعرِفَ عنها النّاسُ شيئًا سوى عُنوانِها، حتّى هو سَوفَ يُصيبُه تُرابُ الزَّمَنِ.
ولا أرى في ذلك خِدمةً للعِلمِ أبدًا، فخِدمةُ العِلمِ حَقًّا هي نَشرُه وتَيسيرُ وُصولِه لِعامَّةِ النّاسِ قبلَ خاصَّتِهم، بِكلِّ وَسيلةٍ عَصريَّةٍ مُتاحةٍ وجَذّابةٍ.
ولهذا أُنادِي كُلَّ الباحِثينَ أنْ يطبِعوا رَسائلَهم ويُخرِجوها إلى النُّورِ، وإنْ لم يَتيسَّرْ لهم طِباعَتُها فَليَنشُروها على المَنصّاتِ والمَواقِعِ الإلكترونيّةِ، وهي كثيرةٌ، كما أنَّها أداةُ العَصرِ الأنسَبُ للوُصولِ إلى العِلمِ بسهولةٍ.
كما أتوسَّلُ إلى كُلِّ باحِثٍ كَتَبَ رِسالَتَه بلُغةٍ أجنبيّةٍ أنْ يُترجِمَها، كي يَستَفيدَ مِنها أَبناءُ العربيَّةِ، فلا تَحجُبَهُم اللُّغةُ عنِ اقتِناصِ الفَوائِدِ.
والله الموفق والمستعان.