لا يخفى على أحدٍ هذا الواقع المَرير الذي تحياهُ الأمة العربية والإسلامية اليوم، إذ أصحبنا أمة ضعيفة، لا رأي لها ولا قرار، أصبحنا في مؤخرة الصفوف بعد أن كُنَّا في المقدمة، أصبحنا نُقاد بعد أن كُنَّا نقود، أمسينا نُساس بعد أن كُنَّا نَسُوس، بِتنا نستورد ونأخذ بعد أن كُنَّا نُصدِّرُ ونُعطي، والناس في ذلك حيارى، ماذا قد جرى، حتى إنَّ معظم الشباب بسبب هذا الواقع الصعب أصبح لا يُصدِّق أنه كان - منذ زمن قريب - صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في إدارة العالم واقتصاده.
والحقُّ أنَّ هذا الواقع الذي نحياه ليس واقعنا، ولكنه الواقع الذي صنعتهُ أيادي الاستعمار عن نيةٍ مبيتة وعَمدٍ خُطِّطَ له منذ زمن.
أيها الشاب العربي، كن واثقًا في ذاتك وفي قُدُرَاتك ومَلَكاتك، فأنت إنسانٌ قوي، تستطيع أن تكون الأول بكل سهولة، ولكنها شَبَكةُ الغرب المستعمر التي نَشَرَها على طموحاتك؛ فقَيَّدَتك عن التَحلُّق في سماءها.
إياك أن يتسلل اليأس إلى قلبك، فإن هذا ما يريدهُ الاستعمار منك، يريدون لك أن تكون مُزعْزَع الثقة، مُنسَلخ الهوية، ساخطًا على عقيدتك، مُتحرِّجًا من عروبيتك؛ لأن هذه الصفات الممقوته هي السلاح الأقوى لتدمير أي جيل وأمة.
هذه هي عقيدتي، وذلك ما أُؤمن به وأُصدِّقُه، أنني أستطيعُ أن أصنع حضارة، عندي مِنْ المَلَكات ما تؤهلُني لذلك، وعندي من الموارد المادية ما تُعينني لتحقيق هذا، ولكنها كما قلت (الشبكة) التي بسطوها علينا كما يبسطُ الصيَّادُ شبكتهُ على الأسماكِ فيُقيِّدُ حُرِّيتَها ويَقتلُ إرادتها.
وأكبر دليل على هذا؛ أنه كلما انبرى من العرب أو المسلمين مَن يريدُ استعادة مَجد حضارته ومواصلة عطاءه السالف؛ رصدتهُ أعينُ الساخطين ونالتهُ أيادي المعتدين.
هل تعلم ماذا أحدثوا بعبقري الزمان والمكان جمال حمدان، وماذا فعلوا بعالمة الذرة سميرة موسى، وماذا أوقعوا بالدكتور يحيى المَشدَّ الذي حاول بناء مفاعل نووي في العراق، وماذا فعلوا بعالم الصواريخ السوري الدكتور عزيز إسبر، وماذا فعلوا بعشرات ومئات العلماء هنا وهناك...
وعلى الجانب الآخر انظر إلى هذه المِنَح الدراسية التي تقدمها بلاد أوروبا وأمريكا بمزيد من الإغراءات سنويًا لكل الشباب العربي والإسلامي، ماذا يريدون بذلك؟؟
يريدون لك أن تكون مَدينًا لهم بالولاء والانتماء، يريدون لك البَراء من عروبيتك وبلادك التي لم تستطع أن تحقق لك ما تريد الوصول إليه، والحق أنهم هم الذين قيدونا وأجبروا بلادنا على هذا العجز، ولولا استبدادهم لكانت بلادنا هي حاضرة العالم في كل شيء.
وكلما ظهر نابغةٌ (والعرب كلهم نوابغ) من بلادنا، قدَّموا إليها أغرى العُروض وأثمن العطايا؛ ليستقطبوها إلى بلادهم، كي يستفيدوا من أفكاره وإبداعاته، وإذ ما رفض دمروا حياته وأشعلوا قلبه نارًا على أغلى ما يمتلكه، والتاريخ المعاصر شهيد على ذلك.
انظر إلى سوريا والعراق ولبنان وليبيا والسودان وإيران وسائر البلاد الإسلامية، واسأل نفسك ما الذي أودَىٰ بها إلى هذا المصير، كيف وصلت إلى هذا المستوى الصعب، وابحث في السبب بكل ما أوتيت من وسائل بحثية، فسترى في النهاية أنها أيادي الغرب بتمويلات الصهيونية !!
ثم اسأل نفسك: لماذا كل هذه العداوة التي يحملها الغرب في صدره لبلادنا؟ ثم ابحث انت بنفسك، لترى السبب يتمثل في كونك إنسان مُميَّز، إنسان مبدع، إنسان تملك من المواهب والقدرات العقلية والروحية ما تكفيك لبناء حضارة عظيمة، ومن هنا كان الخوف منك؛ لأن الغرب لا يريد أن يعود إلى جحور الظلام مرة أخرى!!
نعم، هذه هي الحقيقة، كانت البلاد الغربية أفقر مما تصور، وأجهل مما تتخيل، وكانت البلاد الإسلامية تعيش أزهى حياتها، تتمتع بالسيادة والقيادة، تمتلكُ كل الموارد المادية والمعنوية، جيش المسلمين وقوتهم كان يُضرب به المثل، التعليم في الجامعات والمدارس العربية والإسلامية كان في مستوى متقدم جدًا........
عندئذ أقسَمَ الغربُ أن يقضي على تلك الحضارة للأبد، فكان استعمار البلاد العربية، وإسقاط الخلافة العثمانية، وتمزيق شمل الأمة، واحتلال الأندلس، وتنصير أهلها وتهويده، واحتلال القدس، وإعلان دولة اليهود في فلسطين، ثم الحَمَلات البَشِعة التي تترا كل يوم لضرب الإسلام في أعز ما لديه، والتشكيكات - التي تُمولها مصارف اليهود - لإسقاط القرآن والسنة وعلماء الإسلام والأزهر واللغة العربية والعقائد الإسلامية.
هذا، وما زال في نواياه الكثير والكثير لإبادة العروبة والإسلام إلى الأبد، لذلك حان الوقت أن نفيقَ من غفلتنا وأن نخرجَ عن صمتنا، وأن نقاطع كل منتجاتهم وعاداتهم التي أضحى الشباب يتفاخر بها وكأنها ريشة الحضارة وتاج المجد، وما هي إلا شواظٌ من حميم وتصلية جحيم.
يجب علينا أن نُشمِّر عن ساعد الجَد، وأن نعمل بإتقان وتفاني؛ لحماية بلادنا من هذا المخطط الخبيث، وأن نُوحِّد صَفَّنا ونَجمَعَ شَملَنا ونرأب صَدعَنا، وأن نطرح الخلافات والخصومات من بيننا، وأن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق، وأن نتمسَّك بمنهجنا السماوي عقيدةً وعبادةً ومعاملةً وأخلاقًا؛ لعَلَّنا بذلك نُحقِّقَ النصرَ لله كي يأتينا نصرُ الله الموعود في كتابه الكريم: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنࣰاۚ یَعۡبُدُونَنِی لَا یُشۡرِكُونَ بِی شَیۡـࣰٔاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ﴾ [النور 55].
الله أسأله ذلك، وهو على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير وهو نعم المولى ونعم النصير.