في سنة 1957م لما نشرَ المفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود - رحمهُ الله - كتابه «الله والإنسان» قامت الدنيا ولم تقعد، وأحدث ضجة رهيبة، مما قاد الأزهر للاحتجاج، وكانت النتيجة أن تم الإلقاء بمصطفى بمحمود في محكمة أمن الدولة بأمر من الرئيس عبد الناصر شخصيًا.!
الدكتور مصطفى محمود جاء بمحامي كبير اسمه «محمد عبد الله»، ووقف المحامي في ساحة المحكمة وترافع مرافعة عظيمة، أحرَجت القضاء وأحرجت الأزهر وقلبت الصحافة إلى صف الدكتور مصطفى محمود بعد أن كانت مقلوبة ضده !!
ماذا حدث؟
أثبت المحامي للقاضي أنَّ كل ما جاء في كتاب «الله والإنسان» ليس من اختراع مصطفى محمود ولا من بنات أفكاره، بل هي موجودة بمعناها ومغزاها في كتب السابقين منذ مئات السنين، من العلماء والمفكرين والفلاسفة الكبار الذين تُدَرَّس مؤلفاتهم وأفكارهم في كل جامعات العالم.
وبالفعل بدأ يعرض المحامي الشواهد والنصوص من كتب ابن عربي والجيلاني وجلال الدين الرومي وشمس التبريزي وأرسطو وأفلاطون والفلاسفة الكبار والمتصوفة المشهورين ...
يقول الدكتور مصطفى محمود: القاضي أصبح في حَيرة، أصبح في ورطة، لا يعرف ماذا يقول، لأن المحامي فاجئنا كلنا، وأنا شخصيا أول مرة أعرف أن هذه الأفكار موجودة فعلا، لأني وصلت لها بالتفكر والتدبر فقط لا بالنقل عن السابقين ....
حتى علماء الدين الذين احتجوا ورفضوا وتعصبوا، لم يكونوا على دراية أبدا بأن العلماء القدامى قالوا هذا الكلام.
وهذا دليل على أن المحامي كان متبحرًا إلى درجة عالية جدا في القراءة والبحث.
وبناءً على ذلك لم يكن أمام القضاء إلا الإعلان ببراءة مصطفى محمود مما نُسب إليه، لكنه صادر الكتاب بدون أي حيثيات، ولعل هذا شفاء للغليل.!!
وهذا الموقف نستفيد منه عدة أمور، أبرزها أن المحامي عندما يكون قارئا، واسع الاطلاع، متبحرًا في العلوم والمعارف المختلفة، يكون له شأن آخر بين هذه الأعداد الهائلة من رجال المحاماة.
فلولا أن هذا المحامي كان قارئا جيدًا لَمَا استطاع مصطفى محمود أبدًا أن يخرج من السجن؛ لأنها كانت مسألة خطيرة تمت الأديان وكانت حديث الصحافة والأزهر ورجال الفكر جميعًا.
وفي هذه رسالة أبعثها إلى كل أصدقائي في كليات القانون أو حديثي التخرج أن اجعل لنفسك وردًا يوميا للقراءة والتثقيف في شتى المعارف والفنون؛ حتى يكون لك شأنًا فريدًا في الأمة.