من عجيب صنع الخالق - سبحانه وتعالى - في الكون أنْ خلق الأشياء ثم خلق لكل شيء آفة تعتدي عليه !!، فخلق القطن ثم خلق دودة القطن، وخلق النبات ثم خلق الجَراد الذي يأكل ويدمر النبات، وخلق الثمرة ثم خلق العَفَنْ الذي يُصيب الثمر، وخلق الأنف ثم خلق الزكام، وخلق العين ثم خلق الرَمَد، وخلق الأسنان ثم خلق سُوس الأسنان، وخلق المفاصل ثم خلق الروماتيزم، وخلق الحديد ثم خلق الصدأ والتآكل، ... وخلق الإنسان ثم خلق له ما لا يُحصى من الأعداء التي تتحالف عليه سواء (حشرات - ميكروبات - نمل - قمل - فطريات - خنافس - ناموس - ثعابين ...)، ناهيك عن الشر والظلم والقتل والحسد وسائر الأعداء المعنوية.
سبحان الله!!
وهذه الحقيقة لم يُخفها الله علينا، بل أخبرنا بها منذ اللحظة الأولى لميلاد هذا الإنسان على الأرض، حيث قال جلَّ شأنه لأبونا آدم وأمنا حواء - عليهما السلام - ﴿ٱهۡبِطُوا۟ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوࣱّۖ﴾ [الأعراف 24] وقال سبحانه: ﴿ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِیعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوࣱّۖ﴾ [طه 123]
بل العجيب أن هذه العداوة لم تكن بين الأشياء الجامدة فقط، ولا بين عامة الناس فقط، بل حتى مع الأنبياء الذين هم صفوة الخلق، قال تعالى: ﴿وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوࣰّا شَیَـٰطِینَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ﴾ [الأنعام 112]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوࣰّا مِّنَ ٱلۡمُجۡرِمِینَ﴾ [الفرقان 31]
وفي آية جامعة لكل هذا العناء قال تعالى: ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِی كَبَدٍ﴾ [البلد 4]
ويتسائل العقل: لماذا خلق الله كل هؤلاء الأعداء الذين يتربصون بالإنسان؟
والإجابة - يسيرة لكنها عميقة - تكمن في (الابتلاء)، قال تعالى: ﴿وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فتنة﴾ [الأنبياء 35]
فكيف كان يتم اختبار الإنسان في صبرهِ وليس أمامه ما يُنغِّص عليه حياته؟، كيف كان يتم اختبار الإنسان في عفوهِ وحِلمهِ إذا لم يُظلم ويؤذى؟، كيف كان يتم اختبار الإنسان في رضاه وقناعته وإيمانه إذا لم يتعرض لضيق العيش وصعوبة الرزق؟
كيف يُعرف معدن الإنسان إذا كان يعيش في نعيم مقيم لا مرض ولا فقر ولا حاجة ولا عدو يتربص به؟
فكان لا بد من وجود العدو ليظهر المعدن الحقيقي له، وكما يقولون: (والضدُّ يُظهر حسنهُ الضددُ)، فلولا النار ما عُرفت الجنة، ولولا المالح ما عُرف العذب، ولولا الخشونة ما عُرفت الليونة، ولولا المرض ما عُرفت العافية، ولولا الجُبن ما عُرفت الشجاعة، ولولا الخوف ما عُرف الأمن، ولولا الفوضى ما عُرف الاستقرار.
ومن العجيب أيضًا أن لهؤلاء الأعداء فوائد لحياة الإنسان، ألا ترى (الدود) الذي يؤذي الإنسان هو المسئول عن إخصاب التربة الزراعية وجعلها صالحة للزراعة بما يحدثه من أنفاق في باطن التربة !!.
ألا ترى سائر الحشرات التي تؤذي الإنسان هي المسئولة عن تلقيح النباتات، ولولا هذا التلقيح لَما أثمرت لنا شجرة ولا أينعت لنا ثمرة !!.
ألا ترى أننا من (عفن الخبز) استخلصنا (البنسلين) المداوي للجروح!!.
سبحان الله!!
كل شيء خُلق بحكمة فائقة، ﴿وَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ شَرࣱّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة 216]، ﴿وَمَاۤ أُوتِیتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾ [الإسراء 85] صدق الله العظيم.