وربما تتسائل أيها القارئ وأنت تتصفح هذا الكتاب عن السر في اهتمامنا بالكون واستلهام الرسائل منه، وتقول: إن كل هذه الدروس والرسائل التي سنقتبسها ونتعلمها من الكون قد تكون موجودة فعلا في القرآن الكريم وفي آحاديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
أقول لك: صدقت فالقرآن والسنة هما المصدر الأول للإلهام والتفكر واستلهام الدروس والعبر واقتناص الفوائد، ولأجل ذلك كان الاهتمام بالكون.!
كيف ذلك؟؟
إنَّ اهتمامنا واهتمام المسلمين عبر العصور بالكون والنظر فيه والتعلم من أسراره؛ لم تكن هواية مجردة تعشقها النفس، ولا نداءات يتنادى به العقل، ولا تأملات تسرحُ بها الحواس فضولًا وشغفًا في الاطلاع فقط.
بل كان وما زال الدافع الأول وراء هذا الاهتمام وتلك التأملات والنظرات البحثية في الكون عن أسراره هو القرآن الكريم.
ذلك الكتاب العجيب الذي ربطنا بالكون ربطًا وثيقًا وأنشأ علاقة قوية بين كل عناصره مع الإنسان في تفاعل وتكامل وتعايش مشترك ونفع متبادل، فما هذا الإنسان إلا جزء من الكون يعيش فيه، فمن الطبعي والفطري أن يبحث ويتعرف عمن يعيشون معه في هذا الكون.!
ومن جهة أخرى فإنَّ مَنْ يستقرأ القرآن الكريم من أوله لآخره؛ سيقف على مئات الآيات القرآنية التي تدعو العقل إلى التفكر في خلق السماوات والأرض، وتنادي الحواس بالنظر في أثار القدرة الإلهية في الكون، لدرجة أنَّ من كثرة تلك الآيات التي تأمر الإنسان المسلم بالتفكر والتدبر والنظر في الكون وأسراره وأثاره ظن المسلم أن ذلك من فرائض الإسلام المُلزمة كالصلاة والصيام، وهذا حق، وهذا ما دفع الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد لتأليف كتابه (التفكير فريضة إسلامية).
وكنا أشرنا بأن القرآن الكريم قد أورد المئات من الآيات التي تربط الإنسان المسلم بالكون، وإذا أردنا تلخيص ذلك فنقول:
♦️أمر الله المسلمين بالتفكر والنظر في أسرار الكون.
👈قال تعالى: ﴿قُلِ ٱنظُرُوا۟ مَاذَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِی ٱلۡـَٔایَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ﴾ [يونس ١٠١]
👈قال تعالى: ﴿أَوَلَمۡ یَنظُرُوا۟ فِی مَلَكُوتِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَیۡءࣲ وَأَنۡ عَسَىٰۤ أَن یَكُونَ قَدِ ٱقۡتَرَبَ أَجَلُهُمۡۖ فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَهُۥ یُؤۡمِنُونَ﴾ [الأعراف ١٨٥]
👈 قال تعالى: ﴿أَفَلَمۡ یَنظُرُوۤا۟ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَوۡقَهُمۡ كَیۡفَ بَنَیۡنَـٰهَا وَزَیَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجࣲ﴾ [ق ٦]
👈 قال تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۞ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ۞ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ۞ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ۞ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ} (الغاشية: 17: 22)
♦️ كذلك لفت القرآنُ عقولَ البشرِ إلى ما يحدث حوله من ظواهر كونية ليكون على دراية بها، ودعاهُ دعوةً غير مباشرة بالبحث عن كيفية حدوث هذه الظواهر، مثل:
ظاهرة الليل والنهار - تعاقب الشمس والقمر - الرعد والبرق - دوران الأرض حول الشمس ودوران الأرض حول نفسها - ظاهرة تكوين السحب ونزول الأمطار - الزلازل ......إلخ.
♦️ بل إن القرآن لم يأمر العقول بالتفكر في الجزء المشهود من الكون فقط، بل كانت الدعوة أعمق من ذلك فأمر العقول أمرًا صريحًا بالبحث عن بداية نشأة الكون - رغم أن ذلك من الغيبيات - والنظر في كيفية تكوينه ومراحل بنائه وكيف وصل إلى الصورة النهائية التي عليها الآن.!
فقال تعالى: ﴿قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ﴾ [العنكبوت ٢٠]
♦️ بل إنَّ الله سبحانه وتعالى العظيم قد أقسم بمعَالم وعوالم وعناصر وأجزاء كثيرة من الكون؛ ليكون في ذلك أبلغ الرؤى في اهتمام هذا الدين بعَالم الكون والخلق.
أقسم الله بالشمس: ﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾ [الشمس ١]
أقسم الله بالقمر : ﴿وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا﴾ [الشمس ٢]
أقسم الله بالسماء: ﴿وَٱلسَّمَاۤءِ وَمَا بَنَىٰهَا﴾ [الشمس ٥]
أقسم الله بالأرض: ﴿وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا﴾ [الشمس ٦]
أقسم الله بالنفس البشرية: ﴿وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا﴾ [الشمس ٧]
أقسم الله بالنجوم ومواقعها: ﴿وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ﴾ [النجم ١]
وقال تعالى: ﴿فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِمَوَ ٰقِعِ ٱلنُّجُومِ ۞ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمࣱ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِیمٌ﴾ [الواقعة ٧٥- ٧٦]
♦️أقسم الله بأوقات كثيرة من الزمان الذي هو جزء من الكون:
أقسم بالفجر: ﴿وَٱلۡفَجۡرِ ۞ وَلَیَالٍ عَشۡرࣲ﴾ [الفجر ١- ٢]
أقسم بالضحى: ﴿وَٱلضُّحَىٰ ۞ وَٱلَّیۡلِ إِذَا سَجَىٰ﴾ [الضحى ١- ٢]
أقسم بالعصر: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ ۞ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ﴾ [العصر ١- ٢]
أقسم بالنهار كله: ﴿وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا﴾ [الشمس ٣]
أقسم بالليل كله: ﴿وَٱلَّیۡلِ إِذَا یَغۡشَىٰهَا﴾ [الشمس ٤]
بل سمى الله سور كاملة من القرآن بأوقات من الزمن مثل: سورة الفجر - سورة الليل - سورة الضحى - سورة العصر .
وفي نهاية هذا العرض الموجز أعتقد أنه قد تكونت عندك أيها القارئ إجابة قوية عن السؤال الذي طرحناه في البداية، وهو لماذا الاهتمام بالنظر في الكون وأسراره.!