لا شك أن الجهل هو أسوء أعداء الإنسان، وهو ذنبٌ قبيح في كل الشرائع والأعراف، وليس المقصود بالجهل الأمية، ولا يُراد به أولئك الذين لم يُسعفهم القدرُ أن ينالوا أعلى المراتب والشهادات العلمية، ولكن أقصد بالجهل هو عدم المعرفة؛ لأن العلم ليس حِكرًا على خريجي المدارس وحاصلي الشهادات، فقد تجده من المنتسبين للعلم وهو جاهل مُركَّب، وما أكثرهم، في هذه الفترة الصعبة.
ولماذا يُذَمُّ الجهلُ في السماء والأرض؟ لأنه يُخيِّلُ لصاحبه حالة من الخداع في تصور الأشياء والأحداث وفي تقدير الناس والأشخاص.
الجاهل هو الذي ينخدع، ويُستَقطَب بكل سهولة، لكنَّ صاحب الفكر المستقيم والعقل المستنير والفطرة السليمة والقلب النظيف من الأغراض لا يُمكن أن ينخدع!!
وليس أدلُّ على ذلك من واقعنا المؤلم الذي ابتلانا الله به وفيه، انظر إلى قطيع الشباب الذي ما ترك شاردةً ولا واردةً ولا مظهرًا ولا عادةً للغرب إلَّا وفعلها وتباهىٰ به، دون أي عَرْضٍ على معايير عقيدته وهويته، لينظر هل تتماشى هذه العادات مع ما يتبناه من أفكار وعقائد ومنهج ينبغي أن يتمسك به، وبدون أدنى تفكير يفعلها، بل ويتفنن فيها ويُزيدها انحطاطا على ما بها من انحطاط !!.
أتدري لماذا وقع هؤلاء المساكين في تلك الشبكات الغربية المقيته؟ لأنهم جاهلون بعقيدتهم، لا يعرفون شيئًا عن هُويتهم، جاهلون بالسلوكيات والقيم التي يفرضها عليهم ضميرهم الإنساني ومنهجهم السماوي.
فالجهلُ هو الذي صَوَّر لهم أنَّهم عندما يمارسون عادات الغرب - العارية من الأخلاق الإنسانية - يصبحون متقدمين ومتحضرين!!
وإنَّ جهلَ البنات المتبرجات - بإنسانيتها وطبيعة خِلقتها وعقيدتها - هو الذي زيَّن لهُنَّ التبرج والعُري والسفور تحضُّرًا والاحتشام تخلُّفًا!!
الجهل هو الذي يُعيِّشُ صاحبه في متاهات من الوهم والسعادة المزيفة والواقع الافتراضي.
تُرى ما السرُّ الذي جعلنا ننبهر بأدباء الغرب وكُتَّابهم، معتقدين فيهم أنهم معجزة العصر، وأنهم المثال الأوحد في تاريخ الكتابة البشرية؟
هل السر يرجع إلى تميُّزهِم فعلًا وعُمقِ أقلامهم وسموِّ أفكارهم؟ قد يكونون كذلك، ولكن أسألك بالله كم قرأت لأدباء جنسك وكُتاب عروبيتك وأفكار بني جِلدتك، حتى جعلك تعقد بعقلك الحصيف مقارنةً بينهم انتهت إلى إبداع هؤلاء؟ أنا على يقين أنك لم تقرأ ولم تطَّلع على أدباء وكُتَّاب العربية أبدًا، وإذا كان فَنظرات سطحية على صفحات متفرقة هنا وهناك!
إنَّ جَهلنا بأدبنا العربي هو الذي جعلنا نُمجِّدُ أدباء الغرب، ونظن فيهم العبقرية الفذة، ولو أننا على دراية جادة بتراثنا الأدبي، لَما أبهرنا هؤلاء نهائيًا البَتَّة!!
إنَّ جهلنا بتراثنا العلمي، هو الذي أبهرنا بالثورة العلمية والصناعية في أوروبا وأمريكا؛ لأنه لو لم يتملَّك منَّا الجهل؛ لَعلمنا أن الحضارة اليونانية والرومانية نشأت في أعقاب غزوهم للحضارة المصرية القديمة، وأن الحضارة الغربية الحديثة انطلقت من الأندلس، ولكننا لم نقرأ وليس عندنا استعداد لئن نقرأ !!.
إنَّ جهلنا بإنجازات علماء الحضارة الإسلامية في مجال الطب والصيدلة والكيمياء والرياضيات والفلك هو الذي أتاح الفرصة للإعلام الغربي (والمتعرب للأسف) أنَّ يتجرأ مُدَّعيًا بأن العرب هم رمز للتخلف وأنَّ الإسلام يدعوا إلى الجمود وإماته العقل والإبداع !!
الجهل هو أساس الانهيار الذي أصاب مجتمعنا في كل زواياه.
إنَّ أكبر سلاح يحاربنا به الغرب اليوم هو «الجهل»، إذ يحاول بكل قوة أن يحول بينك وبين معرفة تاريخك وإنجازاتك؛ لأنه على علم يقيني أنَّ في تاريخك دوافع كثيرة يمكنها أن تدفع بك إلى الأمام، كما أنه على تأكيد راسخ أنك لو عَلِمَت وعَمِلَت لاستطعتَ أن تتفوق على حضارة أوروبا في سنوات معدوات.
وصيتي لك أيها القارئ، اخلع ثياب الجهل، والبس ثياب العلم والمعرفة، تمسك بـ «هويتك وعقيدتك وعروبيتك»، ابحث عن خطط الغرب لتحطيمك إلى الأبد كخطة برنارد لويس لتقسيم الشرق الأوسط، وبروتوكولات حكماء صهيون .... لتعرف ماذا يريدون منك، اقرأ الواقع وهو أصدق عبرة وانظر ما يفعله هؤلاء الغربيون في البلاد العربية، أسأل الله اليقظة والمعرفة.