هل الكعبةُ فعلاً تتوسَّطُ اليابسةَ الأرضيَّةَ؟ وهل تقعُ بالفعلِ في منتصفِ الكونِ؟
♦️ سمعتُ منذ سنواتٍ الأستاذَ الدكتورَ زغلولَ النجّارَ – أستاذَ الجيولوجيا الشهيرَ، وصاحبَ مدرسةِ الإعجازِ العلميِّ – يقولُ:
إنَّ أوَّلَ ما تَشكَّلَ من اليابسةِ كانت أرضَ مكةَ.
ثمَّ امتدَّت اليابسةُ ونمت كلُّها من هذه الأرضِ.
وإنَّ خطَّ طولِ مكةَ هو خطُّ طولِ المحيطِ الذي يتَّجهُ إلى النجمِ القُطبيِّ في الإسقاطِ الأفقيِّ لخرائطِ العالمِ.
بُعدُ مكةَ عن أطرافِ القارّاتِ السبعِ متساوٍ، ويبلغُ 13600 كم.
لذلك تقعُ مكةُ في وسطِ اليابسةِ، وهي مركزُ الأرضِ.
♦️ ثم قرأتُ بعد ذلك أنَّ جمعيّةَ الإعجازِ العلميِّ التابعةَ لمنظّمةِ المؤتمرِ الإسلاميِّ قد عقدت مؤتمرًا بمدينةِ الدوحةِ مساءَ السبتِ 19 / 4 / 2008م، وكان عنوانُه: «مكةُ مركزُ الأرضِ بين النظريةِ والتطبيقِ».
وقد جاءت المشاركاتُ البحثيّةُ كلُّها في المؤتمرِ لتدعمَ هذه المسألةَ، وهي أنَّ مكةَ المكرّمةَ تُمثّلُ مركزًا لليابسةِ، وأنَّها في موقعٍ متوسّطٍ هندسيًّا مع أطرافِ القارّاتِ.
🔴 ولكن، في الوقتِ نفسِه، تصدّى لهذا الكلامِ العديدُ من خبراءِ المساحةِ والخرائطِ، وردُّوا عليه.
♦️ ومن العجيبِ أيضًا أنني وجدتُ كلامًا مشابهًا لهذا الرأيِ في كتبِ علماءِ المسلمين الأوائلِ:
👈 فقد ذكر الإمامُ القرطبيُّ في تفسيره (2/153) في قوله تعالى:
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، أنَّ فيها أربعَ مسائلَ، ثمَّ ذكر الأولى منها بقوله:
«وكما أنَّ الكعبةَ وسطُ الأرضِ، كذلك جعلْناكُم أُمَّةً وسطًا».
👈 ونقل الراغبُ الأصفهانيُّ في «مفردات القرآن» (ص 772) عن الخليلِ بنِ أحمد الفراهيديِّ قولَه:
«سُمِّيَتْ مكةُ بذلك؛ لأنَّها وسطُ الأرضِ، كالمُخِّ الذي هو أصلُ ما في العظمِ».
👈 وقال الفخرُ الرازيُّ في تفسيره (4/82):
«قالوا: الكعبةُ سُرَّةُ الأرضِ ووسطُها، فأمرَ اللهُ تعالى جميعَ خلقِه بالتوجّهِ إلى وسطِ الأرضِ في صلاتِهم، وهو إشارةٌ إلى أنَّه يجبُ العدلُ في كلِّ شيءٍ، ولأجلِه جعلَ وسطَ الأرضِ قِبلةً للخلقِ».
👈 وروى الرازي أيضا في موضع آخر من تفسيره (4/ 45) عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قوله:
«أَوَّلُ بُقْعَةٍ وُضِعَتْ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعُ الْبَيْتِ ثُمَّ مُدَّتْ مِنْهَا الْأَرْضُ، وَإِنَّ أَوَّلَ جَبَلٍ وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَبُو قُبَيْسٍ ثُمَّ مُدَّتْ مِنْهُ الْجِبَالُ».
👈 وقال أبو حيّان الأندلسيُّ في (البحر المحيط – 4/583):
«أمُّ القُرى: مكةُ، وسُمِّيَت بذلك؛ لأنَّها منشأُ الدِّينِ، ودحوُ الأرضِ منها، ولأنَّها وسطُ الأرضِ، ولكونِها قبلةً، وموضعَ الحجِّ، ومكانَ أوّلِ بيتٍ وُضِعَ للنّاسِ».
♦️ وفي النّهايةِ، ما زال الأمرُ في دائرةِ الرأيِ والرأيِ الآخرِ، ولم يَثبُت فيه دليلٌ علميٌّ قاطعٌ، والله أعلم.
ولعلَّ الأيّامَ القادمةَ تَمدُّنا بالأدلّةِ القاطعةِ على قَبولِه أو رَفضِه، في ظلِّ التّكنولوجيا الحديثةِ.