مما يشتهر عن أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت راوية للأحاديث النبوية، وفقيهة، وكانت تُعلِّم النساء أمور دينهن، وكان كبار الصحابة يستفتيها في علوم الدين.
لكنَّ من الجوانب الأخرى التي لا يعرفها الكثيرون في حياة تلك السيدة الفاضلة أنها كانت عالمة بالطب!!
نعم، كانت السيدة عائشة عالمة بالطب وفنونه، وحجتي في ذلك ما ذكره أصحاب السنن والسير.
روى الإمام أحمد في مسنده عن هشام بن عُرْوَةُ أنَّ أباه عروة كان يَقُولُ لِعَائِشَةَ: «يَا أُمَّتَاهُ، لَا أَعْجَبُ مِنْ فَهْمِكِ، أَقُولُ: زَوْجَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَبِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالشِّعْرِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، أَقُولُ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ أَوْ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ كَيْفَ هُوَ؟ وَمِنْ أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ وَقَالَتْ: أَيْ عُرَيَّةُ، " إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمْرِهِ، أَوْ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَتَنْعَتُ لَهُ الْأَنْعَاتَ، وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ، فَمِنْ ثَمَّ».
وفي رواية أخرى أخرجها أبو نعيم في الحِلية بسنده، عن عروة أيضًا أنه قَالَ: «لَقَدْ صَحِبْتُ عَائِشَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ كَانَ أَعْلَمَ بِآيَةٍ أُنْزِلَتْ، وَلاَ بِفَرِيْضَةٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ، وَلاَ بِشِعْرٍ، وَلاَ أَرْوَى لَهُ، وَلاَ بِيَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ العَرَبِ، وَلاَ بِنَسَبٍ، وَلاَ بِكَذَا، وَلاَ بِكَذَا، وَلاَ بِقَضَاءٍ، وَلاَ طِبٍّ مِنْهَا».
فَقُلْتُ لَهَا: يَا خَالَةُ، الطِّبُّ مِنْ أَيْنَ عُلِّمْتِهِ؟!
فَقَالَت: «كُنْتُ أَمْرَضُ، فَيُنْعَتُ لِيَ الشَّيْءُ، وَيَمْرَضُ المَرِيْضُ، فَيُنْعَتُ لَهُ، وَأَسْمَعُ النَّاسَ يَنْعَتُ بَعَضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَأَحْفَظُهُ».
لذلك كان عُرْوَةَ يقول: «مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالطِّبِّ مِنْ عَائِشَةَ».
وقال أبو عمر بن عبد البر: «إن عائشة كانت وحدية بعصرها في ثلاثة علوم: علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر».
ولعل أحدنا يسأل: ما الفائدة من معرفة هذا؟
أقول: هذه رسالة قوية من أم المؤمنين إلى كل النساء المسلمات؛ أن كُنَّ موسوعيين، لا تقتصرن على معرفة العلوم الدينية الشرعية فقط، بل اجمعنَ بين علوم الدين وعلوم الحياة، لتفوزنَ بالحسنيين.