يدرس التلاميذُ في منهج العلوم أنَّ مصطلح «المادة» يُطلَق على كل ما له كتلة وحجم.
بمعنى أنَّ أي شيء يمكن وزنه ويشغل حيزًا من الفراغ يمكن أن نسميه مادة، سواء كان ذلك من السوائل كالماء أو غازات كالهواء أو جوامد كالتراب.
وبناءً على ذلك فإن الإنسان باعتباره جسمًا ولحمًا وعظمًا ودمًا ... فهو مادة من هذا المنطلق.
لكنَّ ثمَّة أمر لا بد أن ننتبه له وهو أنَّ الله - جلَّ وعزَّ - لمَّا أراد خلقَ الإنسان لعبادته ولعمارة الكون؛ نفخ في ذلك المخلوق من روحه القدسية ما جعلته يعلو ويرقى عن عوالم المادة إلى مقام الإنسانية، التي تجمع في طياتها بين الجانب المادي والجانب الروحي.!
مما ترتب على ذلك أنْ أصبح الإنسانُ مُكلَّفًا برعاية جسمه المادي؛ فيأكل ويشرب ويتحرك ويغتسل وينام ويتزوج ويمارس كل ما يحفظ عليه صحة جسمه وسلامته.
وكذلك مُكلَّف برعاية جانبه الروحي، بما شرعه الله له من الصلاة والصيام والذكر والعبادة وكل الطقوس التي تُهذِّبُ تلك الروح وتربِّيها وتطهرها مما عساه أن يعكر نقاوتها الأولى.
قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۞ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۞ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ۞ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).
ومن هنا برزت المشكلة عند المجتمع الغربي غير المؤمن الذي أراد أن يتملَّص ويهرب من تلك التكاليف الثقيلة؛ فرَاحَ يُنكر ويتنكر للجانب الروحي في حياة الإنسان !!
فقال بأن الإنسان مادة فقط، وبالتالي فهو مطالب بالرعاية المادية من مأكل وملبس ومشرب فقط.
أما رعاية القلوب والمشاعر والوجدان وتزكية النفوس وتربية الأرواح فهو - من تلك النظرة المادية البحتة - أمورٌ دجلية متخلفة لا أصل لها.
وهذه هي طائفة «الماديين» التي تحاول الآن - بكل منطق مغشوش وبكل أساليب تكنولوجية مسعورة - خلع الإنسان من ثوبه الروحي وصرفهِ عن هذا الجانب تمامًا إلى الحياة المادية وفقط؛ فنتج عن ذلك ما نتج من كوارث نفسية خطيرة أدَّت بالشباب عندهم إلى الانتحار...
إذن خلاصة القول أن: الإنسان مادة وروح، وللمادة متطلبات وللروح متطلبات، فلا يطغى جانب على جانب.
والحذر الحذر من إهمال الجانب الروحي فهو أصل كل عافية للجسم، وصدق القائل:
يَا خَادِمَ الْجِسْمِ كَمْ تَشْقَى بِخِدْمَتِهِ
أَتَطْلُبُ الرِّبْحَ مِمَّا فِيهِ خُسْرَانُ
أَقْبِلْ عَلَى النَّفْسِ وَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا
فَأَنْتَ بِالنَّفْسِ لَا بِالْجِسْمِ إِنْسَانُ