في مثل هذا اليوم ومع شروق شمس يوم السابع من رمضان في كل عام، تفرحُ الأمة الإسلامية، بل ويفرح كلُّ ذي قلبٍ ينبض بالإيمان؛ احتفالًا واحتفاءً بميلاد واحدٍ من المقدسات الإسلامية، التي شاء الله لها البقاء وكتب لها الخلود في ذاكرة التاريخ وفي قلب الحياة.
تحتفي الأمة الإسلامية اليوم بذكرى ميلاد قِبلة العلم ومعقَل الوسطية ومنارة الهدى وقلعة الثقافة الإسلامية وحصن اللغة العربية وحاميها.
نحتفل في هذا اليوم المبارك من هذا الشهر الكريم بذكرى (ميلاد الأزهر الشريف) حامي حمى الدين واللغة.
ففي مثل هذا اليوم منذ أكثر من أحد عشر قرنًا من الزمان شاء الله للأزهر أن يَبـزغَ نَجمـهُ في سَماء مصر الكنانة؛ ليحتضنَ أشرفَ ثقافةٍ في الوجود، وَلِيَضُـمَّ في أروقتهِ الفسيحةٌ أبناءَ المسلمين من كلِّ الأرض ويبعثَ بعلماءه وأساتذته إلى ربوع الدنيا؛ لينشروا عبير الإسلام فيها.
وفضل الأزهر لا ينكره إلا جاحد؛ إذ لولاه لضاع التراث الإسلامي ولاندثرت حضارة المسلمين العلمية والأدبية؛ خاصة بعد تلك الهجمات التترية الشرسة التي أطلَّت على البلاد بوجهها الكالح، بعد القرون الثلاثة الأولى التي قال عنها سيدنا رسول الله ﷺ: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).
فبعد هذه القرون الفاضلة، وبعد أن أطاح التتار بحملاته المسعورة بمكتبات الإسلام وبعلماء الحضارة الإسلامية، فأحدثوا مجازرًا وإبادة؛ كادت أن تقضي على تراث المسلمين للأبد؛ لولا عناية القادر أن تدارك هذه الأحداث بمولد ذاك الحصن المنيع والقبلة الشامخة، فاحتوت هذا التراث وحافظت عليه ونهضت به.
والحق أنَّ الأزهر نهضَ وما زال ينهض بالتراث الإسلامي، تحقيقًا وتدريسًا وشرحًا وتدقيقًا.
إي وربي إنه لحق، ذلك ما نراه في الجامع الأزهر، من حلقاتِ العلم التي لا تنقطع، ومن دورات شرعية وعلمية وأدبية يَعُدُّها الأزهر ويقدمها طوال العام لكل الناس وكافة الأعمار، ويتوافد عليه عشرات الجنسيات كل يوم.
وما نراه في جامعة الأزهر العريقة، في جميع كلياتها، والتي تقرب من 86 كلية، في علوم الشريعة والحقيقة والطبيعة.
وما نراه في (هيئة كبار العلماء) من اجتهادات ودراسات لقضايا كبرى تشغل عالمنا المعاصر.
وما نراه من (مجمع البحوث الإسلامية) التابع للأزهر الشريف من إصداراتٍ وأبحاث ودراسات تقوم على خدمة التراث الإسلامي وتسعى إلى نفع المسلمين بصور مختلفة.
كل ذلك يُحسب للأزهر ويُضاف لرصيده الذي تجاوز العشرة قرون، وهو ما زال واقفًا شهمًا يحملُ هَـمَّ الدعوة على عاتقة ويتبنَّى قضية القضايا في عالمنا المعاصر وهي قضية القدس والمسجد الأقصى.
كل ذلك يدعونا في مثل هذه الذكرى أن نحمدَ اللهَ ونشكره على هذه النعمة الكبرى التي أنعم بها على مصر، بل وعلى الأمة الإسلامية كلها.
أراهُ خَاشِعًـــا وَرِعًـــا ... على مِحرابهِ طَلِعـا
ولــفَّ بنــورهِ الآمــادَ ... لمَّـا قــامَ وارتفعـا
وظل مـدى الأجيال ... ثَبْـتَ القلبِ ما خُدِعَا
فكل هدايةٍ سطعـت ... فمنه ضياءها سطعا
وكــلُّ ثقافـةٍ نَبَعـتٔ ... فمنـهُ ماءهـا نَبِعَـا
فإن سألوكَ عنهُ فقلْ ... أراهُ خاشعًا ورِعًـا
أراهُ الأزهرَ المعمورَ ... بَدرًا في الدُجى طلعا
(الأبيات للأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم)
نسألُ اللهَ أن يحفظ أزهرنا الشريف، وأن يجعله دائما في شموخ وازدهار، ببركة خدمته لكتاب الله، وحراسته وأمانته لسنة سيدنا رسول الله ﷺ، فهو على ذلك قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.