هل تعلم أخي القارئ أن «الصوت» يخترق الجلد واللحم والدم ويصل إلى داخل الجسم؟!
هل تعلم أن الصوت يستطيع إصهار البلاستك، وتجريح الحديد، وتكسير الزجاج، وحرق المواد وكأنه نار متأججة؟!
هل تعلم أنَّ الصوت لديه القدرة على تكسير الأحجار وتفتيت الحصوات؟!
هل تعلم أنَّ الصوت من أفضل المنظفات المعروفة الآن؟! هل تعلم أنَّ الصوت يستخدم في طلاء المعادن؟!
هل تعلم أنك تستطيع قتل أي كائن بالصوت؟!
نعم، يستطيع «الصوت» إحداث كل هذا وأكثر، وليست هذه نظريات قد تصح أو تُخطئ، بل هذه حقائق علمية معروفة منذ سنوات كثيرة، والواقع الطبي والصناعي خير شاهد.
وقد تتسائل: كيف يحدث ذلك، وعن أي نوع من الصوت تتحدث؟
بالطبع ليس المقصود هو درجة الصوت البسيطة التي نسمعها، بل نتكلم عن الصوت العالي جدًا الذي تصل قوته إلى أكثر من عشرين ألف ذبذبة في الثانية الواحدة، وهو ما نسميه في المصطلحات الفيزيائية «الموجات الفوق صوتية» أو «Ultrasonic Energy»، وهي عبارة عن موجات تضاغطية يزيد ترددها عن 20 كيلو هرتز، وهو أكبر من المدى الذي تستوعبه الأذان البشرية.
والصوت - كما يعرفهُ كل مَن درس الفيزياء في مراحل التعليم - عبارة عن طاقة ميكانيكة، له قوة تضاغطية، ينتج عنها حالة من الاهتزازات تتفاوت قوتها بقوة الصوت.
وقد لاحظ العلماء في القرن الماضي أننا عندما نصل بالصوت إلى هذا المدى البعيد فإننا نستطيع أن نحصل على خصائص عجيبة للصوت، قد افتتحنا ببعضها هذا المقال.
وليست هذه نظريات على ورق كما قلت، بل تطبيقات هذه الموجات الفوق صوتية شاهدة وحاضرة في عالمنا المعاصر بقوة شديدة في مجال الطب والصناعة والزراعة وغير ذلك.
فمن خلال هذه الموجات الفوق صوتية استطعنا إجراء أدق العمليات الجراحية بدون مشرط، وتلحيم الجروح بدون خياطة!
استخدمنا هذه الموجات في «السونار» للكشف عن حالة الأجنة في بطون أمهاتهم، ومعرفة جنسه!.
بهذه الموجات استطعنا رؤية البنكرياس والكبد والكليتين والمثانة .... بكل وضوح وبكل سهولة، وتشخيص الحالة المرضية بدقة، وإجراء العمليات بدون جراحة.
من خلال الموجات فوق الصوتية نستطيع تفتيت حصوات الكلى، والتخلص من الأورام في الخلايا المصابة.
نستخدم هذه الموجات في ترسيب العوالق، وفي طلاء المعادن.
من خلال الطاقة الفوق صوتية نستطيع قتل اليَرقات والكائنات الدقيقة في مياه الترع والمستتقعات بدلا من المعالجات الكيميائية!!
كذلك أثبت العلماء بالتجارب أن الصوت الرقيق الهادي العذب (الموسيقى) يجعل الجاموس تُدرُّ كمية أكبر من اللبن، وأن الصوت المزعج الضوضاء يرفع ضغط الدم.
سبحان الله!! خواص مذهلة وتطبيقات مذهلة واستخدامات مذهلة لا يسعنا إلا أن نقول سبحان الله الخالق المبدع.
ولعل من المفيد في معرفة هذه الخواص الفوق الصوتية أنها تَكَفَّلت بالردِّ القاطع على أولئك الذين كانوا يشككون في آيات القرآن الكريم وخاصة آيات الصيحة والصاعقة والنفخة.
ففي قوله تعالى: ﴿وَأَخَذَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ ٱلصَّیۡحَةُ فَأَصۡبَحُوا۟ فِی دِیَـٰرِهِمۡ جَـٰثِمِینَ﴾ [هود 67]، وقوله: ﴿إِن كَانَتۡ إِلَّا صَیۡحَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَإِذَا هُمۡ خَـٰمِدُونَ﴾ [يس 29]؛ تسائل غير المؤمنين: كيف استطاعت الصيحة (الصوت) أن تُحدث كل ذلك، أي عقلٍ يُصدِّق أنه يمكنك تدمير الناس والبلاد من خلال الصوت؟!
وفي قوله تعالى عن النفخ في الصور: ﴿وَنُفِخَ فِی ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَاۤءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِیَامࣱ یَنظُرُونَ﴾ [الزمر 68] قالوا: كيف يُصعَق كل من في السموات والأرض في آخر الزمان بنفخة واحدة فيموتون جميعا، ثم بنفخة أخرى يقومون من موتهم؟!
ولكن بعد أن عرفنا ما للصوت الفائق من خواص، وما يمكن أن تحدثه الموجات الفوق الصوتية، فإننا نزداد إيمانا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر.
ولئن كانت الموجات الفوق صوتية المحدودة القوة تستطيع أن تقتل وتحرق وتصهر وتُذوِّب وتلحم فكيف بصوت جبريل الذي يمتلك قوة أكبر بكثير من القوة الفوق صوتية، كما وصفه ربنا سبحانه بأنه ﴿ذِی قُوَّةٍ عِندَ ذِی ٱلۡعَرۡشِ مَكِینࣲ﴾ [التكوير 20]، وبأنه ﴿شَدِیدُ ٱلۡقُوَىٰ﴾ [النجم 5]
وكيف تقارن قوة إسرافيل نافخ الصور بالقوة البشرية وللملائكة قوى خارقة؟؟
وكيف تقارن قدرات وطاقات المواد المخلوقة بقدرة الله وقوته وطاقته التي أخبرنا عنها القرآن بقوله: ﴿أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا﴾ [البقرة 165]، وقوله ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡعَزِیزُ﴾ [هود ٦٦]، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِینُ﴾ [الذاريات 58]، فقوة الله عزيزة لا تُغلب، ومتينة لا تُضاهى، سبحانه وهو على كل شيء قدير.
وصدق الله العظيم حين قال: ﴿سَنُرِیهِمۡ ءَایَـٰتِنَا فِی ٱلۡـَٔافَاقِ وَفِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ یَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ﴾ [فصلت 53]