أما عن علماء الحضارة الإسلامية الموسوعيين الذين جمعوا بين العلوم المتعددة والمجالات المختلفة، فهم كوكبة كبيرة وأنجُم كثيرة متناثرة في سماء الدنيا، كم استهدت البشرية بأنوارهم وكم سعدت الحياة بعلمهم وأفكارهم.
ومن هؤلاء نذكر الشيخ الرئيس، حجة الحق وشرف الملك، الحَكَم الدستور، الحسين ابن سينا، أحد أبرز أعلام الحضارة الإسلامية في القرن الخامس الهجري.
الرجل الذي كان موسوعة في الرياضيات والكيمياء والطب والفلك والقانون والسياسة جنبا إلى جنب علوم الدين واللغة والتصوف.
فكانت مؤلفاته من أعظم ما أنتجته العقول البشرية من فكر وعلم، مع تنوعها في كل فن واتساعها في كل علم، حتى غدا أعظم العلماء الموسوعيين الذين عرفتهم البشرية قاطبة.
والحديث عن ابن سينا شرحهُ يطول وتقصرُ من دونه أعناق الفحول، وكم أفرد للحديث عنه والترجمة له العلماء الكبار شرقًا وغربًا، قديمًا وحديثًا، من اللغات المتعددة والملل المتناحرة والديانات المختلفة.
لكنَّ غايتي من هذا البحث تكفي بأن نشير إلى أبرز جهوده العلمية من اكتشافات ومؤلفات، تبرهن لكل ذي عين عَظمة موسوعية هذا الرجل الفذ، ليكون في سيرته وموسوعيته رسالة إلى شباب العلم وطلابه الذين حَبَسوا أنفسهم وتقوقعوا في ورقات معدودة لا يطمح أحدهم إلى مجاوزتها بحجة فارغة ناطقة (هذا ليس تخصصي) !!
كتبَ الشيخ ابن سينا في مجالات متعددة:
⬅️فمن مؤلفاته في الرياضيات: مختصر إقليدس، ومختصر المجسطي، ومختصر علم الهيئة، ومختصر الأرتماطيقي، وكتاب الزاوية.
⬅️ومن مؤلفاته في الفلك: رسالة في الأجرام العلوية وأسباب البرق والرعد، ورسالة في الفضاء، ورسالة في إبطال أحكام النجوم، وبيان علَّة قيام الأرض في وسط السماء.
⬅️وله في الطب: القانون، وكتاب الأدوية القلبية، وكتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية، وكتاب القولنج، ورسالة في سياسة البدن وفضائل الشراب، ورسالة في تشريح الأعضاء، ورسالة في الفصد، ورسالة في الأغذية والأدوية.
⬅️وله في الشعر والنظم: أرجوزة في التشريح، وأرجوزة المجربات في الطب، والألفية الطبية المشهورة التي ترجمت وطبعت. ولابن سينا باع في الشعر العربي وله ديوان منشور.
⬅️وله في علم الموسيقى: مقالة جوامع علم الموسيقى، وله عدة مقالات أخرى في الموسيقى.
⬅️وكتب في الفلسفة: الإشارات والتنبيهات.
⬅️وله في علوم الدين: كتاب الصلاة.
⬅️وله رسالة في النبات والحيوان، وله
كتاب السياسة . . .
ولم تكن كتب ابن سينا مجرد كلام نظري تناقله عن الذين سَبقوه.
كلا، بل كانت الرَحِم والنواة الأولى التي تفجَّرت منها أساسيات العلوم الحديثة، وكانت مؤلفاته مَرجِعا مهمًا لكل علماء أوروبا حتى القرن التاسع عشر الميلادي.
وفي كتبه تجد الكثير من الاكتشافات المذهلة في كل العلوم التي أشرنا لها.
1- فهو من أوائل الذين تحدثوا عن الجاذبية الأرضية، وعن قوانين الحركة، وخاصة القانون الأول للحركة، الذي ينسب لنيوتن ظلما وزورا.
2- وهو أول من وصف الالتهاب السحائي، وأول من فرَّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، وهو أوَّل من فرَّق بين المغص المعوي والمغص الكلوي.
3- وصف في كتابه القانون في الطب نحو 760 دواءً.
4- تحدث عن تلوث البيئة وأنها تسبب أمراضاً للإنسان منها حساسية الجهاز التنفسي.
5- هو من أوائل العلماء المسلمين الذين تحدثوا عن أهمية العلاج النفسي.
6- هو أول مَن اكتشف أن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت. وهو أول تحدث عن العلاقة بين السمع والموجات الهوائية، وكيفية انتقال الصوت في هذه الموجات الهوائية.
7- هو الذي اخترع جهازاً لرصد إحداثيات النجوم.
8- هو من أوائل مَنْ مهدوا لعلم الديناميكا.
وهو . . . وهو . . .وهو . . .وهو . . . بحرٌ لا ساحل له.
لو أردنا أن نحصي إنجازات ابن سينا واكتشافاته لاحتجنا إلى عشرات رسائل الدكتوراة، وبالفعل قد تم هذا.
فابن سينا لم يكن شخصية عابرة في تاريخ البشر، بل كانت شخصية مؤثرة جدًا، لو أردنا أن نكافئها بتقديرات اليوم؛ لاستحق ابن سينا مليون جائزة من جوائز نوبل.
فرضي الله عن الإمام ابن سينا، ونسأل الله أن ينفع بعلمه ومسيرته أجيالنا وشبابنا، وأن يخلق منهم مَن يجدد هذه المسيرة الفريدة، فهو على كل شيء قدير.