يا حضرةَ القاضي اِسمح لي بقَصِّ حِكايتي
لتعلمَ مَن دَّمَّرَ حياتي وأفسدَ دُنيتي
وأتى بي إليكم لتُسَجَلَ قضيتي
ظُلِمتُ والظلمُ مُحرّمٌ كما تعلمُ سَيّدي
عُقِدَ لساني ولم يُسعفني مَنطقي
فلم ولن تَرى سَيّدي كبلوتي
فأنا المظلومة والظالمُ والدي
شكوتهُ لرَبّي وجئتُ لأشتكي
ظُلماً وقعَ بي دونَ جِنايتي
حُرِمتُ حقّي من التعليمِ الجامعي كسائرِ دُفعتي
سُرِقتُ من بينِ جيلي وصُحبتي
فُرِّقَ بيني وبين أحبّتي
حُبِستُ دونَ ذَنبٍ سَيّدي
ظُلمتُ ظُلماً آثمٍ مِن والدي
ومُعاونوهُ من العمّاتي والعَمِ
وبَنيهم دونَ جِنايتي
يا حضرةَ القاضي جئتُ لأشتكي
حقٌّ ضائعٌ لا ذَنبَ لي بهِ سَيّدي
أينَ الأُبوّة من ظالمٍ كوالدي؟!
لم أفعل سوى البرّ بهِ سَيّدي
أطعتُ اللَّهَ فيهِ فعصاهُ فيَّا وذهبَ ليشتكي
كيف لمريمَ أن تُكمِلَ تعليمها وتلمعَ كالنجمةِ؟
كيف لمريمَ أن تطولَ ما لم تَطلهُ يدي؟
كيف لمريمَ أن تكونَ أفضلَ من إخوتي؟
كيفَ وكيفَ وكيفَ لمريمَ بضعتي؟!
يا حضرةَ القاضي جئتُ لأشتكي
سالوهُ لماذا تزوجَ مُنذُ البدايةِ؟
أينَ الحقوق يا سَيّدي؟
وبماذا تحكمونَ على العاقِّ والدي؟
لم أُفصّل ظُلمه يكفي الإشارة واللبيبُ بالإشارةِ يفهمِ
يا حضرةَ القاضي جئتُ لتركِ العِبرةِ
لمَن كانَ مظلوماً وظالمه والدٌ كوالدي
أعانني اللَّهُ فلم أقنط ودعوتهُ ليكشُفَ كُربتي
فحباني موهبةً مُنذُ صِغري سَيّدي
فعَمِلتُ عليها حتّى غدت ظاهرةٌ عليَّ كَشَّمسِ الظهيرةِ
فيا مظلومًا لا تيأس ورَبُّكَ الجبّار
فمهما طالَ الظُلم مصيرهِ قبضةُ القهّار
ولا تُشغل عقلك بالهَمِّ يا فهمان
كُن واعيًا ولا تخجل من شيءٍ اختارهُ الرحمٰن
فنحنُ يا أُخيّا لا نختارُ أقدارنا لكنَّنا نُعوَّضُ بعطايا المَنّان
هي دُّنيا فلا تُضيّعها واستثمر فيها لأُخراكَ يا نبهان
فقد عَلّمتني أُمّي أنَّ الدنيا طريق لكُلِّ إنسان
لذا لا تجعلها أكبر هَمّكَ وابتغي بها وجه الرحمٰن
ولتعلم بأنَّ اللَّهَ إذا ابتلاكَ فلحُبّهِ لكَ فلا تكُن جزعان
رَبُّكَ العدلُ ليسَ بظالمٍ فأقدارهِ كُلّها خيرٍ فداوم على الشُكران
لم ينل منّي شبح الظُلم فقد جعلتهُ طريقي إلى الرحمٰن
فتقرّبتُ أكثرَ من خالقي وهوّنَ عليَّ بنعمةِ القرآن
ولا تَنس الصّلاةَ أُخيّا فبها تَصلُ ما بينكَ وبينَ اللَّهِ فحافظ عليها على وقتها ولا تكُن كسلان
ثُمَّ الصلاةُ على سيدنا مُحمّدٍ لهي كالماء للظمآن
فَزِدْ منها ما شئتَ تعش سعدان
وعلى قدرِ طاقتكَ تَصدّق ولو بكوبِ ماءٍ تروي بهِ ظمآن
فإن لم تستطع فبكلمةٍ طَيّبةٍ تروي بها قلبًا حزنان
ولا تَنسَ أنَّ مَن اختارَ لكَ ما أنتَ فيهِ هو الرحمٰن
فارضى بما قَسَمَ لكَ يُرضيكَ بما يُسعدُ القلب ويُقرّ العينان
وخُذ قِصّتي بعينِ الأملِ فرغم قِدَمِها إلَّا أنَّها تأبى النِسيان
شكرًا لكَ حضرةَ القاضي حضرة الإنسان.