مبتورٌ مَن ليسَ لهُ تاريخ؛ فتراهُ يُحاولُ جاهدًا تعويض النقص بداخلهِ لكنَّهُ لن يُفلح، ما دامَ أُولي التاريخ يُحيطونَ بهِ من كُلّ مكان، لذا سيُفكّرُ مليًا جليًّا في عملٍ ما يجعلهُ يُذكَر ولو ذَمًّا.
وأمثلة ذلكَ كثيرة، أشهرها خنازير الأرض؛ الذينَ تخصّصوا في سرقةِ الأرضِ والعِرض، كما اشتهروا بإراقةِ الدِ.ماء الطاهرة، وزهق الأنفُسِ الزكية، أيضًا برعوا في جَعلِ العُهرِ دخيل السياسة العالَمية، ومؤثر جَلي في إتخاذِ القرارات المصيرية بحقّ الشعوب المقهورة.
رُّبما يبدو الأمر غاية القذارة والوضاعة، لكن حنانيكم على أعصابكم، فأمثال هؤلاء ليسَ لهم سطرٌ في كتابِ التاريخ، بل ليسَ لهم وطنٌ يُذكَر، وبالطبعِ ليسوا شُرفاء كي يتخذونَ من العِلمِ سُلّمًا يرتقوا بهِ نحو العُلا، أيضًا لا يملكونَ المال، كما أنَّهم يمتازونَ بطباعٍ شخصية تجعل عِشرتهم مُستحيلة حتّى للحيوانات أكرمكم اللَّه فكيفَ ببني آدم؟
خنازير الأرض ال.عُهّار سرقوا بعضَ أرضنا بموجب إتفاق عالَمي، ثُمَّ تطلعوا لخيراتنا وثرواتنا بل وخِيرة رجالنا، أفقرونا وزرعوا الحقد بيننا، دّسّوا الدسائسَ لنا، مكروا بِنا، أشاعوا رُخصهم على أرضنا، نشروا العُهر والشذ.وذ والمُخدِرات بينَ شبابنا؛ ليُبعدوهم عن دينهم فيَهلكوا وينقضي نسلنا، فعلوا كُلّ خبيثٍ ليطمسوا هويتنا الدينية والوطنية لكنَّهم لم ولن يُوفقوا فاللَّهُ معنا ولن يُضيّعنا.
ابتدعوا مُصطلح الدويلات ليُفرقوا شملنا، فبعدَ أنْ كانَ الوطن العربي هو المُسمّى الجامع لكُلِّ الشعوب العربية، أضحتْ الجمهورية والمَلكية، وتلكَ دولتك وهذهِ دولتي، وهذهِ أرضي وتلك أرضك، رُغم أنَّ الأراضي جميعُها أرضٌ واحدة.. هي أرض الوطن العربي.
الوطن العربي مُصطلحٌ طالما ذُكِرَ أدمى القلبَ قبلَ المُقَل!
الوطن العربي حُلم العودة للأصلِ والجذور، أصلنا الطيّب وجذورنا الضاربة في أعماقِ التاريخ، بل نَحنُ مَن أرَّخَ التاريخ ولنا أُؤرِخَ التاريخ.. نَحنُ العرب.
نَحنُ مَن علّمنا الدُنيا كيفَ تكون الحضارة؟
نَحنُ العالَم حينَ لم يَكُن هُناكَ عالَم!
نَحنُ العرب أهل الحِميةِ والشهامة، والنُبلِ والكرم، والشجاعةِ والفِراسة، والقوّةِ والبأس، والشِدّة والرجولة.
نَحنُ العرب ابتعدنا عن نَهجِ اللَّهِ فأُهيِنَتْ كرامتنا وأُريقَ دَمُنا، تركنا كتابَ اللَّهِ وسُنّة رسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضللنا الطريق، تجاهلنا ما فُضّلنا بهِ على سائرِ الأُمم فضلّ سعيُنا، تناسينا أنَّ اللَّهَ قد أعزّنا بالإسلامِ ولا عِزّةَ لنا في غيرهِ.
انشغلنا بالنزعاتِ المُصطنعة لتفرقتنا، وتركنا أشقائنا لخنازيرِ الأرض يسرقونَ أعمارهم، ثُمَّ يزهقونَ أنفسهم ورُّبما باعوا أعضاءهم.
ننام ونستيقظ، ونأكُل ونشرب، ونعمل ونتكاثر، ثُمَّ ننام ونستيقظ، ونأكُل ونشرب، ونعمل ونتكاثر، أينَ حقّ الإسلام والعروبة من حياتنا المُتكررة هذهِ؟
يُقال أنَّ السمكةَ تفسدُ من رأسها، جيّد، لكنَّني أقولُ أنَّ الهرمَ يُهدَم من قاعدتهِ؛ فأساس الهرم القاعدة، وإذا لم نُحسِن بناء القاعدة فكُلّ بناءٍ يعلوها واهنٍ، وحتمًا سينقضّ بمرور الوقت.
ما أودُّ قولهُ أنَّنا قد أخطأنا جميعًا في حقِّ الوطن العربي، ولا أستثني أحد، راعٍ ورعيّة مُخطئونَ في هدرِ كرامتنا، مُخطئونَ في ضياعِ تاريخنا، مُخطئونَ في نسبِ مَجدنا لغيرنا، مُخطئونَ في عدمِ الدفاعِ عن حقوقنا.
قد أخطأنا جميعًا حينَ تناسينا أنَّ اللَّهَ مُحاسبنا على كُلّ صغيرةٍ وكبيرة، أخطأنا حينَ آثرَ الراعي أهلهُ دونَ الرعيّة، أخطأنا حينَ أهملنا نُصح الراعي، أخطأنا حينَ جهلتْ الرعيّة حقوقها، ولنُصحِ الراعي آداب لا بُدَّ من الإلتزامِ بها؛ لتجنُّب إثارة البلبلة، فلا يصّح النُصح جهرًا لأنَّهُ ببساطة شديدة إنْ حَدَثَ فقد فَقَدَ معناهُ، والنُصح يُسّر للمنصوحِ لا لعمومِ النّاس ما دامَ هو المَعْني، أيضًا يُؤخَذ في الإعتبار مكانة المنصوح؛ فالعاقل مَن يُنزِلُ النَّاسَ منازلهم، والذكيّ مَن يبدأ بالتذكيرِ باللَّهِ، كما لا بُدَّ وأنْ يكونَ قد أخلصَ النيّةَ لرّبّهِ، ولا ينسَ أنَّ المُستشار مؤتَمَن، والنصيحة للَّهِ ورسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولعامةِ النّاس وخاصّتهم.
رُغم أنَّ الواقعَ مُلّبدةٌ سماءهُ بغيومٍ سوداء حالكة الظلام إلَّا أنَّني على يقينٍ بأنَّ اللَّهَ سيُنصرنا عمّا قريب، وستسعد آذاننا بسماعِ ما اشتاهتْ سماعه "يا خَيلَ اللَّهِ اركبي".. كونوا على الموعد.