انتشرَ مؤخرًا أمرًا عجيبًا وهو الغشّ من قِبَلِ طلبةِ الثانويةِ العامّة تحديدًا، ويتم ذلكَ عن طريقِ أحدث الأجهزة الإلكترونية الدقيقة، كسماعةِ أُذنٍ لا سلكيّة تتميّز بدقتها العالية، والتي يصعُب إكتشافها بسهولة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يستعين الطلبة بوسائلِ الغشّ؟
بل لماذا يحتاجونَ إلى الغشِّ أصلًا؟
أم أنَّهم قد اِعتادوا فِعل ذلك!
هُناكَ طلبة يجتهدونَ في طلبِ العِلمِ أيُّما اِجتهاد، فتراهم يُسابقونَ الزمن ليَسطُروا أسماءهم بحروفٍ من نورٍ في سِجلِّ مَن سبقوهم.
وهُناكَ طلبة يتفننونَ في الغشِّ بكافّةِ وسائلهِ لا يعنيهم طلب العِلمِ في حدِّ ذاتهِ قدر ما يعنيهم أن يكونوا ناجحينَ أمام النَّاسِ وفقط.
الأمر غاية في الخطورة، فمَن يفعل ذلكَ السلوك المُشين (سلوك الغشّ) يُساهم في تدميرِ الدولة؛ حيثُ يُزاحم طلبة العِلم الحقيقيين في مَقاعدِ الدراسة دونَ فائدة، ثُمَّ ينجح ويدلف مرحلة التعليم الجامعي، وينحج أيضًا ليتخرجَ بعدها فتراهُ حاصلًا على شهادةٍ جامعية رُّبما لا يعي فائدتها.
أتساءل: ماذا لو غشَّ طالب الثانويةِ العامّة فحصلَ على درجةِ الطب.. أيُقبل دونَ معرفة كيفية حصولهِ على المجموع؟!
أيُعقلُ أن يكونَ طالبَ الطبِ حاصلًا على مجموعهِ بالغشّ؟
وذكرتُ الطب تحديدًا لمدى خطورة الأمر؛ حيثُ يُعَدُّ الطبيب سببًا لتخفيفِ مُعاناةِ المرضى، الذين يأتمنونهُ على أرّواحهم، فكيفَ بمَن يرتدي زيّ الطبيب دونَ حقٍّ فيذهبَ ليُعالجَ المرضى فيقتلهم؟
إننا نواجهُ اليومَ فسادًا من نوعٍ آخر، وهو فسادٌ خاصّ بالتعليم ولستُ أقولُ شيئًا من عندي، بل هو الواقع يا سادة؛ الواقع الذي يعجّ بخريجي جامعاتٍ لا يفقهونَ شيئًا، بل لرُّبما لا يستطيعونَ كتابة أسماءهم دونَ أخطاءٍ إملائية!
أذكُرُ في سالفِ الزمانِ حينما كانَ طلب العِلم غاية لا وسيلة، كانَ الأبّ يُرسل ابنهُ لمُعلّمٍ ليُعلّمهُ آداب طلب العِلم قبلَ الشروعِ فيه، فسادتْ الأُمّة العربية سائر الأُمّم بالعِلمِ والأدب، والعمل بمضمونِ كليهما.
العِلمُ هو الأساس الصحيح لبناءِ الدول، ولأهميتهِ البالغة كانتْ أوّل آية في نزولِ القرآنِ الكريم هي " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ".
وأعودُ بالحديثِ عن طلبةِ العِلمِ الذينَ يتجمّلونَ بنجاحهم في مراحلهم الدراسية المُختلفة بُناءً على إجتهاداتهم الذاتية في الغشّ، حتّى إذا ما سألَ أحدهم سائلًا عن كذبهِ بشأنِ ما حصلَ عليهِ جراء ذلكَ من شهادات، تراهُ ينفي الكذب ويزعُم أنَّهُ يتعلّم.