ممّا لا شَكَّ فيهِ أنَّ فقر الفرد يؤثر سلبًا على مُجتمعهِ فيمنعهُ من طلبِ العِلم فيضحي أُمّيًا، والأُمّية والفقر وجهان لعُملة واحدة؛ فبهما تَكثُر الجرائم وتضيع الأمانة بينَ الأفراد، هذا إنْ كانَ الفقر مخصوصًا بالفرد أمَّا إنْ خُصَّ بالمجتمع فعلى التقدُّم والازدهار السلامة؛ ففقر المجتمع أشدُّ تأثيرًا من الناحية السلبية على الفرد، حيثُ ضياع الحقوق ممّا يؤدي بالضرورة لعدم الالتزام بالواجبات، ضعف الإنتماء لإنشغال الفرد بلقمة العيش، التعنصُر الطَبَقي وانتهاك الحُرمات تبريرًا للحرمان بمفهومهِ العام.. أمَّا على الصعيد الدُولي فالفقر يقتل شخصية المجتمع الدُولية، وينأ بهِ بعيدًا عن رَكبِ التقدُّم والازدهار، ممّا يؤدي إلى انغلاق المجتمع على نفسهِ وانعزالهِ عن الجانب الدُولي.
ويُعَدُّ الزواج سببًا رئيسيًا في تقدُّم المُجتمع من عدمه؛ فحينَ يكون الفرد كُفئًا للزواج من جميع النواحي يكُن سببًا في تقدُّمِ مُجتمعهِ؛ لأنَّهُ إنْ أنجبَ أدخل بَنيهِ مجال التعليم بعدَ أنْ يُربّيهم تربيةً حَسنة، بعكس مَن لم يكُن أهلًا للزواج لنفترض من الناحية المادّية، فإنْ أنجبَ أضاف عبئًا جديدًا لمجتمعه؛ فليسَ باستطاعتهِ إدخال بَنيهِ مجال التعليم ممّا يزيد في معدلات الأُمّية وما يترتب عليهِ من جرائم بالإضافة لضياع الأخلاق وتجاهل المبادئ.
في قرونٍ مَضت تزوّجَ شابٌّ وعندما عَلِمَ بحمل زوجهِ ذهبَ إلى مُعلّمهِ وقال لهُ: يا سَيّدي أعطني خارطة عن كيفية تربية ابني الذي هو في بطنِ أُمّها.
فأجابهُ المُعلّم قائلًا: لقد تأخرت كثيرًا بُنيّ، كانَ عليكَ أنْ تأتيني قبلَ أنْ تتزوج؛ كي أُعطيك خارطة لاختيار أُمّ ولدك أو كما قال.. وهذا المثال يوضح لنا أنَّ تربية الطفل تبدأ من اختيار أُمّهِ، فالأُمّ هي أساس المَنشأ بالنسبة للطفل.
وعليهِ فإنَّهُ يتحتم على الأُمّ اختيار أبٍ مُناسب لأبناء المستقبل الذين ترغب في إنجابهم، وأقصد هُنا باختيار الأُمّ للأب المُناسب من خلال عدم قبولها بمَن لا ترضى دينهُ وخُلقهُ، وأنْ تختار على أساس الدين، ثُمَّ الأخلاق، ثُمَّ العِلم ثُمَّ الحالة المادّية، ثُمَّ المكانة الاجتماعية، بالإضافة للشروط التي ترغب في أن تراها بأبي أبنائها المستقبلين.
نعيشُ الآن حِقبة عصيبة من الزمن عن طريق ما نراهُ من عوامل فظيعة تؤدي إلى قتل الملايين سنويًا.. ومثال ذلك الفقر المُدقع والمُترتب عليهِ نتائج عِدّة أهمها: 1_المرض، 2_الجهل، 3_نقص الغذاء، 4_تلوث المياه وندرتها، وهذهِ هي المقومات الأساسية لأيّ إنسان كي يبقى على قيدِ الحياة، فكيف بمَن يفقد بعضها أو يفقدها كلّها؟؟
الفقر أصعب من الموت على الإنسان فبهِ يُباح المحظور ويُحَلل الحرام _طبقًاللأهواء_ ويفقد الإنسان إنسانيته، ويُغيّر مبادءهُ التي هي مُكوّن أساسي من مكونات شخصيته.
وبالفقر تُرتَكب الجرائم ويحدث العنف وينتشر التطرف الديني الذي هو جهلٌ بالدين ذاتهِ، ويظهر الإنحلال؛ فمَن أفقدهُ الفقر إنسانيته لا يُبالي بأيّ شيءٍ بعد ذلك.
كما يُعدُّ الفقر أكبر عدو لتقدُّم وازدهار الأُمم بما يُسببهُ لها من تخلفٍ وجهلٍ ومرض.. ولا أُخفيكم سرًّا إنْ قُلتُ لكم أنَّ الفقر كاسرٌ لنفس الإنسان مُهينٌ لكرامتهِ، ولِمَ لا وبسببهِ تعرّتْ الحائر، ودُنّست العفاف، وهذه حالاتٌ خاصّة فردية.. ففي العموم تموت الحُرّة ولا تأكل بثديها.
ويُقهر الرجال بالفقر فيجعلهم كما لو كُنَّ نساءً لا حِيلة لهنَّ ولا شفاعة.
هذه نُبذة مختصرة عن الفقر وما يُسببهُ للإنسان وتأثيرهِ على الفرد والمُجتمع.. لتبرير موقفي من ذكري لشرط الحالة المادّية على الراغبين في الزواج.