أعتدنا أن نذهب لجدتى فى الأجازات بعد إنتهاء فترة الدراسة،كانت تُقيم فى إحدى القُرى فى محافظة بعيدة،وكنتُ أكره السفر وبشدة،ورُغم ذلك كنتُ أذهب دائماً،كنتُ أعشق أجواء القرى والبساطة....وفى ليلةٍ من أواخر ليالى الخريف...ذهبتُ للخارج لأستنشق الهواء...ولم أبتعد كثيراً عن المنزل...سِرتُ قليلاً حتى رأيته وحينها توقف الزمن وماعدتُ أرى شيئاً سواه...كنتُ حينها لا أزالُ فتاةً فى سنِ المراهقة....عبر بجانبى كنسمة هواء باردة ،لم يَلحظنى حتى وأكمل سيره حتى أختفى من مرمى بصرى،هو لم يلحظنى ولكنَ حواسى كلها أحست به...لا أعرف ماذا حدث لى حينها ولكنه ذهب ومعه قلبى،وكأننى لم أرى رجلاً مثله من قبل وكأنه أجمل رجُلاً بالكون......ومنذُ ذلك اليوم وقد أحببتُ السفر وماعدتُ أشعر بمشقته،كنتُ أتمنى أن أذهب لجدتى كل يوم حتى أحظى برؤيته.....كنتُ أظن أنه مجرد إعجاب وسيذهب بمرور الوقت ويبطل سحره وينتهى الأمر ...ولكن الأمر لم يكن كذلك وكَبُرت تلك الفتاة المراهقة وأصبحت تُدرك المشاعر بشكلٍ أفضل ولكن لم تختفِ صورته من عقلها ولو لثانية....وكانت دائمة الحرص على الإلتزام بذلك الموعد فى تلك الليلة التى رأته فيها للمرة الأولى...لعلها تلمحه صدفة....ولكنها لم تعد تراه....وطدت علاقتها بجميع الجيران فى ذلك الحى لعلها تعلم أى شئ عنه....حتى تعرفت على والدته وعَرِفت منها أنه سافر لإحدى دول الغرب وسيعود بعد بضعة سنوات.......وظلت تنتظر لسنوات على أمل أن تلتقى به....حتى رأته فى نفس الحى....وكأن المشهد يتكرر....عبر من أمامها ولم يلحظها تلك المرة أيضاً....ولكن المشهد تلك المرة يحمل فى طياته شيئاً مختلف....فلم يكن تلك المرة يسيرُ وحيداً كانت على يساره امرأة شابة تتأبط ذراعه وعلى يمينه فتاة صغيرة تشبهه ممسكة بيده بحرص.........فى تلك اللحظة لم تحزن ولم تنهار ،ولكن قلبها الأحمق أبقى على حبه لهذا البعيد القريب....لاتعرف لماذا ولكن من المؤكد أن السبب تلك اللمعة التى رأتها فى عينيه منذ أول مرة...تلك اللمعة التى يُغلفها الحنان والدفئ ووعود لا متناهية بالأمان.....الذى لم يُخطئه قلبها يوماً.....فهى كانت بحاجة إليه........